إيليا قجميني لـ «قاسيون»: المسرح لا يغير العالم ولكن تغيير العالم يمكن أن يغير المسرح

إيليا قجميني لـ «قاسيون»: المسرح لا يغير العالم ولكن تغيير العالم يمكن أن يغير المسرح

حاوره : نضال حميده

ملحمة جلجامش من القصص الميثولوجية التي تتحدث عن (الحياة ــ الموت) والبحث عن الحقيقة الإنسانية، لماذا تم اختيار هذا النص وما هي الرسالة التي يود إيليا أن يوصلها إلى الجمهور؟
اخترنا «ملحمة جلجامش» ليقوم عليها تدريبنا وعرضنا، من بين العديد من الملاحم الشعرية والأدبية، لتقدم سلسلة من الصور والعناصر والمشاهد التي تحمل بنية درامية والتي تخدم متطلبات منهج عملنا الإيحائي.
وتعتبر الملحمة أقدم عمل أدبي شعري في العالم في بلاد ما بين النهرين، وقد وجدت النسخة الأولى في مكتبة (أشور بانيبال) في نينوى وهي تعود إلى ألفي عام قبل الميلاد. وهي قصة صداقة ولدت في المنافسة واشتدت في المخاطر ثم وصلت إلى أوجها في المغامرات المشتركة لتنفصل لصورة مؤلمة في الموت.
مأساة جلجامش هي مأساة الإنسان، فهو ليس البطل الخارق والإله الملك الحاكم... بل هو الإنسان، باني الحضارة الإنسانية منذ فجر التاريخ. وسور مدينة أوروك الذي بني من الأجساد البشرية يمثل إحدى الدلالات التي تجسد البناء المادي للتاريخ بكل أبعاده الفكرية والحضارية التاريخية...
إنها عودة لتراثنا ومحاولة للبحث عن مشروع مسرح عربي جديد شكلاً ومضموناً، كما أن هذه التجربة تعتمد بشكل أساسي أيضاً على تدريب جسد وروح الممثل بالإضافة إلى صوته، وهي من المبادئ الأساسية للمنهج الذي أعمل عليه في تدريب الممثل وهو منهج العمل الإيمائي.
ما الذي تهدف إليه من هذا المنهج؟
أهدف أن أضع الممثل أمام جميع الصعوبات التي يمكن أن تواجهه في حياته الفنية، وتنمي الحس الدرامي عنده وتدفعه للتواصل الوجداني مع المجموعة والظاهرة أو الدور الذي يلعبه.. يواجه الممثل لحظة الأداء والتعبير الحاسمة في المشهد من خلال مواجهته العملية لأحاسيسه ومشاعره وقدرته التعبيرية. يجب على الممثل أن يعي بصدق اللحظة الدرامية للمشهد بقدرة تشكيلية قصوى للجسد والذي تعكسه طبيعته الخلاقة من خلال أناه الواعية المسيطرة على جميع أجهزته الجسدية والصوتية والعصبية والتنفسية..
ما هو سبب غياب الأعمال المسرحية الجادة المميزة عن المسرح الحلبي؟
هذا السؤال يجب توجيهه إلى الجهات والمؤسسات الرسمية المسؤولة لكن العرض الذي قدم، يؤكد وجود أعمال جادة ومميزة في تاريخ المسرح الحلبي.
هل الفن المسرحي ترف؟ أم حاجة وضرورة اجتماعية؟
في عالمنا الثالث والعالم العربي يصبح المسرح أكثر من حاجة وضرورة اجتماعية... أنه صراع ونضال وشوق إلى الحرية, وقهر للجهل. إن الفن في المسرح يصل إلى درجة من الشمول يتجاوز به إطار الأدب المكتوب لأن الشيء الجمالي معه يصبح عملاً اجتماعياً، يصبح الأداة التي تبدع الإنسان عندما تمثله وتجعل من الوجود خلقاً مستمراً.. إنه أكثر الفنون التزاماً باللحمة الحية للتجربة الجمعية والتجربة الإنسانية.. ولهذا فإن الفن المسرحي هو واحد من التجليات الاجتماعية ووسيلة للاتصال بالآخرين من أجل الآخرين، وذلك عندما تعبر كلمته الحدود والقارات ليترك الآثار في كل مكان محاولاً تغيير العالم.
على الرغم من تعدد الاتجاهات الفنية (الرومنتيكية ــ الواقعية ــ العبثية) أين يضع المخرج موقعه من هذه التيارات الفنية؟ وكيف يختار النصوص؟
الاتجاهات التي ذكرتها باستثناء العبثية مرتبطة بالمرحلة الأولى بالفن التشكيلي الذي سبق الأدب والمدارس الأدبية بأشواط عديدة، وسأشير هنا إلى خطأ فادح في تدريس الأدب، في مناهجنا التربوية، حيث يتم تدريسه بعصوره الزمنية وليس حسب مدارسه وأساليبه الأدبية لأن الشكل والمضمون في الأدب مرتبط جدلياً بالمرحلة التاريخية الفكرية والاجتماعية والسياسية للإنسان.
