الأموال تبخرت وطارت.. ولكن المصارف بقيت رابحة!

الأموال تبخرت وطارت.. ولكن المصارف بقيت رابحة!

تشير التقديرات إلى أن رؤوس الأموال التي غادرت سورية في بدايات الحرب تتراوح بين 10-22 مليار دولار ظهرت كاستثمارات في الأسواق القريبة.. هذا عدا عن الأموال السورية المتراكمة في الخارج كنتيجة للسلوك التقليدي تاريخياً لقوى السوق الكبرى ممن يملكون حسابات خارجية، ولقوى الفساد التي كانت تخرج أموالها سنوياً من سورية وتراكمها هناك..

 

يتغنى الكثيرون اليوم ببقاء القطاع المصرفي في سورية عاملاً ودون خسارات بعد أن هرب أهم المودعين فيه، وبالفعل فإنه يسجل أرقام ربح وتزايد بالودائع بالليرة فماذا في التفاصيل..

ما هو واقع المصارف العامة والخاصة من حيث الودائع، ومن أين تأتي الأرباح؟!

زيادة 16% بالليرة ونقصان 85% بالدولار

بلغ إجمالي أموال السوريين المودعة لدى المصارف بشقيها العام والخاص 1399 مليار ليرة سورية تقريباً في عام 2010، أي 27,9 مليار دولار بسعر صرف 50 ليرة مقابل الدولار.

وقد أصبح إجمالي الودائع في بداية عام 2016: 1624 مليار ليرة سورية، بزيادة 16%، ولكن إذا ما قيم بالدولار فإن حجم الودائع يبلغ حتى بداية العام 4,1 مليار دولار وفق سعر صرف السوق في نهاية 2015 البالغ: 390 ليرة مقابل الدولار.

ما يعني بأن حجم الإيداعات قد ازداد بالليرة السورية بمقدار 16%، وانخفض بالقيمة الفعلية مقيمة بالدولار حتى بداية العام بمقدار: 85%، أي بمقدار خسارة الليرة لقيمتها تقريباً..

ومع ذلك فإن هذا المؤشر جيد نسبياً، ولكن ينبغي البحث في توزعه بين العام والخاص لتتضح الصورة.

حصة المصارف العامة والخاصة

في عام 2010 كانت قرابة ثلاثة أرباع الودائع موجودة في المصارف الخاصة بنسبة 76% من إجمالي الإيداعات المصرفية، بينما ربع الودائع موجود لدى المصارف العامة، بنسبة 24% فقط من إجمالي الودائع.

أما خلال الأزمة، ونتيجة هروب الودائع المودعة في المصارف الخاصة بالدرجة الأولى، فقد تغيرت الحصص، حيث أصبحت حصة المصارف العامة من الودائع المصرفية حتى الربع الأول من 2016 بمقدار 58,7% بحوالي 954 مليار ليرة سورية، وزيادة 187% بالودائع في الليرة، بينما مقيمة بالدولار فقد خسرت قرابة 63% من القيمة الفعلية لهذه الودائع.

أما المصارف الخاصة فقد أصبحت حصتها من الودائع في الربع الأول من 2016: 41.3% بحوالي 670 ميار ليرة سورية، أي أنها خسرت ودائع بالليرة بمقدار 395 مليار ليرة.

تزداد الودائع بالليرة لدى المصارف العامة، نظراً لكونها مشارك فعال نسبياً في النشاط الاقتصادي، وتحديداً إذا ما قيست بالمصارف الخاصة، فعبر علاقتها مع مؤسسات القطاع العام، ومن نشاط التجارة الخارجية، وتحديداً عبر الخط الائتماني الإيراني، تشكل وجهة أكثر جذباً للودائع تحت الطلب أو الودائع الجارية بالليرة السورية، أي التي توضع لحفظها وممارسة الأعمال من خلالها.

