قطع التصدير مجدداً 130 ليرة على كل دولار.. رسم مشروع أم لا؟!
يدور الجدل اليوم حول عملية إعادة قطع التصدير، أي أن يلتزم المصدّرون ببيع القطع الأجنبي الوارد من قيمة صادراتهم إلى مصرف سورية المركزي... وهو إجراء نقدي، تم تطبيقه وإلغاؤه وإجراء تعديلات عليه لمرات عديدة. وأثار جدلاً واسعاً بين المصدرين من جهة، والحكومة من جهة أخرى.
وافقت رئاسة مجلس الوزراء على توصية اللجنة الاقتصادية، المتضمنة إعادة قطع التصدير إلى مصرف سورية المركزي، بينما لم تقرّ الآلية بعد. وأرسلت وزارة التجارة الداخلية واتحاد غرف التجارة والصناعة قوائم بالصادرات لعام 2018، لتُدرس وتقرّ الآلية.
تمّ خلال سنوات الأزمة إعادة العمل بقرار قطع التصدير بنسبة 100%، بعد أن كان قد أُلغي في عام 2009، ومن ثم تمّ لاحقاً تخفيض النسبة إلى 50%، ولاحقاً إلغاء التعهد. وأصبح المصدرون قادرين على امتلاك وإيداع كامل قطعهم الأجنبي الذي يحصلون عليه في حساباتهم.
90 مليار ليرة من المصدرين للحكومة!
الخطوة الحكومية تأتي في إطار الوضع المالي والنقدي المستعصي خلال العام الحالي، بعد رفع مستوى العقوبات وتوقف الائتماني الإيراني، وحالة الركود العامة التي تسود السوق السورية. فالحكومة تسعى إلى تحصيل إيرادات إضافية من القطع الأجنبي، لاستخدامها في العمليات المختلفة، وتحديداً في تمويل المستوردات...
المصدرون والصناعيون من بينهم، يعتبرون أن هذه الخطوة هي بمثابة ضريبة جديدة، فهم عملياً يسجلون خسارة، إذا ما باعوا القطع الأجنبي للحكومة بسعر 440 ليرة، بينما سعره في السوق 570 ليرة تقريباً، أي: أنهم يخسرون 130 ليرة، ونسبة 22% من كل دولار يبيعونه للحكومة. وبالتأكيد فإن هذا الاقتطاع هو خسارة، وبمثابة رسم إضافي على الصادرات.
وإذا ما كانت قيمة الصادرات الرسمية 700 مليون دولار كما في عام 2017، فإن هذا يعني أن قرابة 90 مليار ليرة تتحول افتراضياً من حسابات المصدرين إلى حسابات الحكومة. وستجني الحكومة ما يقارب 700 مليون دولار إضافية إلى رصيد قطعها الأجنبي، مقابل بيعه بالسعر الرسمي المنخفض، إذا ما افترضنا أن سعر شراء القطع من المصدرين سيكون بالسعر الرسمي، وأن النسبة ستكون 100% من قطع التصدير الوارد.
إن حصول المصرف المركزي على قطع التصدير، هو إجراء إيجابي بالمبدأ، وهو على العكس من سياسة تحرير النقد الأجنبي، التي كان المصرف المركزي يتبعها وأُلغي بموجبها تعهد قطع التصدير في عام 2009. إن إعادة القطع الأجنبي هي خطوة مطلوبة، ولكنها تأتي في سياق ولحظة ركود، تقوم الحكومة فيها بالبحث عن أية موارد، وقد تكون لها تأثيرات سلبية، إذا لم يكن إجراءً مركباً.
تسهيلات بسياسة «غضّ النظر» مقابل تعقيدات
الحكومة ستقتطع حصة من أرباح المصدرين عبر هذا الإجراء، ولكنها بالمقابل تقدّم لهم تسهيلات غير مباشرة، وفق سياسة «غض النظر»، وأهمها: أن الحكومة تُسعّر الصادرات بأسعار تأشيرية أقل من الأسعار الحقيقية... وهو النقاش المفتوح منذ عام 2013، عندما صدر القرار رقم 2311 القاضي بإلزام المصدرين بتعهد قطع التصدير، وصدرت معه النشرة الأولى لتسعير الصادرات، والتي كانت أسعارها أقل من أسعار الجملة السورية. وعلى سبيل المثال: كان معاون وزير الاقتصاد في عام 2015 قد تحدث عن خسارة الحكومة من التسعير المنخفض لمصدري المواد الزراعية، إذ أشار إلى أن «سيارة حاوية الكرز مثلاً يتم إصدار تعهد القطع من المصدر بـ 2000 دولار، في حين أن سعرها الحقيقي نحو 30 ألف دولار!».
