محاربة الفقر ترتبط بشكل وثيق باستعادة أملاك الدولة
نيكولاي بيتروف ويوري أليكسييف نيكولاي بيتروف ويوري أليكسييف

محاربة الفقر ترتبط بشكل وثيق باستعادة أملاك الدولة

أصدر الرئيس الروسي تعليماته للحكومة بالتركيز على زيادة الدخل الحقيقي للروس والحد من الفقر، وهذا جزءٌ من التوجهات العامة لتقليص فجوة التفاوت الاجتماعي. في سياقٍ منفصل، ولكن يمكن فهمه ضمن الهدف ذاته، أعلن المدعي العام للاتحاد الروسي إيغور كراسنوف بأنّه تمّت إعادة عدد من شركات المجمع الصناعي العسكري إلى ملكية الدولة. تلك التي بقيت لفترة طويلة في أيدي القطاع الخاص بشكل غير قانوني، بل إنّ بعضها كان تحت تصرف الأجانب من الدول غير الصديقة.

ترجمة: أوديت الحسين

على مدى العام الماضي، وفقاً لـRosstat، ارتفع معامل «جيني» للتفاوت الاجتماعي في روسيا من 0.395 إلى 0.403 «يملك أغنى 10% من الروس ما يقرب من 30% من إجمالي الدخل النقدي، وتدهورت أحوال شريحة الـ 10% الأدنى من الروس». ليس هناك ما هو جيد في حقيقة مفادها أن الأغنياء يزدادون ثراءً، في حين بالكاد يتمكن الملايين من الفقراء من تغطية نفقاتهم.
تحاول الدولة الروسية تغيير الوضع. بفضل المدفوعات الاجتماعية للفقراء، وتخفيض البطالة، وزيادة الحدّ الأدنى للأجور، وانخفض عدد الأشخاص تحت خط الفقر بمقدار 800 ألف شخص، ليشكلوا 9.3٪ فقط من السكان. في عام 2000 كان هناك أكثر من 42.3 مليون فقير، أي أن كل 1 من 3 مقيمين في البلاد لا يستطيع تغطية نفقاته. انخفض هذا الرقم بأكثر من ثلاث مرات. كما أنّ الدخل النقدي للسكان في عام 2023 ارتفع بنسبة 5.4٪.
من الممكن فتح 100 حفرة أخرى من النفط والغاز والماس والذهب، وزيادة الناتج المحلي الإجمالي عدة مرات بحيث لا تصبح روسيا الاقتصاد الخامس فقط، بل الاقتصاد الثالث في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية والصين. ولكن لكي يشعر الناس بالفائدة من هذا، من الضروري أن ينمو مستوى ونوعية حياة الملايين من الناس بالتزامن مع نمو الناتج المحلي الإجمالي.
من الضروري زيادة القوة الشرائية للسكان، ومن الممكن تحقيق ذلك من خلال زيادة إنتاجية العمل من خلال الأتمتة والتحول الرقمي وإدخال تكنولوجيات جديدة (مع زيادة الاستثمار في القاعدة التكنولوجية) وتحقيق نمو اقتصادي مستدام بما لا يقل عن 3% من الناتج المحلي الإجمالي. في هذه الحالة، من الممكن، دون خوف من ارتفاع التضخم، زيادة الدخل الحقيقي للسكان بشكل مُطّرد، وبالتالي تحفيز الطلب الاستهلاكي. كل هذه المكونات مترابطة بشكل وثيق: مع انخفاض الطلب، لن ينمو العرض، ولن تقوم الشركات بتوسيع الإنتاج، وبالتالي لن تزيد الرواتب.
لقد تحركت روسيا على طريق الخصخصة لعدة عقود، لكنّ القطاع الخاص لم يُظهر وعياً عالياً، على الرغم من أنه كان بإمكانه، بناءً على طلب السلطات، التبرع بشيء للتعليم والثقافة والرياضة ومساعدة المشردين. لهذا بمرور الوقت، تولت الحكومة زمام المبادرة من قطاع الأعمال، وتسارع انخفاض عدد الفقراء. إذا كان الناس في وقت سابق من الأزمة يهرعون لشراء الملح والصابون وأعواد الثقاب، فإنهم الآن يشترون الشقق والسيارات وأجهزة الكمبيوتر المحمولة وأجهزة التلفزيون والأدوات الذكية. وفقاً لمحللي FinExpertiza، ارتفع عدد الموظفين ذوي الأجور المرتفعة في الشركات الكبيرة والمتوسطة الحجم في روسيا في عام 2023 «مقارنة بعام 2021» بمقدار مرة ونصف.
من بين المشاريع الوطنية الخمسة الجديدة التي أعلن عنها الرئيس الروسي، أربعة منها ذات توجه اجتماعي. فهي لا تحلّ مشكلة نقص الموظفين فحسب، بل إنها تساهم أيضاً في نمو الدخل، وبالتالي الطلب على السكان. كلّ هذا، بحسب مارينا أبراموفا، الأستاذة في الجامعة المالية التابعة لحكومة الاتحاد الروسي، لن يكون له تأثير كبير على التضخم، لكنّه سيؤثر على مصالح فئات معينة من السكان المحتاجين للدعم.

