تشكيك غربي في آثار العقوبات على الاقتصاد الروسي
جيمس كي. غالبريث جيمس كي. غالبريث

تشكيك غربي في آثار العقوبات على الاقتصاد الروسي

بتنا اليوم نسمع بشكل متزايد عن باحثين غربيين يشككون في إعلانات عن تأثير العقوبات، مقابل الذين لا يزالون مصرين على أنّ العقوبات الغربية ضدّ روسيا قد أتت بثمارها، فقد أجرى جيمس غالبريث، البروفسور في العلاقات الاقتصادية والحكومية- في جامعة تكساس في أوستن- بحثاً هاماً في هذا الخصوص، حيث درس جميع الادعاءات الصحفية المرموقة والأكاديمية عن تأثير العقوبات الغربية على الاقتصاد الروسي، وعلى السوق والمستهلكين الروس، وعلى الإنتاج العسكري، ووصل إلى النتيجة التالية: لا يوجد أيّ شيء يدلّ على أنّ العقوبات أدّت عملها. إليكم أبرز ما جاء في البحث.

ترجمة: قاسيون

بهدف التحقق العلمي من الادعاءات الواردة في الأبحاث والمناشير حول تأثير العقوبات الغربية المدمر على الاقتصاد الروسي منذ بدء الحرب في أوكرانيا، علينا أن نأخذ الوقائع والبيانات التي تعتمد عليها ونحللها لنرى إن كانت النتيجة منطقية. يمكننا عموماً إجمال هذه البيانات بالتالي:

  1. تراجع حجم صادرات الغاز والنفط قدّ أضرّ بروسيا أكثر من إضراره بشركائها التجاريين السابقين «خاصة في أوروبا»، تبعاً لكون هذه الصادرات من إجمالي الصادرات الروسية أكبر من حصتها من إجمالي الواردات الأوروبية. ولهذا ففقدان روسيا للسوق الأوروبية يعني محدودية حصولها على زبائن جدد، وتحديداً في آسيا.
  2. كان لتقليص واردات المعدات، وخاصة في التكنولوجيا الفائقة، والنشاط الصناعي الأجنبي آثار كبيرة على الاقتصاد الروسي. كمثال: تمّ فرض إغلاق شبه كامل لصناعة السيارات في روسيا.
  3. هجرة الموظفين المهرة ورحيل المديرين الأجانب والمهندسين وغيرهم ممّن «لا تستطيع روسيا تحمّل خسارتهم».
  4. هروب رأس المال وهجرة «أصحاب الثروات المرتفعة» وانخفاضات خطيرة في قيم الأسهم، ومؤشرات مالية أخرى لمنتجي الموارد الروس الرئيسيين، إلى جانب الحجة القائلة بأنّ قيمة الروبل– رغم أنّها انتعشت بسرعة بعد انخفاض حاد في شباط 2022 – يتمّ الحفاظ عليها فقط من خلال التلاعب في سوق منخفضة السيولة.

وبمجرّد فحص هذه الذرائع، يمكننا أن نرى بأنّ الكثير منها معيب بأخطاء كبيرة ليس في الوقائع، بل في تفسير هذه الوقائع، الأمر الذي يؤدي إلى تفسيرات خاطئة أخرى ونتائج غير واقعية ولا حقيقية. يمكننا أن نذكر أشهر هذه التفسيرات الإشكالية:

  1. ارتفعت عائدات النفط والغاز الروسي، ومعها صافي الصادرات، في عام 2022 ليعوّض ارتفاع الأسعار عن نقص الحجوم. لكن حتّى لو لم يكن الوضع على هذه الشاكلة، فالتأثير الرئيسي لعائدات التصدير يكون على الاحتياطات، وليس على قدرات الاستيراد أو النشاطات الحالية. وعليه فعائدات النفط والغاز لها تأثير ضئيل جداً على الفاعلية الداخلية للاقتصاد الروسي. يتم تحميل ذلك على ميزانية الدولة، لكنّ هذه مسألة تتعلق بالهيكل الضريبي الداخلي لروسيا، والذي يخضع للتغيير.
  2. عندما كان هناك تصعيد في العقوبات عام 2022 حصلت صدمات كبيرة لاستيراد السلع الاستهلاكية والإنتاج المحلي للكثير من السلع غير المعمرة. لكن بعد فترة من الملائمة يمكن إيجاد بدائل أو إنتاج هذه البدائل، في حين يتمّ بيع رأس المال المادي الذي خلفته الشركات الأجنبية الخارجة من روسيا إلى المشترين المحليين بخسارة فادحة. هذا تحويل كبير للثروة من الشركات الأجنبية إلى الشركات الروسية، وقد فتح مساحات سوق كانت الشركات الغربية تهيمن عليه في السابق.
  3. تأثير المهارات المفقودة عبر الهجرة غير محدد وغير موثوق، كما أنّ التقييمات لا تأخذ في الحسبان التدفقات الأكبر بكثير للموظفين من أوكرانيا. والأهم من ذلك، أنّه من المحتمل جداً أنّ المهاجرين الأكثر مهارة هم من الشباب عموماً، وتبعاً لكون النظام التعليمي الذي أنتجهم لا يزال سليماً فسيتمّ استبدالهم وتعويضهم بشكل سريع.
  4. شهدت الإدارة المالية للاقتصاد الروسي الخاضع للعقوبات استبدال نظام الدفع وبالتالي، استقرار الروبل هو الغالب وليس العكس. العقوبات ضدّ الأفراد الأثرياء لها تأثير مزدوج. في بعض الحالات، هاجرت طبقة الأوليغارش وفقدت نفوذها داخل روسيا. وفي حالات أخرى عادوا وأعادوا رأس المال الخاص بهم سعياً منهم لحماية أصولهم من الاستيلاء عليها. النتيجة النهائية هي موائمة هؤلاء الأوليغارش الذين بقوا ناشطين داخل روسيا لأنشطتهم مع سياسات وأهداف الدولة الروسية.

