على صندوق النقد أن «يذهب إلى منزله»..!
ليلى نصر ليلى نصر

على صندوق النقد أن «يذهب إلى منزله»..!

في هذه المادة، تستعرض «قاسيون» مستجدات الأزمة المالية اليونانية، من خلال عرض بعض من الأفكار المهمة التي وردت في المادة البحثية لمدير مكتب بروكسل للدراسات السياسية الأوروبية، دانييل غروس، والمنشورة على موقع «project-syndicate». ويجدر التنويه إلى أننا وإن كنا نفرد مساحة لهذا التحليل، فإن ذلك لا يعني تبنينا الكامل له، وإنما يعود ذلك للبيانات المهمة كأرضية لفهم الأزمة اليونانية ومستجداتها، وللبناء عليها.

إعداد وترجمة: ليلى نصر

أسدلت الستائر على عمل آخر من أعمال دراما الديون اليونانية. إذ اتفق وزراء مالية منطقة اليورو وصندوق النقد الدولي مع اليونان للبدء، وفقاً لمطالب صندوق النقد الدولي، للتخفيف بعض الشيء من عبء الديون على البلاد، وإطلاق سراح 10.3 مليار يورو (حوالي 11.6 مليار دولار) من أموال خطة الإنقاذ. وفي مقابل ذلك، وافقت اليونان على خوض جولة جديدة أخرى من التقشف و«الإصلاح الهيكلي».

هل صندوق النقد «قاض نزيه»؟

لم يكن هذا النصر يستحق التضحية. في الواقع، كان من الأفضل أن تدع صندوق النقد الدولي ينحسب، وذلك لسببين، أولاً: إن تقديرات صندوق النقد الدولي لاستدامة الديون في اليونان مقوضة بفعل الصراع العميق على الفائدة. ثانياً: والأهم، فإن ائتمانات صندوق النقد الدولي هي مكلفة للغاية.

في إجراء إنقاذ طبيعي، يعمل صندوق النقد الدولي على أنه «قاضٍ نزيه» لاستدامة الديون في البلدان المضطربة، ومن ثم، إذا أراد ذلك، فيمكن له أن يتدخل كمقرض بهيئة «الملاذ الأخير». هذا ما حدث في عام 2010، عندما أراد القطاع الخاص الفرار من اليونان، ولاحت في الأفق أزمة شاملة.

لكن اليوم ليس لدى اليونان إلا عدداً قليلاً من الالتزامات مع القطاع الخاص، فحكومات منطقة اليورو هي التي تقدم كميات كبيرة من التمويل. من جانبه، لدى صندوق النقد الدولي كمية كبيرة من القروض غير المسددة. وبطبيعة الحال، إذا قبل دائنو اليونان بانخفاض في القيمة المعلنة للأصول، فإن قروض صندوق النقد الدولي ستصبح أكثر أمناً، وبالتالي سنصبح أمام عملية تضارب مصالح. 

طبعاً، لا يمكن اعتبار تحليلات القدرة على تحمل ديون صندوق النقد الدولي محايدة. وسيجري رفضها بالتأكيد من الجهات الفاعلة في القطاع الخاص. وعادة قاض محايد- لا أحد الدائنين- هو من يحدد الشروط في إجراءات الإعسار. والبعض قد يظن أن ديون اليونان هي غير مستدامة، لأن الحكومة اليونانية ستدفع أقل في الفائدة من البرتغال وإيطاليا، وكليهما لديهما مستويات ديون أقل من اليونان بكثير.

مقارنة بين أوروبا وصندوق النقد

ومع ذلك، يقول صندوق النقد الدولي أنه على الرغم من هذه الفوائد المنخفضة، فإن احتياجات إعادة التمويل في اليونان ستتجاوز 15% من الناتج المحلي الإجمالي في مرحلة ما- ربما لن تتجاوز 15 عاماً. وما يغفله صندوق النقد الدولي هو أنه إذا حدث ذلك، فإنه سيكون في المقام الأول بسبب صندوق النقد ذاته، أو بتعبير أدق، بسبب ارتفاع تكلفة قروضه.