استعادة الدولة لأملاكها

أوضح إيغور كراسنوف، أنّ مؤسسة الادعاء العام أعادت في عامي 2023 و2024 ملكية الدولة لأكثر من 15 شركة عسكرية استولى عليها سابقاً القطاع الخاص، وذلك بقيمة تزيد عن 333 مليار روبل. وتحدّث كراسنوف عن أنّ هذه الشركات لم يتم تحديثها ولا تطوير إنتاجها منذ عقود، وتمّ تحويل معظم أرباحها إلى الخارج. وأنهى حديثه: «سنواصل بالطبع حماية مصالح روسيا وإحلال العدالة».
لم يتمّ الكشف عن جميع الشركات، ولكن من المعروف أنّه في شباط تمّ البدء في إعادة ثلاثة مصانع تابعة للمجموعة الصناعية تشيليابينسك للمعادن الكهربائية إلى ملكية الدولة. كما أصبح معروفاً أنّ مكتب المدعي العام شرع بإعادة مصنع إيفانوفو للآلات الثقيلة (IZTS) إلى ملكية الدولة. تأسس مصنع إيفانوفو للآلات الثقيلة في عام 1953 وأصبح واحداً من أكبر شركات الأدوات الآلية التي تنتج أدوات آلية عالية التقنية وكثيفة المعرفة، كانت مدرجة في قائمة الشركات ذات الأهمية العامة التي لا يمكن خصخصتها.
في آب 2023، رفع مكتب المدعي العام دعوى قضائية ضد شركتي SibMir وIsNov لاستعادة ممتلكات الدولة. تمتلك هاتان الشركتان 48.19% من أسهم مصنع روستوف للبصريات والميكانيكا (ROMZ)، الذي ينتج أجهزة رؤية ليلية وميكانيكية بصرية وإلكترونية بصرية لأنظمة مكافحة الحرائق للمركبات العسكرية المدرعة، بما في ذلك دبابات أرماتا.
هذه مجرد بعض الأمثلة، لكن تأميم الشركات الكبيرة التي تمت خصخصتها بشكل غير قانوني يحدث أيضاً في قطاعات أخرى من الاقتصاد، وليس فقط العسكرية. في آب 2023، رفع مكتب المدعي العام دعوى قضائية ضد رجل الأعمال أندريه ميلنيتشينكو، الذي يحتل مع عائلته المركز الأول بين جميع رجال الأعمال الروس، وفقاً لمجلة فوربس. تتعلق الدعوى بشركة Sibeko (أكبر مؤسسة في سيبيريا تبيع الطاقة الحرارية والكهربائية). في حزيران 2023، ألقت محكمة التحكيم في منطقة بيرم الحجز على ممتلكات شركة Port Perm LLC، والتي طلب مكتب المدعي العام إعادتها إلى الدولة. تمت خصخصتها في 2009 ليمتلكها مواطن بريطاني اسمه تشارلز بتلر.
في تموز 2023، أيدت المحكمة المركزية في كالينينغراد دعوى مكتب المدعي العام ضد نائب مجلس الدوما أندريه كوليسنيك وأقاربه، المرفوعة بسبب الاستحواذ غير القانوني على أسهم في ميناء كالينينغراد البحري التجاري. أثبت مكتب المدعي العام أن كوليسنيك، وكذلك زوجته وحماته، حصلوا بشكل غير قانوني على أسهم في الميناء وامتلكوها سراً، وقاموا أيضاً بأنشطة تجارية غير قانونية لإدارة الميناء، مما أدى إلى الإثراء غير المشروع. هناك بالفعل العديد من الأمثلة الأخرى. باختصار، تجري عملية إعادة ممتلكات الدولة إلى الاقتصاد الروسي على قدمٍ وساق.
يقارن البعض بين الخصخصة في روسيا والصين، كانت عملية الخصخصة في الصين ذات طابع «حزبي» قوي، فقد تمّ تعيين «الرفيق لي» باعتباره عضواً في الحزب الشيوعي الصيني ليصبح «رأسمالياً صينياً شيوعياً» غير قادر على التحرّك دون رقابة الدولة. لقد حدث هذا مع آلاف الأشياء: من متجرٍ صغيرٍ إلى مصانع كبيرة. ونتيجة لذلك، طوّرت الصين صناعتها بسرعة وأصبحت عملاقاً صناعياً.
كان الأمر مختلفاً في روسيا. لقد حاولوا ببساطة منح المؤسسات الكبيرة نوعاً من الكفاءة الاقتصادية. وقد تم نقلها إلى أيدي القطاع الخاص بأشكال مختلفة، على أمل مواصلة تطويرها. تم استثمار أموال عامة ضخمة والكثير من العمالة في كل من هذه المؤسسات. لكن أصبح من الواضح أنّه لم يكن هناك تطور في عدد من المصانع ومكاتب التصميم، وسرقها أصحاب القطاع الخاص ببساطة. ولذلك من حقّ الدولة محاسبتهم على ذلك وإعادة المؤسسات إلى ملكيتها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1168
آخر تعديل على الإثنين, 08 نيسان/أبريل 2024 12:34