الدعم الزراعي استثمار على أكثر من صعيد.. وحكومتنا تخفّضه 29.5%! إصرار حكومي على تكرار سياسات أنهكت قطاع الزراعة.. وهددت الأمن الغذائي

الاهتمام بالقطاع الزراعي كان، ومن الناحية النظرية، على رأس أولويات الحكومة الحالية عند تعيينها، لاعتراف القيادة السياسية حينها، انه جرى إجحاف بحق هذا القطاع الاستراتيجي، والذي سببته سياسات وقرارات حكومة العطري المجحفة بحق هذا القطاع، إلا أن هذه الحكومة لم تكن أفضل من سابقتها، وهذا يبرهن على أن الحكومة الحالية لم تتعظ من تجارب غيرها، ونكثت بوعودها التي قطعتها عند تعيينها تجاه القطاع الزراعي عموماً، والفلاح بشكل خاص، وهي تتجهز بسياساتها الحالية لإكمال ما بدأت بتخريبه الحكومة السابقة في المجال الزراعي، متناسية عن قصد أن الدعم الزراعي هو استثمار على أكثر من صعيد، وليس هدراً غير مبرر كما يلوح البعض بذلك من حين لأخر..

هجوم متعمد من محورين
جرى الهجوم الحكومي على القطاع الزراعي من محورين، أولها، تخفيض دعم الإنتاج الزراعي بنحو 10 مليارات ليرة إلى 24 مليار ليرة لعام 2012، وذلك مقارنة بنحو 34 مليار ليرة في عام 2009، أي أن دعم هذا القطاع تراجع بنحو 29.5%، ليلحقه قرار رفع أسعار الأسمدة بما يتراوح بين 3160 – 6400 ل.س للطن الواحد، وبنسبة وسطية تصل إلى 30%  تقريباً، وذلك بعد اتخاذ قرار حكومي أخر، برفع أسعار مختلف الأسمدة المخصصة للزراعة منذ أيام قليلة، حيث جرى رفع أسعار الطن الواحد من سماد سوبر فوسفات بنحو 6400 ل.س، وبنسبة 33.5%، وسماد اليوريا بما يقارب 4900 ل.س للطن الواحد، وبنسبة 30.2%، وسماد نترات الامونيوم بنحو 3160 ل.س، وبنسبة 26.7%، ورفع سعر الطن الواحد من سماد نترات الامونيوم بنحو 3400 ل.س، وبنسبة 32%، ولم ننس بعد تأثيرات هكذا قرار مماثل في عام 2009 على تراجع إنتاجية القطاع الزراعي، وارتفاع مساحة الأراضي غير المزروعة، وهذه نتائج محتملة للقرارات الحالية

نتائج كارثية
لن يكون الحديث عن النتائج السلبية لقراري الحكومة المتتابعين، والمتمثلين بخفض الدعم على الإنتاج الزراعي، ورفع أسعار الأسمدة الزراعية، من باب التكهنات والتوقعات، بل إن قرارات حكومية مشابهة في الماضي القريب، تركت نتائج كارثية على هذا القطاع، فتلك القرارات هي ما ساهمت في تراجع مساهمة القطاع الزراعي بالناتج المحلي الإجمالي بما يقارب 10 %، وذلك بتراجع مساهمته من 25% إلى 14% من الناتج المحلي الإجمالي، أي ما يعادل 200 مليار ليرة سورية، وهذا ليس بالرقم القليل الذي يمكن إغفاله، وما أعقب ذلك من تبعات على ارتفاع عجز الميزان التجاري السوري بشكل كبير، وذلك من 130 مليار ليرة في 2008، إلى 132 مليار في عام 2009، ليرتفع هذا العجز بنحو 84% في عام 2010، إلى نحو 243 مليار ليرة، وجزء من هذا العجز، تعود مسؤوليته لتدني الإنتاج الزراعي وتراجع كمياته، وأدى ذلك بمجمله، إلى عزوف عدد غير قليل من الفلاحين عن العمل بالقطاع الزراعي، لارتفاع تكاليف الإنتاج، وتضاؤل هامش ربح الفلاحين القليل أصلاً، وهذه القرارات ستصب في الخانة نفسها بمحصلة الأمر، ولذلك نقول للحكومة «من جرب مجرب عقله مخرب»، فمن كواه حليب الحكومة السابقة سيجبر على «تنفيخ» لبن الحكومة الحالية، فكيف إذا اكتوى السوريون بالقرارات الظالمة ذاتها!..
وعلى الرغم من اعتراف الجميع بأهمية القطاع الزراعي، إلا أن السياسات والاستراتيجيات الحكومية تجاه هذا القطاع تراوح مكانها، مصممة على إنهاك هذا القطاع، الذي يؤمن الأمن الغذائي بالدرجة الأولى، ويدعم استقلال القرار السياسي ثانياً، وهنا لسنا بوارد الحديث عن الشواهد، التي نملك منها الكثير، فلماذا الإصرار الحكومي على تكرار سياسات أثبتت فشلها في السابق؟!

