السينما والنشاط السياسي

السينما والنشاط السياسي

في النصف الأول من القرن العشرين وبالتحديد عقدي العشرينيات والثلاثينيات بينما كانت الحركة الثورية العالمية في صعود، كانت الأحزاب الشيوعية والعمالية آنذاك، تبلور خبراتها في مجال العمل التنظيمي والعمل الجماهيري التحريضي وتكوين المعادل الثقافي لهذا العمل

استخدم الحزب الشيوعي الفرنسي شكلاً من العمل الدعائي وسط الجماهير قلّ استخدامه من الشيوعيين في العالم، باستثناء البلدان الاشتراكية، وهو إخراج وإنتاج أفلام سينمائية توثق للحزب الشيوعي الفرنسي وتنشر خطه السياسي في الوقت نفسه.
ويمتلك الحزب الشيوعي الفرنسي أرشيفاً كبيراً من هذه الأفلام السينمائية التي تم إخراجها في القرن الماضي وهو محفوظ اليوم في مكتب جمعية أرشيف السينما في باريس الذي يحتفظ بالأفلام التي تعتبر من التراث السينمائي في القرن العشرين.
بدأت هذه الأفلام بالظهور في فرنسا عام 1930، وكانت بداية الأمر عبارة عن أفلام يخرجها هواة شباب لنشر خط حزبهم الشيوعي الفرنسي ثم تحولت إلى أفلام من إخراج مخرجين محترفين لهم مكانتهم في السينما الفرنسية.
يضم الأرشيف السينمائي للحزب الشيوعي الفرنسي 1200 فيلم من إخراج المخرج جان بول لوشانوا ولويس داكوين هذا بالإضافة إلى إخراج 200 فيلم تحت طلب من الدول الشيوعية سابقاً، وتوضح هذه الأفلام الثقافة الشيوعية في هذه الفترة، وتتناول دور الحزب الشيوعي الفرنسي والحركة الشيوعية العالمية.
تغطي معظم هذه الأفلام  الفترة الممتدة من عام 1930 حتى عام 1955 وهي مرحلة صعود الحركة الشيوعية العالمية ومن بينها فيلم يتناول الخطاب الذي ألقاه مارسيل كاشين أحد مؤسسي الحزب الشيوعي الفرنسي في مؤتمر الأممية الشيوعية في موسكو عام 1935 وفيلم  الأرض المزدهرة وكذلك فيلم الحي الأحمر والقسم الآخر يغطي الفترة من عام 1960 حتى 1980 وهي مرحلة تراجع الحركة الثورية العالمية.
يتناول فيلم إسبانيا 1937 الحرب الأهلية الإسبانية ويعرض صعود الفاشية ودور تشكيلات الحزب الشيوعي الإسباني واليساريين الآخرين في المقاومة ودفاع الإسبان عن الجمهورية، و  تتحدث أفلام أخرى عن صعود الجبهة الشعبية في فرنسا والمقاومة الفرنسية ضد الاحتلال النازي، وإعادة إعمار فرنسا والحرب الباردة وأحداث أيار 1968 والمقاومة الفييتنامية وأفلام تتحدث عن نشاط البلديات مثل فيلم البلدية الشيوعية وغيرها.
في عام 2000 قدمت الباحثة الفرنسية ماري لوران أطروحة دكتوراه في جامعة وارويك البريطانية بعنوان: «الحزب الشيوعي الفرنسي والسينما الفرنسية 1944-1999»
درست هذه الأطروحة العلاقة بين الحزب الشيوعي الفرنسي والسينما الفرنسية التي شكلت جزءاً من النسيج السياسي والثقافي في فرنسا آنذاك ودرست بالتحديد تطور الخط السياسي الذي مثله الحزب عبر السينما في أربع مراحل وهي مرحلة التحرير من الفاشية والحرب الباردة ومرحلة الجمهورية الجديدة ومرحلة أيار 1968 ومرحلة ما بعد 1990.
كتبت الباحثة ماري لوران أن السينما الفرنسية والثقافة الفرنسية تدين بالكثير للحزب الشيوعي الفرنسي الذي ترك آثاراً قوية على السينما سواء من حيث الجمالية أو الايديولوجية هذه الآثار التي لم تستطع أن تمحيها  أجهزة المراقبة التي فرضتها الدولة على السينما في إطار سياساتها السرية لمحاربة الشيوعية في القرن العشرين.
يعود استخدام السينما في العمل السياسي إلى القرن الماضي كما تدل تجربة الحزب الشيوعي الفرنسي، وهناك تجارب أخرى حتماً لهذا الشكل من السينما، ومنها تجربة السينما السوفييتية مثلاً، بسبب التأثير الهائل الذي تستطيع ممارسته على الجماهير والرأي العام.
وأظهرت التجربة الملموسة أن إحدى المهام الملقاة على عاتق الحركة الثورية الصاعدة في القرن الواحد والعشرين استخدام السينما في العمل السياسي، خصوصاً أن الخصم الطبقي يستخدم السينما في حربه الايديولوجية ضد الشعوب، والذي يعتبر السينما الهوليودية أكبر مثال عليها.