خصخصة القطاع العام طريقة من مئة لشل الاقتصاد الوطني

لقد شيد القطاع العام خلال أربعة عقود بعرق الطبقة العاملة وتضحياتها الجسام من عمال وفنيين ومهندسين وإداريين واقتصاديين. قدم جنود مجهولون بإبداعهم ومبادراتهم الكثير كي يشيد القطاع العام، فيساهم في بناء الاقتصاد فقامت الشركات الإنشائية العامة بأعمال فذة في بناء البنية التحتية للاقتصاد من طرق وجسور ومدارس ومصانع. وتم بناء الخطوط الحديدية وغير ذلك من المرافق العامة. صممت الخطوط الحديدية لتسير بسرعة 120 كم/ساعة، لكن رموز الفساد منعوها من السير إلا بسرعات حول 50/كم/ساعة.

وحددت برامج توقيت للحركة لا تتناسب مع حاجات المواطنين في السفر. فمثلاً يسافر القطار مرة في الأسبوع بين دمشق واللاذقية بعد منتصف الليل، فكيف لمؤسسة الخطوط الحديدية أن تربح من نقل الركاب؟ على قطار الركاب أن ينتظر مرور قطار الشحن إذ له أفضلية المرور فأي منطق هذا؟ لذلك تستغرق الرحلات زمناً طويلاً غير مبرر.

انخفض عدد الركاب بين الأعوام 1991 – 1999 من 4.6 إلى 0.8 مليون راكب بسبب تراجع الخدمات والبطء الشديد والتوقيت غير الملائم إلخ. وانخفض معدل راكب/كم من 1140 مليون إلى 187 مليون خلال الفترة الزمنية نفسها. وظل نقل البضائع يتراوح حول 5 مليون طن سنوياً في الفترة نفسها، علماً أن الطاقة التمريرية المتاحة هي 83 مليون طن. والطاقة التمريرية على الشبكة هي 970 قطار يومياً، في حين أن التمرير الفعلي 244 قطاراً. أي الربع فقط!

هدر كبير جداً في الطاقة النقلية للركاب والبضائع. عندما تتم الصيانة الدورية للشبكة والمعدات بشكلٍ أصولي ويتم اختيار أوقات ملائمة وتواتر كبير بحيث تنطلق القطارات كل ساعة مثلاً في شتى الاتجاهات وتسير القطارات بسرعة إلخ. من إجراءات تصبح المؤسسة رابحة وتساهم في حل أزمة النقل بشكلٍ رئيسي.

وصل عدد العاملين في القطاع العام وفي الدولة مليون مشتغل. ويعمل في القطاع الخاص 4 مليون مشتغل من بينهم نصف مليون طفل ويعمل أكثر من مليون مشتغل خارج القطر في دول عربية وأجنبية.

شلت الجهات الوصائية القطاع العام بآليات عديدة منها صندوق الدين العام الذي يأخذ من شركات القطاع العام المبالغ المعدة للاهتلاك بقصد تجديد التجهيزات سنوياً. ويمنعها من صرفها في الغرض المحدد لها في كل أنواع الشركات. الجهات الوصائية العديدة هي تقرر متى يحق لهذه الشركات أن تجدد تجهيزاتها. ستفلس أي شركة قطاع خاص إذا وضعناها في الشروط نفسها. صندوق الدين العام يأخذ فوق ذلك ضرائب الأرباح وكل الأرباح بعد الضرائب. ماذا كانت النتيجة؟ تقادمت الآلات والتجهيزات في الكثير من الشركات والمؤسسات مما أدى إلى ارتفاع كلفة الإنتاج وخفض الجودة وزيادة الأعطال فارتفعت كلفة الإصلاح وثمن قطع الغيار وتعطل الآلات عن العمل. تدفع بعض شركات القطاع العام ومؤسساته الدعم عوضاً عن الدولة، فبدت خاسرة حسابياً وهي رابحة أصلاً. ومبالغ الدعم كما تذكر وسائل الإعلام ضخمة قد تصل في مادة واحدة إلى قرابة 200 مليار ل.س سنوياً في مادة المازوت فقط.

الجهات الوصائية المتعددة تشل إدارة شركات القطاع العام عن اتخاذ القرارات التخطيطية والتنفيذية سواء بالنسبة للاستثمار أو الإنتاج أو التخزين أو التمويل وهي التي تحدد كمية الإنتاج وأسعار مدخلات الإنتاج ومخرجاته، فكيف تكون إدارة هذه الشركات مسؤولة عن النتائج؟ وهي بالمقابل تسمح للشركات المشملة بالقانون رقم 10 بأن تعمل كما يحلو لها دون أن تدفع الجمارك أو ضرائب الأرباح وتسمح لها بان تخرج كل أرباحها ورأسمالها إلى الخارج فأي منافسة عادلة هذه؟

رموز الفساد داخل الجهات الوصائية التي شلت القطاع العام بقراراتها غير الرشيدة، تريد أن تخصخصه، لتكمل ما بدأت به. هل يتكرر عندنا ما حصل في دول أخرى؟ الذين نهبوا القطاع العام في الاتحاد السوفيتي السابق اشتروا شركات القطاع العام بالأموال المنهوبة. لن يستفيد القطاع الخاص من الخصخصة، بل رموز الفساد، فقد بيع في روسيا أضخم مصنع لإنتاج سيارات "لادا" بـِ 44 مليون دولار، فيما قدرت قيمته بين 1.4 – 1.6 مليار دولار. من الطبيعي أن تتمزج الخصخصة بالنهب والإفساد الإداري كما جرى عند بيع القطاع العام في أوروبا الشرقية. فقد بيع مصنع يشغل بضعة آلاف من العمال والفنيين ومساحته المعمل نصف مليون م2 في برلين عاصمة ألمانيا بمبلغ مارك واحد!؟ انكشف الأمر لأن نقابة العمال في هذا المصنع حاولت شراءه ودفعت 15 مليون مارك ورفض طلبها، تابعت الأمر وانكشف للملأ.

تقدر الخسائر بـِ 500 مليون جنيه من عملية بيع حصة بنك الاسنكدرية في المصرف المصري الأمريكي. ووزير النقل شريك في العملية

● (المصدر: فضيحة مصرفية ـ القاهرة ـ تاريخ 16/1/2006- محمود بكري ـ جريدة الأسبوع )

 

■ د. نزار العبد الله