تمويل المستوردات (مشكلة) ينبغي إيقافها
ليلى نصر ليلى نصر

تمويل المستوردات (مشكلة) ينبغي إيقافها

مع كل تعمق للأزمة الاقتصادية وظهور الأثر على قيمة الليرة المتراجعة، وانتعاش المضاربة على الدولار... تعيد إدارة الأزمة النظر بتمويل المستوردات، السياسة التي اتخذتها نهجاً أساساً يدّعي الحفاظ على أسعار المواد المستوردة الأساسية مستقرة، ولكن مراراً وتكراراً لا تنجح هذه الخطة، لأن تمويل المستوردات ليس إلا سياسة حد أدنى تحوّلت إلى (باب رزق) وانتفاع وليست حلاً للمشكلة.

ما من أثر إيجابي لدولارات التمويل

عندما تراقب بيانات الاستيراد السورية سنوياً، يتبين أنه ما من مادة ضمن التصنيفات الدولية للمستوردات إلا وتدخل البلاد وتُستورد إليها. الحكومة تقول إنها تحدد إجازات الاستيراد بالمواد الغذائية الأساسية وبمستلزمات الصناعة... ولكنك بالمقابل تجد أن الدخان والموبايلات والسيارات المفكوكة والمركبّة هنا هي كتلة استيراد أساسية (970 مليون دولار- يمكن مراجعة بيانات ICT حول استيراد سورية). وهذه لا تدخل بلا إجازة من وزارة الاقتصاد، أي دون تمويل بالدولار بسعر 434 ليرة لكل دولار.
ورغم أن المواد الغذائية تشكل كتلة هامة من المستوردات إلا أن هذا لم يمنع أبداً أن تكون أسعارها أعلى من السوق العالمية بنسب هامة، حيث السعر العالمي لكغ الرز 175 ليرة على سعر الدولار الرسمي بينما سعره في السوق السورية 400 ليرة، والسعر العالمي للسكر يعادل 120 ليرة بينما أصبح 300 ليرة (قاسيون 920)، والأهم أن تمويل المستوردات لم يمنع تقلبات أسعار السكر والرز والزيوت والشاي والقهوة والمتة وغيرها وفقاً لتغيرات سعر الدولار في السوق السوداء. وبالتالي، ما من أثر إيجابي للدولارات الرخيصة المقدمة للمستوردين.

باب انتفاع من الدولار الرخيص

الجميع يعلم، أن إجازات الاستيراد هي باب رزق للحصول على دولار رسمي رخيص، مقابل تسعير البضائع بسعر الدولار في السوق الموازي، ما يعني تحقيق مربح في كل دولار بنسبة: 35% إذا ما افترضنا أن سعر الدولار 600 ليرة. هذا عدا عن الربح الاحتكاري في سعر البضاعة التي يستوردها قلة قليلة (أنعم الله عليها) بدفق الإجازات.
عدا عن ذلك، تحوّلت إجازات الاستيراد إلى باب رزق بشكل آخر، فصغار المستوردين يقولون أنهم يضطرون إلى (إعطاء الخباز خبزه) للحصول على إجازات الاستيراد، حيث يُضيّق متنفذون على أسواق استيراد مواد معينة، ويعملون كوكلاء يؤمّنون للمستورد الحصول على إجازة عبرهم، وطبعاً مقابل حصة، ولا (ينفد) من هذه الحصص إلا كل مقتدر كبير حجز حصة سوقية مسبقاً.
أي إن إجازات الاستيراد والدولار الرسمي عبر التمويل، هي سوق رابحة احتكارية، وكلما اشتدت الأزمة كلما عقدت الحكومة العزم على تضييق إجازات الاستيراد، وكل تضييق ضمن عدم تغيير الشروط الأخرى هو رفع في سعر وحصة المتنفذين الذين يمثلون بوابة للحصول على الإجازات، وهو بمثابة حصر لإجازات الاستيراد ضمن دائرة القلة القليلة.
إن كانت إدارة الأزمة تعتبر أنها أنهت العملية التي كانت تجري لبيع الدولار في السوق عبر عمليات التدخل المباشر من المصرف المركزي والتي استمرت إلى عام 2015، فإن نظام إجازات الاستيراد وتمويل المستوردات قد تحول إلى البوابة الأخرى لانتقال الدولار الرخيص إلى السوق، أو لتأمين ربح من فروقات الدولار. ولم تنجح هذه السياسة في حصر المستوردات بالأساسيات، لأنه كما أشرنا سابقاً، فإن كتلة استيراد كبيرة ودولار كبيرة تخصص لمواد، مثل الدخان والسيارات والإلكترونيات. ولم تنجح في تأمين استقرار أسعار المواد الغذائية الأساسية المستوردة عند مستويات مخفضّة. ولم تنجح أيضاً في دعم مستوردات الصناعيين من المستلزمات.

