هل يربح مستورد واحد للسكر...  97 مليار ليرة في سنة؟!

هل يربح مستورد واحد للسكر... 97 مليار ليرة في سنة؟!

مقابل كل هذه الخسارات التي يخسرها الملايين من السوريين مع كل تراجع في قيمة الليرة وارتفاعٍ في الأسعار وفي صرف الدولار، يجب أن نعلم أن هذه الخسائر تتكدس مبالغ مليارية على الضفة الأخرى من المجتمع السوري، وفي صناديق أولئك الذين وضعوا أنفسهم في قمة الهرم الاقتصادي محميين بالنفوذ والسياسات، والأهم محميون حتى الآن من انعدام المساحة السياسية لدفاع الناس عن حقوقها.

نحاول أن نقدر ربحاً لواحدٍ من كبار مستوردي المواد الأساسية في اللحظة الحالية... وليكن السكر الخام على سبيل المثال لا الحصر وهو المعروف أن له مستورداً أو اثنين بالأكثر، قاربت واردات السكر السورية 160 مليون دولار في عام 2018 من السكر الخام. وسنأخذ هذا الرقم كرقم تقريبي يحوّله هذا المستورد من حساباته في الخارج إلى شركات استيراد السكر العالمية، مع العلم أن السكر السوري استورد من فرنسا بالدرجة الأولى في 2018 وفق بيانات التجارة الدولية ict.

38 مليار ليرة من ربح تجارة احتكارية

سعر السكر في سورية يفوق سعر السكر العالمي بنسبة 100%، وفق حسابات سابقة لقاسيون (العدد 920). ولكن لنفترض جدلاً بأن تكاليف عمولات تأمين للعقوبات- كما يتذرع المستوردون- تقلص نسبة الربح، وتجعلها 50%، فإن تاجر السكر السوري يستطيع أن يحقق ربحاً يقارب 80 مليون دولار من تجارته للسكر، وما يعادل 35 مليار ليرة وفق سعر الصرف الرسمي.
وإذا ما افترضنا أن ربع هذا السكر فقط بيع بسعر أعلى مع ارتفاع الأسعار حالياً من مستوى 250 إلى مستوى 450 ليرة، أي نسبة 45% فإن ربح الربع الأخير فقط يرتفع، ويصبح إجمالي ربح التاجر من السكر 38 مليار ليرة.

59 مليار ليرة من تجارة الدولار

الأهم من أرباح تجارة السكر، هي أرباح تجارة دولار المصرف المركزي... فمستورد السكر يحصل خلال العام من المصرف المركزي على الـ 160 مليون دولار التي دفعها مقابل استيراده للسكر، ويدفع مقابلها 69 مليار ليرة إذ يشتري الدولار الرخيص بالسعر الرسمي 434 ليرة مقابل الدولار.
بمجرد امتلاكه لهذا الدولار بهذا السعر، فإنه يحصل على ربح يقارب 59 مليار ليرة، إذ ارتفعت قيمة هذه الدولارات لتصبح 128 مليار ليرة مع سعر 800 في السوق.
ليقارب ربح شخص واحد من كبار المستوردين المتنفذين: 97 مليار ليرة... ومن استثماره عملياً لمبلغ 69 مليار ليرة دفعها للمركزي، بنسبة ربح إجمالي 140%.
إن هذه الأرباح بالليرة قد لا تتحقق، ولكن عملياً مجرد حصول المستورد على الدولارات بالسعر المنخفض فإن المركزي يكون قد قدّم له الفرصة للحصول على ربح من المضاربة في السوق... ويكفي أن يستثمر المستورد جزءاً قليلاً في المضاربة ويهرّب باقي الدولار ليكون استثماره القليل عالي الربحية، وليشكل ضغطاً على الليرة وطلباً على الدولار وخسارة في المال العام.
فإذا ما كان الربح من تجارة السكر وحدها يمكن أن يحقق مبالغ تقارب 100 مليار ليرة، فعلينا أن نتخيل أرباح كل المواد الغذائية الأساسية المستوردة والممولة بالدولار: الرز، وحليب الأطفال، والزيوت وأعلاف الدواجن والأدوية وغيرها...
فإذا ما موّل المركزي مستوردات هؤلاء بمليار دولار بسعر 434 ليرة، فإنهم قد ربحوا فيها 840 مليون دولار عندما أصبح الدولار 800 ليرة! وهذه الأرباح كان من الممكن أن تموّل استيراد السكر لخمس سنوات.

طريق واحد للحل

إن كل دولار يقدمه المركزي تمويلاً لمستوردات النخبة المالية هو ربح مباشر يُقدّم لهؤلاء، وباب مضاربة على الليرة مفتوح لهم... ولن يهدأ ارتفاع سعر الدولار إلا بإغلاق هذا الباب: أولاً بإنهاء الربح الاحتكاري الهائل الذي يتقاضاه هؤلاء مقابل استيراد الأساسيات، وثانياً بإيقاف تمويل المستوردات.
ولهذا طريق واحد أن يحتفظ المركزي بدولارات المال العام ويموّل بها مستوردات الحكومة مباشرة للأساسيات، لأن هذا الطريق يقلّص حلقة الربح الاحتكاري وينهي وجود الدولار الرخيص لدى نخبة الفساد والنهب المستخدم في المضاربة أو المهرّب للخارج.
بل قد لا يحتاج المركزي أو الحكومة إلى الدولارات، ويتمكن من الاستيراد وفق عقود مع الحكومات طويلة الأمد وبالليرة السورية أو بعملات غير الدولار، كما في عقد شراء آليات هندسية من روسيا بالليرة السورية وعلى دفعات لسبع سنوات لصالح وزارة الإسكان التي تتحدث عنها الحكومة دون خجل... فإن كانت هذه الخيارات متاحة، لماذا لا يتم تعميمها؟ ولماذا تترك المواد الأساسية ليستوردها قلة قد لا تتجاوز بضع عشرات من المستوردين المتنفذين الكبار ممكن أن يحصلوا على ربح يقارب 100 مليار ليرة من كل مادة أساسية (الربح في صفقات القمح الأخيرة قد يقارب 45 مليار ليرة سنوياً دون حساب ربح الدولار! قاسيون 939)
إن عشر مواد أساسية بربح 100 مليار ليرة لكل منها يعني ربحاً يقارب 12% من الدخل الوطني المسجل في عام 2017، وهذا الربح يذهب إلى عشرات الأشخاص إن لم يكن أقل من ذلك... وهو ما يعني مستوى استثنائياً من التمركز، وقد لا تكون هذه مبالغة فالخسائر من الكارثة السورية غير مسبوقة في بلد واحد، وكذلك الأرباح منها! والجرائم الاقتصادية التي يسجلها أثرياء الحرب ستتضح مع التجلي الدقيق وغير التقديري لحجم تمركز ثرواتهم مقابل كل هذا الإفقار.
من سيشق هذا الطريق؟ هل تستطيع الحكومات أن تفعل هذا وتعارض مصلحة نخب المال والنفوذ؟ إن لم يتمكن عموم السوريين المتضررين من فرض مصلحتهم على القرارات السياسية- الاقتصادية لن يكون ممكناً إيقاف مصالح النخب هذه...

معلومات إضافية

العدد رقم:
943
آخر تعديل على الإثنين, 09 كانون1/ديسمبر 2019 12:15