إلا أن تغيراً يصيب طبيعة أرباحها ومصدرها أيضاً، فقد انتقل الجزء الأكبر من أرباحها إلى أرباح محققة من تقييم مركز القطع أي القطع الأجنبي الذي تختزنه كاحتياط، بينما كان في عام 2013 الجزء الأهم من أرباحها يأتي من الأرباح التشغيلية، أي من قيامها بعمليات الاستثمار والتسليف، حيث تشكل التسليفات المنتجة، وتحديداً للقطن والحبوب، ولشركة محروقات أهم تسليفاتها..بالإضافة إلى نشاطها التسليفي في التجارة الخارجية.

المصارف تربح دون عمل!

خلال سنوات الأزمة كان هناك شبة توقف في عمل المصارف الخاصة بما يخص نشاط الإقراض وتأمين التمويل اللازم للمشاريع والاستثمارات الضرورية لإعادة دوران عجلة الاقتصاد، ومع ذلك بقيت هذه المصارف تحقق أرباحاً صافية عالية، بسبب اتباع سياسة محددة، يقول البعض، أنها حمت مواقع المصارف، ومنعت انكشاف خساراتها، ولكنها حجبت الأموال المتراكمة عن الاستثمار، وأتاحت مع ثغرات للمضاربة على قيمة الليرة.

تميزت الفترة الممتدة بين 2014-2015 بنمو الأرباح المحققة لدى المصارف الخاصة حيث بلغ صافي الربح المحقق لدى 14مصرفاً خاصاً  83.7 مليار ل.س خلال عام 2015 بمعدل زيادة عن 2014 بلغ 240%! 

هذا النمو والانتعاش نتج بشكل رئيس بفعل انخفاض قيمة الليرة السورية لتنعكس أرباحاً في النتائج المالية للمصارف الخاصة، حيث بلغت الأرباح الناجمة عن إعادة تقييم مركز القطع البنيوي خلال عام 2015 مبلغاً وقدرة 92.3 مليار ل.س بزيادة قدرها 58.6 مليار ل.س عن عام 2014 وبمعدل زيادة 174%،  و تشكل الأرباح الناجمة عن إعادة تقييم القطع أكثر من 95% من أرباح المصارف الخاصة.

تعتبر هذه الأرباح غير محققة، لأنها لم تنتج عن نشاط تشغيلي، أي لم يتم استخدام الأموال، بل فقط تسجل الأرقام من إعادة تقييم القطع الأجنبي بناء على ارتفاعه مقابل الليرة، فتظهر الزيادة، ولذلك فإن الأموال الدولارية، لا تستخدم في العمليات الاستثمارية، ولا توزع أرباح تقييمها، ولا تخضع للضريبة، ولكن ألا تحقق فعلاً أرباحاً حقيقية؟!

ثغرة صغيرة تتيح الربح من المضاربة

سمحت القوانين السورية منذ عام 2002، للمصارف العاملة في سورية، بإنشاء مركز قطع بنيوي بالأموال الأجنبية كحد أعلى من الأموال الخاصة الأساسية الصافية، أي أن تخصص نسبة 60% من الأموال الأساسية بالعملات الأجنبية، لا تستطيع تحويله وبيعه أو شرائه، إلا بموافقة السلطات النقدية السورية، أما إذا باعته وحولته إلى ليرة، فإنها لا تستطيع أن تعيد شراء القطع الأجنبي وتعويضه إلا بعد 3 سنوات. 

خلال الأزمة عُدّل تفصيل في هذا القانون، يرتبط بالمدة الزمنية لإعادة تعويض القطع إذا ما تم بيعه، حيث تم اختصار المدة من 3 سنوات إلى سنة!

أي أن المصارف التي تمتلك كتلة من القطع الأجنبي، تصل إلى 60%، أصبحت تستطيع أن تبيعها وتحولها إلى ليرة، وتقوم بشراء الدولار مجدداً خلال مدة عام.

أي أنها تستطيع أن تقوم بعمليات متتالية من البيع والشراء للقطع الأجنبي لـ 60% من أموالها خلال سنة.. فماذا لو وقتت عمليات البيع والشراء مع موجات المضاربة؟ أي اشترت دولار رخيص من المصرف المركزي (عندما كان أقل من السوق) وباعته للسوق بسعر أعلى في أوقات الطلب؟!