يمكن إنهاء التمويل 1,5 مليار دولار للغذاء

اليوم، يُقال إن المستوردات سيتم تقليصها إلى حدود بضعة مواد غذائية (السكر والأرز والزيوت والسمون والشاي والسردين والتونة وحليب الأطفال الرضع والمتة).
إن تكلفة استيراد هذه المواد مجتمعة بل ومضافاً لها القمح لا تتعدى 1,5 مليار دولار (إذا أخذنا بيانات استيراد المواد الغذائية والمشروبات ومدخلات الصناعة الغذائية في 2017 كمؤشر، من بينها 206 مليون دولار للسكر، 170 مليون دولار للزيوت، 167 مليون دولار للمشروبات متة قهوة شاي و155 مليون دولار للحبوب القمح والأرز والشعير- قاسيون مستوردات سورية 2017).
وهذا الرقم يشكّل أقل من 40% من حجم الحوالات الواردة إلى المصرف المركزي 3,9 مليار دولار سنوياً، ويشكّل 17% فقط من موازنة 2019، أي إن المال العام يستطيع تغطيته بالليرة والدولار، وهي مواد يفترض أن يكون استيرادها غير محظور بالعقوبات لأنها مواد غذائية، وحتى إن كانت محظورة، فإن استيرادها عبر الدفع الحكومي المباشر في حسابات تُفتح في الدول العديدة المستعدة لتجاوز العقوبات هي مسألة متاحة، وتحديداً إن كانت الحسابات بغير الدولار، وكذلك بيعها عبر المنافذ العديدة للمؤسسات التجارية الحكومية التي يكفيها أن تختص بهذه المواد، وتبيعها بسعر التكلفة مع هامش ربح محدد... عوضاً عن أن تبيع بضائع التجار المستوردة.

إن حلولاً عملية وواضحة لتقليص وزن الدولار للاستيراد موجودة كما ذكرنا سابقاً، ولكنك تجد أيضاً الكثير من البيروقراطيين الذين يخترعون العراقيل في وجهها، للتغطية على الأسباب الرئيسة لعدم تنفيذها، ولكن هل يجاوبنا هؤلاء كيف تستطيع إيران وفي ذروة تصعيد العقوبات ضدها والتوتر الذي يصل حدود الحرب... أن تصل إلى توافقات استثمارية مع الحكومة الصينية بـ 400 مليار دولار؟! في العالم اليوم وضع دولي يسمح بالمواجهة الاقتصادية الفعّالة ضد العقوبات الغربية، ويسير خطوات هامة في محاصرة هذه الأداة عوضاً عن أن تحاصره، ولكن ما همنّا نحن بفرص هذا (العالم الجديد)... هي فرص ليس للسوريين القدرة على انتهازها طالما أن إدارة الأزمة تتم بعقلية (البزنس) الضيق والمتمركز والتجاري- الدولاري، الذي يعتمد على تسخير المال العام، وعلى فتات ما تبقى من دخل لدى السوريين، ليضمن ربحاً احتكارياً من كل شيء سواء الأساسيات أو الكماليات.

معلومات إضافية

العدد رقم:
933
آخر تعديل على الإثنين, 30 أيلول/سبتمبر 2019 14:36