خجل حكومي
خجل الحكومة السورية من دعم القطاع الزراعي بات نموذجاً ثابرت على اعتماده دون كلل أغلب الحكومات المتعاقبة، وكأنه مصاريف زائدة لا مبرر لها، متناسين بالأساس أن الدعم الزراعي، هو استثمار في الاقتصاد، وفي القوة البشرية، لقدرته على تصحيح اختلالات الميزان التجاري، وتشغيل عدد غير قليل من القوى العاملة التي هجرت الزراعة، هذه القوة البشرية التي تبحث عن فرص عمل لها في المدن الكبرى أو في دول الجوار، فالصين التي استطاعت إطعام 21% من سكان العالم، وتأمين الاكتفاء الذاتي من المواد الزراعية والحيوانية، لا تتعدى مساحتها الإجمالية سوى 9% من مساحة العالم، على الرغم من امتداد التصحر إلى أجزاء غير قليلة من أراضيها سنوياً، وهذا يطرح تساؤلات كبرى عن أسباب هذا الانجاز الذي تحققه الصين، بينما نعجز نحن عن تأمين احتياجاتنا الغذائية بكل ما نملك من أراض زراعية، ولا يزال 30% منها غير مستثمر حتى الآن!..


لنتعظ من التجارب
بالمرور على التجربة الصينية في مجال دعم الزراعة والفلاح، نجد أن الحكومة الصينية أنفقت ما يقارب 391.7 مليار يوان (5.3 مليار دولار) لمصلحة قطاع الزراعة، والمناطق الريفية، والمزارعين في عام 2010، كما وصل دعم السلالات الجيدة، والأدوات الزراعية، والأسمدة، إلى ارتفاع بنحو 40 – 50% سنوياً، حيث بلغ حجم الدعم المباشر للحبوب والموارد الزراعية في عام 2007 مثلاً نحو 42.7 مليار يوان، بزيادة 63 بالمئة عن العام الذي سبقه، كما وصلت أموال المساعدة الخاصة في العام ذاته إلى 8. 87 مليار يوان (1.18 مليار دولار) بزيادة 2.9 مليار يوان عن عام 2006، بالإضافة إلى دعم شراء الأدوات الزراعية، وهذا الدعم هو ما ساهم في تحقيق الصين لاكتفائها الذاتي من المواد الغذائية، فهل لحكومتنا أن تتعظ من هذه التجربة في المجال الزراعي؟! بدلاً من سعيها لتطبق وصفات البنك وصندوق النقد الدوليين، الداعين لتجريد الزراعة والمواطن على حدٍ سواء من كل أشكال الدعم الحكومي..

 
لماذا يرمى الدعم بألف حجر؟!
وفي سياق الحديث عن الدعم المقدم للزراعة في كل دول العالم، والذي يرمى بألف حجر من كل الحكومات المتعاقبة، ومن الحكومة الحالية على وجه الخصوص، لن ننسى تذكيرها بالمساعدات والمعونات التي يقدمها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية للقطاع الزراعي، والتي كشفها مقرر الأمم المتحدة للحق في الغذاء اوليفييه دي شاتر، واصفاً إياها  بـ«فضيحة  كبرى، وبأكبر انحراف في الأسواق الزراعية»، وهذا المثال برمزيته، يوضح أن الدول الكبرى والغنية هي أيضاً من أهم الدول الداعمة لمزارعيها، وهي من تتخذ من الاقتصاد الحر توجهاً لسياساتها الاقتصادية، فكيف سيكون الحال إذاً، لاقتصاد سورية الذي يعتبر فيه القطاع الزراعي حامل الاقتصاد الوطني، وضامن الأمن الغذائي، واستقلال القرار السياسي أيضاً..

معلومات إضافية

العدد رقم:
542