دافوس 2020: الانقسام الغربي.. البيئة.. الأزمة
ليلى نصر ليلى نصر

دافوس 2020: الانقسام الغربي.. البيئة.. الأزمة

انعقد منتدى دافوس العالمي 2020 وانتهى في 24-1، المؤتمر الأبرز للنخب الغربية يخفت نجمه عاماً بعد عام... في عام 1960 كانت دافوس بلدة سويسرية لا يتعدى عدد سكانها 10 آلاف نسمة، ومنذ عام 1971 بدأ المنتدى في هذه البلدة، ليتحول لاحقاً إلى أهم المنتديات الاقتصادية العالمية لا تنافسه إلا اللقاءات الدورية لصندوق النقد والبنك الدولي، من حيث عدد الدول الممثلة، وعدد المشاركات الرسمية والضيوف والصحفيين.

المنتدى ببداياته كان أوروبياً، وكان معنياً بمسألة التنافسية الأوروبية العالمية، وقد لعب دوراً حاسماً في تشكيل الاتحاد الأوروبي. ولكن مع عام 1987 غيّر المنتدى صفته واسمه الأوروبيّين، وأضفى على نفسه طابع العالمية، وتحوّل دافوس إلى منصة تطلق أبرز الأفكار الاقتصادية والمالية التي تمّت عولمتها خلال الثلاثين عاماً الماضية بعد أن أصبح الوزن الأمريكي فيه أساساً.

انقسام وتعميم اقتصادي وسياسة موجهة

منذ عام 2016 تقريباً يظهر انقسام النخب الغربية في المنتدى بوضوح، فعلى الرغم من أنَّ ترامب قصد المؤتمر مرتين خلال ثلاثة أعوام -وهو معدل مرتفع للحضور قياساً بالرؤساء السابقين- إلّا أن الاتجاهات المختلفة في التعامل مع الأزمة الاقتصادية العالمية تظهر واضحة في المؤتمر.
يرى البعض في الشعار العريض لدافوس 2020 (الرأسمالية للجميع) واحداً من مؤشرات إدارة التناقضات بين التوجهات المختلفة، ومؤشراً إلى الميل للتعميم نتيجة صعوبة التوافق. فالمؤتمر لم يعد منصة جامعة لإطلاق الخطط والتوجهات كما كان سابقاً.
كما يرى متابعون؛ بأن دافوس أصبح يعطي الجوانب السياسية ومسائل مثل النسوية والجندرة وحقوق الأقليات والمثليين تركيزاً عالياً، ويشكل واحدة من منصات البروباغندا الأساسية في هذا المجال.
أما في الجانب الاقتصادي فالعناوين عريضة وكثيرة، ولكن المسائل المتعلقة: بالبيئة، والتكنولوجيا الرقمية، والذكاء الصناعي تنال تركيزاً مباشراً.
الحمائية التجارية لم تكن هذا العام موضوعاً إشكالياً بارزاً كما كانت في العامين السابقين، على الرغم من إعادة الطروحات التي تربط التراجع الاقتصادي العالمي بالحرب التجارية التي يطلقها ترامب، مقابل الدفاع الأمريكي عن هذه السياسات.

البيئة عنوان يتصدر المنتدى

ظهرت واحدة من أوجه الخلافات بين أجنحة المال العالمي ممثلة بالموقف من التوجهات الاستثمارية للدول وسياسات الطاقة، ومسألة البيئة تحديداً.
فبينما رأى مينوشين وزير الخزانة الأمريكي ورئيس الوفد المشارك بأن الطاقة الأحفورية منخفضة التكاليف هي المحرك الأساس المضمون لزيادة النمو العالمي، والتشغيل، مستشهداً بنجاح النموذج الأمريكي أو (برنامج ترامب) في هذا المجال.
فإن كريستين لاغارد الرئيس الجديد للبنك المركزي الأوروبي، والرئيس السابق لصندوق النقد الدولي، كانت تطرح الاستثمار في التكنولوجيا البيئية الخضراء كطريق وحيد لنمو مستدام، وتدعو إلى دفع الشركات للمساهمة في التزامات تخفيض الانبعاثات الحرارية وذلك عبر الضرائب والقوانين.
مؤتمر دافوس واحد من المنصات العاملة على تحويل المسألة البيئية إلى القضية الاقتصادية رقم واحد قيد النقاش العالمي، (الأمر الذي يظهر من تصدّر الطفلة السويدية الناشطة في المجال البيئي غريتا ثونبرغ للعناوين الصحفية المرتبطة بمنتدى دافوس، والتي تحضر المؤتمر للعام الثاني على التوالي).