وترتبط عملية اختياري للنصوص بالظروف الموضوعية والتاريخية والعملية، فمثلاً عندما قدمت هلال بابل عام 1979 بعد عودتي من إيطاليا، كانت المرحلة التاريخية خطرة للغاية، فالمنطقة بأكملها كانت قد سقطت في مستنقع كامب دافيد الذي تدفع بلدنا الآن مع فلسطين والمنطقة بأسرها نتائجه.. وإذا أخذنا آخر أعمال أخرى قدمتها مثل (الملوك يصبون القهوة) و(ناطحات بلا سحاب)، يرتبط الاختيار بالمرحلة التي لم يسبق لها مثيل في تاريخنا الحديث، لقد جاءت هذه الأعمال رداً على نسف مدن الحضارات «أور، أوروك، بابل، بغداد، بيروت، جنوب لبنان، فلسطين، غزة..» وما يحدث الآن لسورية من عدوان وقح وساخر وهمجي، يجب أن يعكس في النهاية تحولاً واقعياً وتسجيلياً في الأدب والفن والمسرح والسينما بأسلوب وشكل فني ولكن بعيداً عن الخطاب السياسي المباشر، لأن المسرح لا يمكن أن يكون منشوراً سياسياً ولا منبراً للوعظ والخطابة.
هل المسرح العربي في أزمة وأين مسرحنا السوري من هذه الأزمة أين كتابنا؟ أين النصوص الأدبية مما يدور حولنا الآن؟
لنكن واقعيين، الأزمة التي تتكلم عنها ليست أزمة مسرح بل ترتبط بأزمات كثيرة تعصف في مجتمعاتنا، انطلاقاً من أزمة التنمية ومروراً بأزمات التطور والثقافة والحضارة وحركة التحرر الوطني العربي وانتهاء بأزمة الفكر السياسي العربي وتبعيته للغرب. فالمعاناة ليست مسرحية ولا أدبية كما يبدو للوهلة الأولى، وإنما هي أزمة واقع يعاني التجزئة والتشرذم والاحتلال، كما أنه يعيش مرحلة ضياع فكري وسياسي وإيديولوجي وديني وحضاري واستراتيجي.. بالإضافة إلى الاجتياح الاستهلاكي والثقافي والاقتصادي للمنطقة العربية، وأخيراً جاءتنا هذه العولمة الليبرالية المتوحشة لتبتلع كل شيء.. هذا الواقع المؤلم يجعل إنساننا العربي يعيش حالة اغتراب واستلاب فيدخل المسرح والنص المسرحي أيضاً ضمن مشكلة اغترابه وتمزق هويته، ومسألة اغترابه هذه قديمة تعود إلى بداية زحف أنماط الحياة الغربية والاستعمار إلى الشرق العربي ولقد أدرك الفكر العربي هذه المأساة متأخراً.
أما عن التأخر في إنتاج نصوص تحاكي الواقع فبسبب العمر الرسمي للمسرح العربي، إذ لم تثبت ظاهرة المسرح وجودها في المجتمع العربي الحديث، ولم يصبح المسرح ضرورة وحاجة ملحة للجماهير، نحن مازلنا في مرحلة ما قبل «الكوبرنيكية» بمعنى أننا مازلنا نحن نرى «يدور» وليست الأرض التي تدور فالأرض بالنسبة لنا مازالت ثابتة، علينا في البداية تأمين الحاجات الضرورية للمواطن قبل مطالبته بالخروج من بيته للقدوم إلى المسرح، وهناك أسباب عديدة لامجال لتفصيلها هنا، ولكن للتوضيح اعترف بأن الإبداع المسرحي طوال هذه الفترة كان الوسيلة التعبيرية الأكثر محدودية وهامشية في المحيط الثقافي. يعبر النشاط المسرحي بما يحمله من دلالات وجرأة في المخاطبة في النهاية عن مستوى حرية التفكير والإبداع في مجتمعاتنا. الأمر الذي يناط بمستوى الوعي الجماهيري واستجابة المؤسسات الفكرية لذلك. أخيراً أكرر جملتي الشهيرة لكل من يتهم المسرح فأقول: المسرح لا يغير العالم ولكن تغيير العالم يمكن بدوره أن يغير المسرح.
المسرح لديه إمكانيات لتغيير من يعملون في حقله، وهذا التغيير وإن كان جزئياً لكنه شديد الأهمية في المجتمع لأن القيمة الاجتماعية للمسرح تنبع من الأسلوب وطريقة التفكير اللذين يعملون فيه، إنهم حفنة قليلة من الرجال المؤمنين برسالته وعليهم تقع المسؤولية الآن.

مشروع تخريج دورة إعداد الممثل اعتباراً من 29 آب ولغاية 1 أيلول 2013.
تدريب وإشراف: إيليا قجميني

ببلوغرافيا :

• مواليد حلب حاصل على دبلوم في الإخراج المسرحي من إيطاليا
• مسرحياته: الفيل يا ملك الزمان لسعد الله ونوس، الخطوبة لتشيخوف، موت دانتون لبوخنر  في إيطاليا. كما قدم للمسرح في سورية العديد من المسرحيات (العنب الحامض، المدينة المليونيرة ، الزنزانة..) عمل في السينما مخرجاً مساعداً وممثلاً في العديد من الأفلام. وترجم عدة أعمال من وإلى الإيطالية.