المشكلة الألمانية ليست «صينية» بل «رأسمالية»
فينبار برمنغهام فينبار برمنغهام

المشكلة الألمانية ليست «صينية» بل «رأسمالية»

أكثر من 20 عاماً، كانت Webasto في قلب واحدة من «الزيجات الاقتصادية» العظيمة في العصر الحديث. أنشأت الشركة الألمانية القادمة من الضواحي الصناعية لميونيخ أوّل مصنع لها في شنغهاي في 2001، وهو العام الذي انضمت فيه الصين إلى منظمة التجارة العالمية. في البداية، قامت الشركة بتصنيع فتحات السقف، ومن ثم أنظمة التدفئة وتكييف الهواء والبطاريات لشركات صناعة السيارات المحلية والدولية التي كانت تسارع لبناء مصانع خاصة بها في «ورشة العمل» العالمية الجديدة، وبفضل ذلك نمت الشركة بشكل كبير لتصبح رائدة عالمية في مجالها.

ترجمة: أوديت الحسين

وفي الوقت الذي بدأت فيه الشركات الصناعية الأمريكية من التشكي من تعرضها للمنافسة من الصين، أصبحت Webasto واحداً من «الأبطال الخفيين» الكثيرين في ألمانيا الذين حققوا ثرواتهم بفضل صعود الصين. ازدهرت الصادرات الألمانية أكثر مع قيام المستهلكين الصينيين الجدد بشراء سياراتهم الأولى، واحتاجت المصانع في الصين إلى أدوات الآلات والمعدات. لكنّ الصينيين الذين كان اقتصادهم يحمي ألمانيا من الأزمات الاقتصادية المتعاقبة، كانوا يتطورون. فقد ساعدتهم المشاريع المشتركة في التعلّم من أجل دفع «المعجزة الاقتصادية» التي جعلت الصين تصبح أكبر اقتصاد صناعي في العالم.
ثمّ على مدى العامين الماضيين، بدأت التصدعات تظهر. وسط انخفاض الطلب والمنافسة الشديدة، أعلنت Webasto أنها ستلغي 1600 وظيفة من قوتها العاملة العالمية. وفقاً لهولغر إنغلمان، رئيس مجلس الإدارة: «نلاحظ أن المنافسة في صناعة توريد السيارات في البلاد أصبحت أكثر صعوبة. هناك العديد من المشاركين الجدد في السوق من شركات صناعة السيارات – وخاصة الصينية – الذين لديهم موردون داخل هيكل شركاتهم الخاصة… بعد سنوات عديدة من النمو، شهدنا مؤخراً انخفاضاً في الطلب على منتجاتنا. ونتيجة لذلك، سجلنا ركوداً في المبيعات عام 2020 وانخفاضاً في 2023 مقارنة بالعام السابق».
يعتقد عدد متزايد من الاقتصاديين، أنّ فترة شهر العسل الصينية الألمانية الطويلة قد انتهت. وسوف تصبح حكايات، مثل: صراع Webasto مع المنافسة الصينية هي القاعدة وليست الاستثناء في العلاقة، مع تضاؤل ​​الطبيعة التكاملية التي أدّت لثراء الجانبين على مدى ربع القرن الماضي. لكن هناك من يشكك في اتجاه الأمور، فقد تضاعف استثمار بعض الشركات الألمانية الكبرى في الصين، وهو ما تجسد في إعلان شركة فولكس فاجن الأسبوع الماضي أنها ستنفق 2.68 مليار دولار لتوسيع مرافق الإنتاج والأبحاث في جنوب شرق الصين. ومن هذا الجانب، إنّ أي تعطيل للتجارة الصينية الألمانية أمر مزعج. واتهم أندرياس رادي، أحد كبار أعضاء جماعات الضغط الألمانية في مجال صناعة السيارات، التحقيق الذي أجراه الاتحاد الأوروبي في دعم السيارات الكهربائية الصينية بأنه «لا يحظى بالإجماع» بين الدول الأعضاء، وأنه «ليس إشارة جيدة».
زار المستشار الألماني شولتز الصين الأسبوع الماضي، وسط جدل مكثف حول كيفية تعامل برلين مع بكين في المستقبل. يفسّر ما يحدث داخل ألمانيا تذبذب شولتز، فقد تملقّ بكين بلطف بشأن المظالم الاقتصادية، بما في ذلك «سرقة الملكية الفكرية» و«القدرة الزائدة». كما كان حديثه بعيداً تماماً عن النهج المتشدد المفضّل في بروكسل هذه الأيام، حيث قال في خطاب في شنغهاي: «المنافسة يجب أن تكون عادلة.. نريد تكافؤ الفرص، وبالطبع نريد ألّا يتم وضع أيّ قيود على شركاتنا».

