أغنياء أقل... غنى أكثر

أغنياء أقل... غنى أكثر

تتضارب أرقام وتقديرات الفقر ومستوياته في سورية، ولكن الثابت الأكيد أن الغالبية العظمى من السوريين أي: ما يزيد على 90% أصبحوا يسعون للحاق بأسباب البقاء فقط، سواء كانوا داخل البلاد، وفي مواطئ اللجوء المؤقتة قرب الحدود في مخيمات دول الجوار، أو حتى في تلك (الكمبات) ومنازل اللجوء الأنيقة التي خصصها الغرب لمئات الآلاف القوى العاملة السورية التي نجحت في الوصول الصعب.

الفقر في سورية هو أهم وجه من وجوه الأزمة، عابر للاصطفافات السياسية والقومية والمذهبية، ويشكل هذه الكتلة الكبيرة من السوريين المنقسمين وضوحاً، وبالفقر عن القلة القليلة التي ملأت (يخوت) النجاة بكل ما غرق من أرزاقنا وكل ما ضاع من جهد المنتجين السوريين حيث يستمر هؤلاء باصطياد خسائرنا وتكديسها، ورغم الوضوح الجلي في انتعاش القلة المالكة من غرق البلاد وغالبيتها، إلا أنك لن تسمع أحداً من هؤلاء يقول: (لا نريد محاربة الفقر) بل ستسمع الآن وغداً إعلامهم وأحزابهم ومثقفيهم واقتصادييهم يرددون بحزم وأسى بضرورة إنهاء هذه الظاهرة.
نحن أيضاً نقول هذا، ونضعه أولوية في رؤيتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فكيف يستطيع عموم السوريين أن يصدقوا فعلياً من يعبر عن مصلحة الأغلبية، ومن يبيع الكلام؟! لا بد من وجود معيار وورقة عباد شمس...
المفارقة أن الفقر لا يمكن مواجهته إلا بزيادة الغنى، حيث ينبغي أن يزداد الغنى الاقتصادي ويتسارع إنتاج الثروة بكل أشكالها، وينبغي أن تزداد إمكانات العمل، وفعاليته، وتزداد في الوقت ذاته إمكانات الترفيه ووقت الفراغ، لأنها مؤشر هام من مؤشرات زيادة إمكانيات التطور، فالشعوب تزداد غنى كلما ازدادت قدرتها على امتلاك الوقت، أي: تقلص الوقت الضروري لإنتاج الحاجات الأساسية، كي لا نبقى نقضي جل أعمارنا راكضين وراء اللقمة!
فكيف تحقق الهدف وتزيد الغنى؟! هناك من يجيب بأن الأغنياء هم القاطرة، فهم بسعيهم القانوني نحو الربح الأعلى يوسعون الإنتاج الذي يملكونه، ويطورونه، ومما يغنمون يغنم المجتمع ويزداد غنى.
ولكن أعتى المتطرفين للأغنياء أصبحوا مضطرين للقول اليوم: بأن هذه النظرية لم تنجح، وقد سعى الأغنياء عبر العالم لزيادة أرباحهم دون أن يطوروا الإنتاج، ويوسعوا إمكاناته، بل من عمليات المضاربة العالمية المتمثلة بحركة رأس المال المالي عبر العالم، وبالفعل فأغنياء سورية على سبيل المثال لا الحصر كانوا يأخذون أرباحهم المنتجة في سورية من ملكيتهم لثرواتها، ويصبون معظمها في مصب المال العالمي، عبر المنظومة المصرفية ويودعونها في خزائن المال العالمي، وهذه فقط إحدى الطرق التي تصل فيها ثروات بلادنا إلى تلك المصبات، وليست الطريقة الوحيدة فنمط التجارة يساهم، والاستثمار العالمي يساهم وغيرها...
أي: نستطيع أن نطبق ما يقال منذ ماركس بأن الأغنياء هم عثرة أمام النمو، وأمام الغنى الفعلي للمجتمع ككل، ويجب أن يكون الهدف المرحلي هو تقليص التكديس الخاص للثروة الاجتماعية، لأنها الطريقة الوحيدة لتقليل التحكم بالثروة وبقرارات تطوير الإنتاج وتوسيعه، ورفع كفاءته، ليزداد الغنى الفعلي للمجتمع، فالأثرياء لا يهمهم مصدر الثروة ولكن يهمهم كمها، وإذا لم يتحول الجزء الأعظم للثروة إلى ملكية جماعية، ويتحول قرار التحكم بالإنتاج وتطويره إلى قرار منتم للمصلحة العامة، إلى نوع النمو ونمطه وليس كمه فقط، فإن سورية وغيرها لن تستطيع أن تحقق نقلة اجتماعية نحو الأفضل نحو الغنى الجماعي.
لذلك فإن ورقة عباد الشمس التي تكشف أصحاب المصلحة الحقيقية بالتقدم، هي الموقف من طريقة توزيع الثروة، هل هي تعود للمجتمع أم أنها مرهونة لقلة؟! لأن هذا هو الطريق الوحيد لمحاربة الفقر محاربة جدية، ورفع مستوى المجتمع ككل، وليس النخبة المالكة فقط، المسألة ليست موقفاً أخلاقياً لمساندة الضعفاء فقط، بل هي ضرورة اجتماعية لنقل المجتمع إلى الأمام، إن لم ننجزها نحن، فإن إنجازها سيتأخر وستنجزها الأجيال اللاحقة بكلف أعلى.

معلومات إضافية

العدد رقم:
822