الإنتاج يتوقف- الاستيراد يتمركز...  والليرة أضعف

الإنتاج يتوقف- الاستيراد يتمركز... والليرة أضعف

وصل الدولار إلى عتبة الألف ليرة ثمّ تراجع رقم سعر الصرف المعلن والمتداول على الشاشات، أما الأسعار فمن المنتجات المحلية إلى المستوردات ومن الأساسيات إلى الكماليات قد قفزت إلى عتبة لم تنزل عنها حتى الآن، وربما لن تنزل... طالما أن التذبذب والظرف الحالي يهدد تأمين الضروريات واستمرار العمليات الإنتاجية، بل يهدد الملايين ويثري القلة القليلة.

التوقف هو سمة السوق، وقد توقفت بشكل جزئي عمليات البيع والشراء في الكثير من الأسواق، وأصبح الترقُّب وعدم الثقة سمة النشاط الاقتصادي، الذي يمر بأصعب لحظاته. ولا ينشط إلا المتاجرون والمضاربون وبعض من يصدرون قرارات لمصلحة الكبار في اللحظة المناسبة!

الكثير من الأسواق والمحلات فتحت أبوابها جزئياً، لتقول مباشرة أو بشكل غير مباشر للزبائن القلائل: «ما في بيع»... فعلى سبيل المثال تسعّر إحدى شركات الإلكترونيات بضائعها على دولار 1200 ليرة حتى لا يشتري منها أحد... والجميع في هذه الظروف لا يريد التفريط ببضاعته ليبيعها على سعر دولار 800 مثلاً وهو لا يمتلك اليقين بأنه قادر على إعادة استيرادها بهذا السعر في الغد.

هذا عدا عن أن البضاعة المكدّسة ترتفع أسعارها بالليرة بمجرد مرور الوقت، ويفضل أي تاجر الاحتفاظ ببضاعته، حتى أن مخالفات التموين التي تشمّع بالشمع الأحمر لأيام معدودة أصبحت مرغوبة!

على الضفة الأخرى لدى المستهلكين، فلا أحد يريد أن يشتري شيئاً في هذا الوقت، لتبقى ساحة المبارزة الأهم: المواد الغذائية الأساسية المستوردة، وهي بضائع «ممسوكة» بأغلبها من القلة القليلة المتمولة بالدولار من المركزي، وهؤلاء يجمعون من السوق أرباحاً كبرى بالليرة في هذه الأوقات العصيبة، وسيحولونها إلى دولارات بسعر 434 ليرة فقط وبكامل الرضا والقناعة من المركزي والحكومة اللذين لا حول لهما ولا قوة في التعامل مع نخبة تمسك عصب القرار.

القرار 944 الوزارة تعمل للنخبة

يستورد هؤلاء الأساسيات، وستتوسع قدراتهم الاستيرادية إلى مواد أخرى سيسقط مستوردوها السابقون واحداً تلو الآخر... بعد أن بدأت القرارات تفعل فعلها في إدارة عملية تمركز الاستيراد.

والتمركز يعني أن يصبح عدد المستوردين أقل، وحجم كل منهم أكبر، فعوضاً عن أن يستورد الذرة الصفراء على سبيل المثال خمسة مستوردين، يصبح عدد هؤلاء اثنين أو ربما واحد يمتلك السوق.

ومن أبرز القرارات في هذا الاتجاه، هو القرار 944 الصادر عن وزارة الاقتصاد، والذي يقول بأنه على المستوردين الراغبين بالحصول على إجازة أو موافقة استيراد أن يضعوا وديعة بالليرة السورية بقيمة 40% من قيمة استيرادهم، 25% منها يمكن تحريره بعد شهر، و15% حتى يتم الاستيراد.