الألمان، مثل الأمريكيين، يتحاشون السبب

تجنبت ألمانيا «الصدمة الصينية» عندما انضمت الصين إلى منظمة التجارة العالمية. ومع ذلك، تشير تقديرات الأبحاث إلى أن هذا الاتجاه حصد أكثر من نصف مليون وظيفة في قطاع التصنيع الأمريكي، مما أدى إلى إحباطات فيه. والآن، مع تدهور الاقتصاد الألماني، يتوقع البعض أن «الصدمة الصينية» قد وصلت إلى ألمانيا. خلص تقرير صادر عن مجموعة روديوم للأبحاث إلى أنّ الشركات الألمانية الكبرى تقوم بتخفيض الوظائف في سوقها المحلية لتوسيع الاستثمار في الصين، وأشار إلى رد فعل عنيف من النقابات العمالية.
أعلنت شركة الكيماويات العملاقة BASF عن إلغاء 2600 وظيفة في ألمانيا العام الماضي، بالتزامن مع توسيع استثماراتها في الصين- وهو اتجاه قالت النقابات العمالية: إنه «غير مقبول». وقامت شركة بوش الهندسية العملاقة بإلغاء عدة آلاف من الوظائف في مجال السيارات في ألمانيا هذا العام والعام الماضي، في حين ضخت عدّة مليارات من اليورو في مراكز البحث والتطوير والإنتاج في الصين. ووصفت نقابة العمال IG Metall ذلك بأنه «إشارة قاتلة لألمانيا كمركز صناعي». لوحظت اتجاهات مماثلة بالنسبة لعمالقة السيارات مرسيدس بنز، وفولكس واجن، وزد إف فريدريشهافن «الاستثمار في الصين أو الولايات المتحدة».
في الوقت نفسه، تراجعت الصادرات الألمانية إلى الصين، حيث انخفضت في 2023 بنسبة 4.2٪ عن العام السابق. وتظهر الجمارك الصينية أن هذا الاتجاه تفاقم عام 2024، مع انخفاض بنسبة 16.6٪ في الربع الأول. كتب محللو روديوم: «من المرجح أن تشهد الشركات الألمانية تآكل حصصها السوقية في الصين، بينما تتعرض لضغوط كبيرة من المنافسين الصينيين في أسواق ثالثة».
على خلفية ركود الاقتصاد الألماني والبيئة السياسية الأكثر تقلباً، فإنّ فقدان الوظائف في الصناعات الألمانية الرئيسية يمكن أن يؤدي إلى ردّ فعلٍ عنيف كان غائباً إلى حدّ كبير حتى الآن. قال أكرمان، مدير التجارة الخارجية في رابطة صناعة الهندسة الميكانيكية التي تمثّل 3600 شركة ألمانية: «صحيح أنّ الصين كانت بالنسبة لصناعتنا لمدة 20 عاماً سوقاً سريعة ومتنامية باستمرار- فقد نمت المبيعات في الصين بنسبة 10٪ إلى 20٪ سنوياً لمدة 20 عاماً- لكن أدى الوباء إلى نهاية مفاجئة للنمو المستمر. قالوا: إن عام 2023 سيكون عاماً جيداً مرّة أخرى، كما كان الحال قبل كوفيد. لكن النتيجة كانت سنة راكدة نسبياً. والتوقعات الآن لا تزال منخفضة».
الصينيون ينافسون الألمان في الصين، وفي الأسواق الثالثة، وكذلك في أوروبا. يقول أكرمان: «هذا أمر جديد حقاً: ابتداء من العام الماضي، نرى في السوق الأوروبية المزيد والمزيد من المنتجات الصينية في بعض قطاعات الآلات المتعلقة بالحجم أو الإنتاج الضخم». لا يريد الساسة الألمان، كما كان الأمريكيون من قبلهم، الاعتراف بأنّ الدافع الرأسمالي للربح هو الأساس في مشكلتهم. يريدون أن يلوموا الصين و«قدراتها الصناعية الزائدة» بدل البحث عن المشكلة.
يتزايد عدد السياسيين الذين يدعمون قيام ألمانيا باستخدام سياسات «عقابية» ضدّ الصين. يقول أكرمان، رغم أنّه يعرّف نفسه بأنّه من المدافعين المخضرمين عن التجارة الحرة: «أحد الخيارات هو استخدام الأدوات السياسية، ومكافحة الإغراق، وإجراءات مكافحة الدعم، والتعريفات العقابية، وأي شيء آخر يمكنك التفكير فيه. أعتقد أننا سنبدأ في رؤية هذا أكثر، ليس فقط في الآلات هنا، ولكن في قطاعات أخرى من الصناعة أيضاً. بخلاف ذلك لن تكون لدينا فرصة للتغلب على هذه المنافسة غير العادلة».
أشار فولكمار بور، الخبير الاقتصادي في شركة Union Investment المالية الألمانية، إلى أنّ الحقائق الاقتصادية تعني أن هذا الوضع سيستمر. «أعتقد أنّه من العدل تماماً أن نقول: إن الصين تتحرك نحو احتلال المساحة التي اعتادت ألمانيا أن تحتلها في الاقتصاد العالمي، خاصة إذا نظرت إلى أرقام الصادرات… في غضون سنوات قليلة عندما تعود أسعار الطاقة إلى طبيعتها، سيرى الجميع أن الصين كانت هي الصين طوال الوقت».

معلومات إضافية

العدد رقم:
1171
آخر تعديل على الجمعة, 26 نيسان/أبريل 2024 21:57