الدولار يساهم بـ 40% من ارتفاع الأسعار

الدولار يساهم بـ 40% من ارتفاع الأسعار

خسرت الليرة نسبة 86% من قيمتها بين 2010- 2018، وهذا وفق المحددات الموضوعية التي تحدد قيمة العملة*... إذ إن تراجع الإنتاج وزيادة كتلة الليرة مسؤول عن ارتفاع المستوى العام للأسعار بنسبة 740%! وما كانت الأسرة تشتريه بـ 40 ألف ليرة شهرياً في 2010 يفترض أن تحتاج إلى 296 ألف ليرة بالحد الأدنى لشرائه اليوم.

الجميع يعلم، أن تكاليف المعيشة والإنفاق ارتفعت أعلى من هذا المستوى بكثير، فوفق آخر تقديرات قاسيون، فإن تكاليف معيشة أسرة في دمشق نهاية أيلول الماضي قاربت 360 ألف ليرة، أي بارتفاع أكثر من 900% في المستوى العام الفعلي للأسعار. وهذا الفارق بين تكلفتي المعيشة: 220 افتراضياً و360 ألف واقعياً ناجم عن عدة ،سباب أهمها ارتباط الأسعار بالاستيراد وبالدولار، التي تساهم عملياً بنسبة 40% من التكاليف وفق هذا المقياس.
أسباب عديدة تؤدي إلى ارتفاع الأسعار، عدا عن تراجع قيمة الليرة، فعملياً ارتباط أسعار العديد من المواد الغذائية الأساسية، بل وعموم التسعير في الأسواق بتحركات سعر الدولار يعتبر واحداً من العوامل. حيث إن جميع أصحاب الأرباح سواء كانوا مستوردين أو منتجين وموزعين محليين يرفعون أسعار سلعهم ليضمنوا استمرار ثبات القيمة الحقيقية للربح عبر التسعير وفق الدولار... وإذا لم يأخذ كل صاحب ربح مبالغ أكبر من الحلقة الأضعف منه، فإنه عملياً سيخسر من ربحه بعد أن رفعت عليه الحلقات الاقتصادية الأكبر التكلفة!
ولكن عملياً جميع الحلقات الاقتصادية تنتهي عند كبار المستوردين المتنفذين الذين يغيرون أسعارهم وفق سعر الدولار رغم حصولهم على دولار رخيص من المصرف المركزي.
فالمستورد الكبير للمستلزمات الزراعية مثلاً يفرض ارتفاع السعر على موزعي الجملة، وهؤلاء بدورهم على موزعي التجزئة، وأولئك بدورهم على المزارعين الذين يحاولون بالتالي رفع أسعار مبيع بضاعتهم لتعويض ارتفاع التكاليف، والأمثلة كثيرة.
إن الاستيراد الاحتكاري، والتوزيع الاحتكاري، يربط أسعار السلع المحلية بتغيرات الدولار... ولا فكاك من هذه العملية إلا بعزل حلقات الإنتاج المحلي عن الدولار. الأمر الذي يتطلب استيراد المستلزمات الإنتاجية بأسعار مخفّضة ودون دولار وكسر الحلقات الاحتكارية لتوزيعها.
أينما يمَّمت وجهك في المشاكل الاقتصادية سترى أن الاستيراد والارتهان للدولار مشكلة اقتصادية، وتحدٍ في وجه الليرة والمنتجين والمستهلكين السوريين المحليين.
ولا يمكن أن يتم كسر هذه الحلقة إلا بوسائل محددة: دور للدولة في التجارة الخارجية يُزيح الدولار ويعزله عن حلقات الإنتاج والتسعير المحلية لمواجهة العقوبات بالفعل لا «بالتشدّق».
المواد الغذائية هي الحلقة الضرورية التي ينبغي حمايتها من تأثير الدولار والاستيراد الاحكتاري: القمح، الأرز، الزيوت النباتية، السكَّر، الطون، الشاي والقهوة، وأعلاف الدواجن من ذرة وكسبة الصويا هي أهم المواد الغذائية المستوردة. التي يمكن أن تتغطى بأقل من 1,5 مليار دولار سنوياً. أي نصف الحوالات التي كانت تصل للمصرف المركزي من السوريين في الخارج! إن استيراد هذه المواد بعقود مباشرة بين الحكومات وبالجملة وليس عبر الوسطاء، وتوسيع قاعدة توزيعها في المراكز الحكومية الواسعة للتجارة الداخلية يساعد في عزل هذه المواد عن مرابح كبار المحتكرين.
إن هذا ما يعني تأمين الحد الأدنى من الحاجات المعيشية، لأن تأمينها كمّاً ومع ربح احتكاري، يعني تأمين أرباح وخزائن كبار المتنفذين عبر الاعتماد على سطوتهم على أساسيات العيش.
*يعتمد تقدير قاسيون لمقياس قيمة العملة على معادلة قيمة النقود التي تنخفض قيمتها كلَّما تراجع الإنتاج، وكلما ازدادت كتلة العملة المتداولة في السوق بشكل أساس. حيث تراجع الناتج بنسبة 60% بالحدود الدنيا، وازدادت كتلة الليرات بنسبة تفوق 290%.

معلومات إضافية

العدد رقم:
940
آخر تعديل على الأربعاء, 20 تشرين2/نوفمبر 2019 12:07