ولا ندري تحت أية «فتوى» اقتصادية تمّ وضع هذا القرار، الذي إن كان الهدف منه هو تقليص كتلة الليرة في السوق والإيحاء بالطلب عليها! فإن آلافاً من المليارات متكدسة في المنظومة المصرفية لم تحمِ قيمة الليرة بل وضّحت أن الليرة بحالة كساد وغير مطلوبة... والأهم أن هذا الإجراء سيدفع المستوردين إلى تحميل تكلفة هذه الوديعة أو على الأقل خسارة استثمارها على البضائع التي سيستوردونها.

وبكافة الأحوال فإنه لا يخفى على أحد أن إجراءً كهذا لن يؤدي إلى أية نتيجة إيجابية على قيمة الليرة، ولكنه سيؤدي حكماً إلى تقليص شريحة المستوردين وينتزع بقايا أسواق الاستيراد من التجار المتوسطين والصغار ويضعها لدى القلة المتخمة، التي تُسنّ لصالحها قوانين من هذا النوع!

الاستيراد معطل تقريباً الآن، وعندما يعود للتحرك ستكون أسواق الاستيراد قد انتقلت إلى تموضع جديد: بمستوردين أقل، وأسعار احتكارية أعلى... ولن يكون لسعر الصرف حتى لو عاد ليثبت عند سعر 600-700 ليرة أثر على تقليص كلفة المستوردات.

الإنتاج مرتبط بالاستيراد

إن هذا التوقف الحالي في الاستيراد يوقف عملياً سلسلة عمليات إنتاجية، فتربية الدواجن تحتاج استيراد أعلاف وأدوية، والصناعات الدوائية تحتاج إلى استيراد مواد فعّالة، والصناعات المنزلية البلاستيكية تحتاج إلى استيراد حبيبات بلاستيكية، وصناعة الملابس تستورد أقمشة وخيوطاً ونسيجاً، وصناعة الجلديات تستورد جلوداً، والصناعات الهندسية تستورد مستلزمات كهربائية وإلكترونية ومعدنية متنوعة، والزراعات الأساسية تستورد بذوراً، وسماداً وهلم جرّاً...

ووضع الليرة ومستويات الأسعار، ومستويات الدخول الحقيقية لا تحتمل مزيداً من عوامل توقف الإنتاج أو تباطئه. الأمر الذي ينذر بالمزيد من تراجع قيمة الليرة وارتفاع الطلب على الدولار، نتيجة موجة جديدة من هروب الأموال. السوق لا يقين لديها بأرقام سعر الدولار التي تصعد وتهبط على الشاشات، ولديها كامل اليقين بأن أياً مما يجري من أفعال أو يتخذ من إجراءات وقرارات هي شكلية، ولا ترفع من قيمة الليرة بل بعضها يفاقم من حدة الاحتكار وسطوة أصحاب الدولار والنفوذ، وبالتالي فإن الليرة مرشحة دائماً بظروف وسياسات كهذه للتراجع والدولار بالتالي للصعود...

 وراء الدولار قوى مال كبرى متمركزة وصاحبة النفوذ الأساس، وهذه تحمي دولارها وأرباحها وتدافع عنها وترسم السياسات في سبيل ذلك، أما الليرة فوراءها ملايين السوريين ولكن هؤلاء في البنية الحالية السياسية والاقتصادية والاجتماعية لا يزالون غير قادرين على حماية معيشتهم وإنتاجهم المرتبط بحماية الليرة. والمواجهة المباشرة مع هؤلاء تصبح أكثر حدة: ملايين السوريين ومصالحهم المرتبطة بقوة الليرة وفي وجههم، وقلة قليلة متنفذة مصالحها مرتبطة بالدولار وتعيق تقدم الجميع وتدفع نحو التدهور بل والفوضى في بلاد لم تخرج بعد من مسار الكارثة والدم ويمكن أن تعود إليه...

معلومات إضافية

العدد رقم:
943
آخر تعديل على الإثنين, 09 كانون1/ديسمبر 2019 12:23