النخب تحمي الكرة الأرضية!

إن القضية البيئية تفرض نفسها على النموذج الاقتصادي العالمي المتناقض مع التقدم بل والاستمرار، ولكنّ تبني جزء هام من النخب العالمية لهذه القضية لا يرتبط (بحماية الكرة الأرضية) فقط على كل حال، وقد يكون تبنيها بمثابة عنوان وغطاء لخطط الإنقاذ الحكومية البديلة الضرورية في وقت الأزمات الاقتصادية، وإحدى أدوات الصراع بين الأجنحة... فالمؤتمر الذي طغت عليه النقاشات الإيكولوجية خلص إلى تعهد 300 شركة كبرى بزرع تريليون شجرة حتى عام 2030!
ينبغي الإشارة إلى أن المختصين الاقتصاديين في المسألة البيئية يعتبرون أن تخفيض الانبعاثات كواحد فقط من مؤشرات الأزمة البيئية غير قابل للحل الجذري، والوصول إلى التخفيض المطلق لانبعاث غاز CO2 لن يكون إلا بتغيير هدف العملية الإنتاجية العالمية من الربح إلى تلبية الحاجات وتغيير كامل النمط الاستهلاكي والإنتاجي ليتجاوز الرأسمالية، أما في الحدود الحالية فإن تحقيق هدف التخفيض النسبي للانبعاثات غير مضمون التحقق. خاصة مع وجود جناح كامل في الحكم الاقتصادي العالمي لم يصل إلى مستوى الاعتراف بوجود أزمة بيئيّة (Tim Jackson – prosperity without growth)
وهذا ما يظهر على الضفة الأخرى في منتدى دافوس، حيث النموذج الأمريكي الذي يمثله ترامب يحاول نسف المسألة البيئية وعدم الاعتراف بها، والتركيز على المسار الاقتصادي لدعم الشركات عبر تخفيض التكاليف: تكاليف الطاقة وتكاليف الضرائب، وعبر تزويدها بالمال المطبوع والديون بأقل فائدة ممكنة وصولاً إلى صفر أو سالب.

التوافق على تجاهل الأزمة

رغم الخلافات التي ظهرت بين الطرفين في هذه المسائل، إلّا أنّ منتدى هذا العام يظهر اتفاق الطرفين على تجاهل (الفيل القابع في الغرفة)، والمقصود تجاهل الأزمة المتوقعة في القطاع المالي، الذي ينتفخ عملياً بالديون عبر أسعار الفائدة المخفّضة، وضخ المال في شريان الاقتصاد العالمي من جانب البنوك المركزية الأساسية في الغرب. مع الإشارة إلى أن المنتدى كان يطرح أزمة القطاع المالي كواحدة من العناوين الأساسية سابقاً، بينما رأى متابعون أن تجاهلها هذا العام يتناقض مع حدّة التركيز العالمي عليها.
العديد من العناوين في مؤتمر دافوس فضفاضة، ولكن الواضح هو التالي: انخفاض درجة أهمية المؤتمر ومفاتيحه في رسم السياسات كما في المرحلة النيوليبرالية. الأمر الذي يرتبط بالانقسام العميق في المنظومة الغربية حول سياسة إدارة أزمة الحكم الرأسمالي العالمي، بينما يتم التوافق مؤقتاً على تجاهل الأصوات الصادحة في المركز الغربي نفسه بحجم الأزمة وخطورتها. والاتفاق كذلك الأمر على استمرار سياسة تسويف الحل عبر تضخيم فقاعة الدين التي يترقب الكثيرون انفجارها في أية لحظة ومن أي حدث...

معلومات إضافية

العدد رقم:
950
آخر تعديل على الإثنين, 27 كانون2/يناير 2020 12:52