يفرض صندوق النقد الدولي سعر فائدة أعلى بكثير (يصل إلى 3.9%) من الأوروبيين (أعلى قليلاً من 1% في المتوسط)، وذلك إلى حد كبير لأنه يحتوي على رسوم إضافية تصل إلى 300 نقطة هي أساس في تكاليف عمليات التمويل الخاصة به، مقارنة بأقل من 50 نقطة هي أساس البنوك الأوروبية. وعلاوة على ذلك، فإن قروض النقد الدولي تسدد في مهلة متوسطة تتراوح بين 5-7 سنوات، بينما تصل إلى 50 عاماً للتمويل الأوروبي.

يفترض صندوق النقد الدولي أن قروضه سيجري استبدالها بقروض القطاع الخاص بأسعار فائدة أعلى (أكثر من 6%). وهذا من شأنه أن يسبب في إدخال ديون اليونان داخل كرة ثلج تكبر باضطراد، بالنظر إلى أن نمو الناتج المحلي الإجمالي في اليونان من غير المرجح له أبداً أن يحقق هذه النسبة في المدى المنظور.

الخبر السار هو أن هناك طريقة بسيطة لتجنب هذه النتيجة: وهي استبدال التمويل قصير الأجل المكلف من صندوق النقد الدولي، بالقروض الأوروبية الرخيصة طويلة الأجل. وبمثل هذا التحول، ستصبح الديون اليونانية مستدامة، حتى وفقاً لمعايير صندوق النقد الدولي ذاته.

اليونان حالة خاصة؟

سيكون الادخار لليونان ضخماً، وبالنظر إلى أن متوسط الرسوم الإضافية على القروض اليونانية لصندوق النقد الدولي هو حوالي 250 نقطة، ولدى صندوق النقد أكثر من 14 مليار يورو من القروض غير المسددة، فإن صندوق النقد الدولي يستحصل أرباحاً طائلة من اليونان- أكثر من 800 مليون يورو سنوياً منذ عام 2013، أي تقريباً ما يعادل تكاليف التشغيل السنوية للصندوق. إن صندوق النقد الدولي هو مؤسسة عالمية قَيّمة، لكن لا ينبغي أن يجري تمويله بشكل رئيسي من قبل دافعي الضرائب في اليونان.

عن طريق إرسال حزم صندوق النقد الدولي اليوم، قد تنقذ اليونان عدة مليارات يورو على مدى العقد المقبل، مع انخفاض متناسب في الخطر من الدائنين الأوربيين. وأضف إلى ذلك عدم قدرة صندوق النقد الدولي على تقديم تحليل محايد للقدرة على تحمل الديون في اليونان، وأنه من الصعب أن نرى كيف يمكن لأي شخص أن يقول أن الصندوق يمكن أن يساهم في المفاوضات اليونانية اليوم.

وهناك نقطة مهمة كذلك: فاليونان ليست البلد الوحيد الذي يعاني من ارتفاع تكلفة قروض صندوق النقد الدولي، فقروض صندوق النقد المعلقة التي عقدها مع إيرلندا والبرتغال- والتي تبلغ 23 مليار يورو أخرى- يجب أيضاً إعادة تمويلها. إذا استبدلت قروض صندوق النقد الدولي بهيئة «آلية الاستقرار الأوروبي»، فإن دافعي الضرائب في منطقة اليورو سينقذون مئات الملايين من اليورو سنوياً.

إن مشاركة صندوق النقد الدولي في برامج الإنقاذ لليونان وإيرلندا والبرتغال، قد كلف دافعي الضرائب في تلك البلدان ما يقرب من 9 مليارات يورو من الرسوم الزائدة. وفي حين أن الخطأ لا يمكن تثبيته، ومن الممكن تصحيحه، فإذا تم التعامل مع ذلك بسرعة كافية، سيكون هناك حوالي 4 مليارات يورو من الممكن حفظها. فقبل بضع سنوات، لم تمتلك الهيئات الأوروبية من الخبرات ما يمكنها من إدارة برامج التكيف دون التوجه إلى صندوق النقد الدولي، وهذا ما لم يعد صحيحاً اليوم، إذ أنه ليس هناك سبباً وجيهاً للحفاظ على صندوق النقد الدولي، وهناك مليارات من الأسباب الوجيهة لإرساله إلى منزله.

آخر تعديل على السبت, 11 حزيران/يونيو 2016 14:39