نظرة إلى مالية شركات الصناعة العامة... هل تستحق الشفقة فعلاً؟

نظرة إلى مالية شركات الصناعة العامة... هل تستحق الشفقة فعلاً؟

وقف وزير الصناعة أمام مجلس الشعب، ونالت وزارته تعاطف الأعضاء مجتمعين... وقد عاد الوزير ليواسي الحضور قائلاً، بأنه لا يقصد إحباطهم، وأن للوزارة خطة عمل، ولكن المطلوب كبير، والموجود قليل. وكان الحديث يدور عن المنشآت الصناعية العامة العاملة حالياً، وعملية إعادة تأهيلها. فهل الوضع المالي لهذه الشركات متردٍ لحد التباكي الحكومي عليها؟
تعمل حالياً حوالي 50 شركة صناعية تابعة لوزارة الصناعة، بعضها يعمل جزئياً والآخر بطاقته الكاملة، بينما تتوقف العديد من الشركات، تقول الحكومة أن عددها يبلغ 46 منشأةً، جزء منها متوقف قبل الأزمة. وسنأخذ بيانات المنشآت التابعة لوزارة الصناعة في مؤسسات: الغذائية، والنسيجية، والكيميائية، والهندسية، والإسمنت والسكر والتبغ. لتتبين بعض التفاصيل.

 

نسبة ربح قليلة... ولكن لمَ؟
بالفعل، فإن الفائض الكلي المحقق في هذه المنشآت ليس عالياً، كنسبة إلى مجموع التكاليف المنفقة في إنتاجها سنوياً. أي أن عائديتها وفعاليتها منخفضة.
فنسبة الربح المحققة في مجموع هذه المؤسسات تقارب 28%. حيث الفائض الصافي المحقق يقارب: 37,5 مليار ليرة، بينما مجموع التكاليف يقارب 133 مليار ليرة. (بيانات الإنتاج والناتج والتكاليف والفائض- 2016- المكتب المركزي للإحصاء).
ولكن هذا الفائض أو مقدار الربح الصافي، هو ما يتبقى من نتاج عمل الشركات، بعد أن تدفع مستلزمات إنتاجها، وبعد أن تدفع رواتب وأجور الشركات العاملة والمتوقفة، وبعد أن تدفع ضرائب للحكومة، وبعد أن تدفع مبالغ لاهتلاك آلاتها.
حيث إن الجزء الأكبر من التكلفة هو للمستلزمات، التي يتم تأمينها من السوق، وعبر الوكلاء، وفي ظروف ارتفاع تكاليف الطاقة. حيث إن هذه الكتلة قد تتضمن هدراً، ناجماً عن تكاليف الطاقة المرتفعة، وتكاليف العمل بمعدات وآلات قديمة، والفساد، وحصص الوكلاء المرتفعة، وعن تكاليف التوقف وصعوبة تأمين المستلزمات وغيرها من أوجه التكلفة، الناجمة عن صعوبات تأمين المستلزمات في الظروف الحالية.
ولكن مع هذا فإن هذه المستلزمات تشكل نسبة 63% من قيمة الإنتاج، بينما الناتج، أي القيمة المضافة يشكل نسبة 36%.
ولكن من هذا الناتج على هذه الشركات أن تدفع كتلة الأجور والرواتب لعمالها وعمال الشركات المتوقفة التي قاربت بمجموعها: 20 مليار ليرة في عام 2016. وعليها أن تدفع ضرائب للحكومة قاربت: 2,4 مليار ليرة.
وعليها أيضاً أن تخصص مبلغاً سنوياً لاهتلاك آلاتها بلغ في عام 2016: 2,2 مليار ليرة. حيث إن مخصصات الاهتلاك المدفوعة منذ عقود على آلات، وسطي عمرها يعود إلى التسعينيات، أصبح بمجموعه التراكمي قادراً على تجديد هذه الآلات لمرات متتالية!
وبعد أن تدفع هذه الشركات كل هذه المصروفات، فإنها عملياً تحقق ربحاً قارب 37 مليار ليرة، في عام 2016 كنموذج، عندما كانت الظروف أصعب مما هي عليه اليوم.
وإذا لم تتحقق هذه الأرباح، نتيجة عدم بيع كامل الإنتاج، فإن هذه الأرباح عملياً تبقى موجودة ضمن المخازين، وتتحقق لاحقاً. والتأخير لا يكون ناجماً عن مشاكل إنتاجية، وكفاءة الشركات، بل عن عمليات سوء التسويق الإدارية، والعرقلات الموجودة في حيوية عمل هذه الشركات وتعاملها مع السوق.
وعملياً، فإن هذه الشركات تحقق فائضاً قاربت 37,5 مليار ليرة، وهي التي لا يشكل الربح هدفها الأساس، وفق منطق إنتاج الشركات العامة، المملوكة للدولة. التي عليها أن تلعب أدواراً أخرى، اقتصادية وإنتاجية، لتلبية مستلزمات ضرورية للاقتصاد الوطني، وعليها أن تلعب أدواراً اجتماعية بالتشغيل، وتزويد عمالها بأجورهم وتعويضاتهم. أي أنها مع تأديتها لهذه الأدوار، نسبياً، فهي أيضاً قادرة على تحقيق فائضٍ نسبي.
وينبغي الإشارة إلى أن هذا الفائض المحقق، يشكل أكثر من ثلاثة أضعاف أرباح شركة الاتصالات السورية المعلن عنها، التي قاربت 10 مليارات ليرة، في عام 2016، وفق التصريحات الحكومية المعلنة، رغم أن قطاع الاتصالات أوسع

