عندما يعالج الفساد نفسه على التلفزيون..

عندما يعالج الفساد نفسه على التلفزيون..

من منّا نحن السوريين يذكر متى اعتلت أعمال الدراما لائحة أفضل المنتجات السورية المصدّرة؟ متى انبرى «أبطال» شركات الإنتاج الخاصة للتصدي لأعتى وأخطر إشكاليات المجتمع السوري؟.

من منّا «ينسى» ندوات التلفزيون والمراكز الثقافية _الغربية قبل المحلية_ ومقابلات الممثلين تطرح مشاكل الفساد والعشوائيات وتكسر «الخطوط الحمراء» بلا هوادة؟. في حديث محتدم يستنكر أحد الأصدقاء العاشقين للدراما السورية: «تباً لهذا النظام، لو كان سمح للأحزاب والناس أن تحكي عن مشاكل البلد كما كانت تتحدث عنها الدراما لما كنّا وصلنا إلى هنا...!»، أنهى جملته، صمت، تفكّر قليلاً ثم انهال بالسباب على كل شيء.
على مدى السنوات العشر الماضية تدرجت الدراما السورية في طروحاتها لمشاكل المجتمع حتى وصلت للـ«تابوهات» والممنوع على مدى سنين، ذاك التدرج ارتبط بتوسع دخول القطاع الخاص والتمويل الخليجي إلى الإنتاج التلفزيوني وتحويله لأكثر القطاعات ربحية على الصعيد المالي، «البحبوحة» الطارئة ساهمت في رفع مستوى العمل الفنّي لا شك، وشهدنا تطوراً في السيناريو والحوار وأداء الممثلين، لكن المفارقة كانت أن الأغلبية من أصحاب شركات الإنتاج التي تموّل الأعمال التي تطرح الإشكاليات السورية، هم نفسهم أصحاب رؤوس الأموال المسروقة والمبيّضة مستفيدين من كل السياسات الليبرالية المعتمدة من السلطة السورية في حينه، بكلام أبسط أصحاب الشركات هم نفسهم أصحاب الأندية والبنوك والمنتجعات السياحية المبنية على أساس نهب المواطن السوري عبر شرعنة الاستغلال بقوانين ومراسيم، قانون العمل رقم «17» يكفي ليكون نموذجاً عن التوجه بأكمله، رموز الفساد أولئك هم أنفسهم من أنتجوا الأعمال الدرامية التي تتحدث عن معاناة الفقراء المستغلين المقموعين، رجال الأعمال الذين فتّق الإعلام الرسمي أعيننا وآذاننا بهم وبمشاريعهم لتطوير البلد والشراكة مع «الأشقاء» قطر وتركيا، هم ذاتهم من حمل لواء دراما الواقع وهم من نظّم الاحتفاليات الفنية والتقطت الصور التذكارية لــ«عمالقة» الدراما السورية مع أرباب الانفتاح والتطوير، «عبدالله الدردري» وفريق الاقتصاد الليبرالي «العتيد».!
ليس المقصود حتماً تحميل الدراما السورية ومن عمل فيها_ممثلين ومخرجين وكتّاب وفنيين_ مسؤولية مآسي السياسات الليبرالية، الدراما انتُهكت وسُلبت كما انتُهك جهاز الدولة وضُرب القطاع العام ودُمّرت الصناعة والزراعة الوطنية، وحتماً لا يمكن التوقع من عمل درامي أن يحيط بعوامل الأزمة السوريّة المعقّدة والمتغيرة بسرعة، وهذا ما سنسمعه بلاشك من مخرجي وكتّاب المسلسلات التي تناولت الأزمة السورية بمداخل مختلفة في «الموسم الرمضاني الأخير»، هذا صحيح، وصحيح أيضاً أن نتذكر جيداً أي شركات إنتاج تلك التي تبنت وموّلت هذا النص أو ذاك وأخرجته للجمهور؟ علينا التذكر دوماً أن رموز الأزمة وحيتانها يتبنون اليوم رؤى عن الأزمة مسوقة درامياً، وبالتالي لايمكن لتلك الرؤى إلّا أن تحمل أمراض المصدر وتعالج الأزمة السورية من موقع السكون، موقع الانكسار وتكثيف المآسي واللطم والنوح فقط، وتكون هي ذاتها إعادة إنتاج وتسويق لحلول قاصرة عاجزة وبعيدة عن القوة الشعبية الكامنة، قوة التحوّل إلى الانتصار والتغيير الجذري المطلوب من الناس