تقييمات لا أساس لها

على النقيض من معظم التقييمات الخاصة، تؤكد البيانات الرسمية لأهداف العقوبات، أنّها تهدف إلى: تقويض القدرات الصناعية العسكرية الروسية، وتقويض القدرة على تمويل الحرب. لا يتمّ التركيز على آثار العقوبات على الاقتصاد الروسي والسكان الروس.
إنّ مسألة تأثير العقوبات على «المُدخلات العسكرية الحاسمة» ليست مسألة متاحة لتتمّ الإجابة عنها من مصادر عامة، لكن في حين أنّه من المحتمل أن تكون بعض المكونات الرئيسية للمنتجات العسكرية قد تمّ شراؤها من خارج روسيا، فالفطرة السليمة تشير إلى أنّ الاستعداد للحرب كان قد شكل تخزين إمدادات كبيرة من جهة، واعتماد الهندسة العكسية واستبدال الواردات من جهة أخرى. أمّا حجّة التمويل التي يتمّ ذكرها، فهي تستند إلى مفهوم خاطئ كلياً يستند إلى الآثار على الأفراد، ولا يمكن قياسه بممارسة الضغط على الدولة الروسية.
في تحليل فني لأحد كبار الاقتصاديين في وزارة الخزانة الأمريكية، يظهر رأي شبه رسمي، ويعتمد كما يقول على تقييمات استخباراتية، ويصل إلى نتيجة أنّ العقوبات ستؤثر على الاقتصاد الروسي بحلول 2030 بحيث يتقلص بنسبة 20٪. لكن يبدو أنّ تطبيق نظرية النمو هذا يهمل مفهومين أساسيين: دافع الربح وإمكانات الاستبدال الفني. من خلال الحد بشكل كبير من وجود الشركات غير الروسية على الأراضي الروسية، مع تقييد صادرات الطاقة والموارد الأخرى من روسيا، بحيث تبقى الأسعار داخل روسيا مستقرة، كان للعقوبات تأثير إيجابي على الربحية المحتملة للشركات الروسية. يشير تقييم الخزانة الأمريكية أنّ الشركات الروسية لن تكون قادرة على الاستفادة من هذه الإمكانية. لكن لا يوجد دليل على هذا الرأي إلّا إذا أراد الكاتب أن يفترض بأنّ فوضى السنوات الانتقالية المبكرة بعد سقوط الاتحاد السوفييتي هي ما حصل، وهو أمر لا يوجد أيّ شيء يدلّ عليه.
ربّما تجدر الإشارة أخيراً إلى التناقض بين آثار العقوبات على روسيا وتأثيرها على أوروبا. فيما يتعلق بروسيا بقيت أسعار الموارد مستقرة، ونمت السوق الداخلية للشركات الروسية، وتمّ نقل الأصول المادية إلى الروس بأسعار تفضيلية، وتمّ الاحتفاظ بالأصول المالية في البلاد التي كانت ربّما ستذهب للخارج لولا ذلك. بينما ارتفعت أسعار الموارد المستوردة في أوروبا، وانخفضت أسواق الصادرات، وبيعت الأصول المادية بأثمان بخسة، وهربت الأصول المالية إلى الولايات المتحدة. لهذا يمكننا أن نتوقع تحسن ظروف السوق في روسيا وتدهورها في أوروبا، وهو ما نلاحظه حالياً.

بتصرّف عن:
The Gift of Sanctions: An Analysis of Assessments of the Russian Economy, 2022 – 2023

معلومات إضافية

العدد رقم:
1118
آخر تعديل على السبت, 06 أيار 2023 22:46