معدل الربح في هذه الشركات بلغ 28% حيث حققت فائض 37,5 مليار ليرة مقابل مجموع كلف بلغ 133 مليار ليرة.

نسبة القيمة المضافة في هذه الشركات قد بلغت 36%، حيث كان الناتج الإضافي المحقق 62 مليار ليرة، من أصل 170 مليار ليرة قيمة إنتاج.

استهلاكاً، وأقل تكاليفاً، ونسب الربح فيه أعلى، وكلف التشغيل أقل 5,6 مليار ليرة خلال سنة. (قاسيون 884).
أي أنها تساهم في فوائض المالية العامة بشكل جيد نسبياً، في ظروف تراجع الإيرادات العامة عموماً.
ما الذي تحصل عليه هذه الشركات؟
لكن بالمقابل ما الذي تحصل عليه هذه الشركات من الحكومة، التي تشكل لها (رب عمل)؟ تقريباً لا شيء.
فالحكومة تأخذ فائض هذه الشركات إلى ماليتها العامة، وتعيد لها حصصاً استثماريةً، أقل من فوائضها الإجمالية، وفق مخصصات الخطط الاستثمارية للصناعة العامة.
فعلى سبيل المثال، إن مخصصات الصناعة التحويلية من الخطة الاستثمارية في موازنة عام 2018 لم تتعدَّ 16 مليار ليرة، ولكن نسب التنفيذ من المتوقع ألّا تتعدى 67%، وحوالي 11 مليار ليرة. وفق تصريحات وزارة الصناعة ولجنة الحسابات في مجلس الشعب.
فإذا قارناها مع فوائض عام 2016 التي بلغت 37,5 مليار ليرة، فإن الحكومة تعطي الشركات مالاً للاستثمار بمقدار 11 ملياراً، وتحتفظ بحوالي 25 مليار ليرة من فوائضها!

*الناتج: هو قيمة الإنتاج مطروحاً منه قيمة مستلزمات الإنتاج.
*الفائض: قيمة الإنتاج مطروحاً منه التكاليف كافة بما فيها المستلزمات والأجور واهتلاك الآلات والضرائب.
*التبغ تم أخذ أرقامها من عام 2015 لعدم توفر أرقام عام 2016.

آخر تعديل على الإثنين, 29 تشرين1/أكتوير 2018 11:18