وكانت الصحف المحلية قد نقلت عن اتحاد المصدرين أن قيمة الصادرات في عام 2017 قد تقارب 5 مليار دولار، بينما رسمياً قيمها تقارب 700 مليون دولار فقط!
وبالتالي، فإن الحكومة تقدم ربحاً للمصدرين، عبر تخفيض رسوم الصادرات الجمركية، المتاح من خلال أسعار وهمية ومخفّضة للمواد المصدّرة.
أضف إلى ذلك أن سياسة «غضّ النظر»، تتيح هامشاً كبيراً من تخفيض التكاليف، فالصناعيون السوريون الذين يعملون بالدرجة الأولى لغايات تصديرية في سوق محلية ضيقة وفقيرة، يتمتعون بميزة «العمل في الظل». حيث تتيح سياسة التهرب الضريبي، تقليص التكاليف الضريبية، وتتيح سياسة الاعتداء على حقوق العمال، وتخفيض تكاليف التأمينات الاجتماعية لحدود دنيا. إذ تسجّل نسبة لا تُذكر من العاملين في التأمينات، ويسجّلون بأجور الحد الأدنى. كما أن التهرب من رسوم الكهرباء وغيرها متاح بشكل واسع، رغم رفع تكاليف الطاقة الكهربائية على الصناعيين، إلا أن سرقة الكهرباء لا تزال قاعدة متبّعة في تخفيض تكاليف الإنتاج السورية.
هذا عدا عن الميزة الأساسية التي تتيحها سياسة الأجور السورية، التي تقوم على فكرة رخص العمالة السورية، وأن أجورها من أقل الأجور عالمياً، وهي بلا حماية في قانون عملٍ منحازٍ لأرباب العمل بشكل واضح... هذا إن خضع العاملون لقانون أو تنظيم.
رغم جملة التسهيلات المذكورة سابقاً، إلا أن المصنّعين عموماً والتصديريين كذلك، يمرّون فعلاً بظروف صعبة. ومقابل العمالة الرخيصة، وقيمة الليرة السورية المنخفضة التي تدعم تكاليف منتجاتهم... فإنهم ينتجون أيضاً بأسعار طاقة مرتفعة وعالمية، ويجدون صعوبة في التحويل والتصدير، ويدفعون إتاوات متعددة الأوجه خلال عمليات النقل، ومن جملة «حلقات الفساد والسلبطة». ويعتمدون على مواد أولية مستوردة، يفترض أن تكون مسعّرة بسعر الدولار الرسمي مع سياسة تمويل المستوردات، ولكن تمويل المستوردات فعلياً يتوزع على وسطاء كبار، لديهم مفاتيح الحصول على التمويل، ويحصل هؤلاء على ربحٍ من القطع الأجنبي الرسمي الرخيص يدفعه من يشتري محلياً مستلزمات الإنتاج...
التمييز بين المُصدّر الصناعي والمُصدّر الرّيعي
إن إجراءً كهذا يجب أن يميز بين أنواع المصدّرين، فالمنشآت الصناعية التي تعمل بخطوط إنتاج تصديرية، لن يكون مفيداً أو ضرورياً استعادة كامل قطعها التصديري، بل قد يكون من المفيد مراقبة حركة هذا القطع، والحرص على أن يُستخدم لتمويل مستوردات مستلزمات موادها الأولية. ليكون الصناعي قادراً على عزل نفسه عن تأثير تجار المستوردات، وليكون الدولار المحصّل هنا مفيداً للعملية الإنتاجية. أما النوع الآخر من المصدرين وهم الغالبية (نسبة 72% من الصادرات السورية في 2017 هي صادرات زراعية خام أو معدة إعداداً أولياً)، فهؤلاء تجار تصدير، يجمعون الفوائض الخام، والزراعية تحديداً بأقل الأسعار، ويشحنونها للخارج، بعملية ريعية يحصلون منها على أرباح عالية، وهنا من الطبيعي أن تحصل الحكومة على كامل قطع التصدير، وأن تُسعّر الصادرات بسعرها الحقيقي...
لا يوجد إجراء في الوضع المعقد اليوم، يمكن أن يكون أحادي الجانب، وأي إجراء غير مدروس، قد يزيد طين الركود الحالي بلّة. ولكن وضع هدف تحكم المصرف المركزي بالقطع الأجنبي، وتحصيل الدولة لحصة إضافية من أرباح السوق، هو هدف ضروري ومشروع، ولكن المشكلة أن هذه العملية في ظروف هيمنة قوى الريع الطفيلية قد تؤدي في المحصلة إلى الإضرار بالحلقات الأضعف، أي: المنتجون المحليون
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 917