مؤسسات التدخل الإيجابي سلبية الدور والأسعار تغرد خارج السرب

مؤسسات التدخل الإيجابي سلبية الدور والأسعار تغرد خارج السرب

مع الفارق الكبير بين الحد الأدنى للأجور حالياً ومنذ عشر سنوات، إلا أن معاناة الموظف بدءاً من اليوم العاشر في الشهر ما زالت على حالها وربما أكثر، فما زال الراتب غير كاف وما زالت الكثير من السلع تصنف في بند الكماليات لأصحاب الدخل المحدود ومنهم الموظفون.

فحتى الآن، لم تجد الدولة آلية ذكية للحد من تأثير ارتفاع الأسعار المستمر والمتزايد أو السيطرة عليه، كما أنها غير قادرة على مجاراته بتحسين الدخل منعاً لتدني القدرات الشرائية للمواطنين.

كما أن مؤسسات التدخل الإيجابي المعهود لها بدور حماية السوق من التذبذبات والقفزات الكبيرة وضبط الأسعار، تتخبط مقيدة بالأنظمة والقوانين التي تعيق حرية عملها والمرونة اللازمة لاتخاذ القرار التجاري في وقته الأنسب.

وتعتبر المؤسسة العامة للخزن والتسويق والمؤسسة العامة الاستهلاكية، من أهم هذه المؤسسات بسبب طبيعة المواد التي تتعاملان بها والوجود الكبير لمنافذهما في السوق المحلية عموماً..

الخزن غير قادرة على إعادة الأسعار

مؤسسة الخزن والتسويق رغم أنها من المؤسسات الرابحة إلا أن ذلك لم يكن كافياً لتقوم بدورها في ضبط أسعار السوق من ناحية المواد الغذائية، حيث بين مدير مكتب المدير العام لمؤسسة الخزن والتسويق موسى موسى إنه «ليس بإمكان المؤسسة إعادة الأسعار لوضعها السابق، فارتفاع سعر الصرف أثر كثيراً على الأسعار، وبالنهاية نحن مؤسسة اقتصادية تحاسب على الربح والخسارة، ونعمل على مبدأ بيع كثير وربح قليل، لكن البيع بخسارة غير مبرر على الإطلاق، مع ذلك نضطر أحياناً للبيع بسعر الكلفة نتيجة الارتفاعات الجنونية للأسعار والجشع، ونتحمل عندها تكاليف التخزين وأجور النقل».

وتابع موسى إن «الأزمة خلقت صعوبة في نقل المنتجات، وهذا يؤثر على إمكانية توفير الكميات المطلوبة لكل محافظة، وذلك بسبب الأحداث في مناطق إنتاج الكثير من المواد، مما يصعّب النقل ويرفع الكلفة، فضلاً عن المخاطرة التي أبعدت الكثيرين ممن كانوا ينقلون البضاعة عن ممارسة عملهم، فقلة العرض أدت لارتفاع الأسعار، ولم نعد نستطيع الوصول للمنتج بسهولة، حيث نضطر أكثر للتعامل مع حلقات وسيطة للمحافظة على وفرة المواد، ما يرفع السعر نتيجة هوامش أرباح تلك الحلقات الوسيطة، أما ما يمكن تخزينه نشتريه بكميات كبيرة ونبقيه في براداتنا».

للتجار طرقهم بسحب المواد من الصالات

ولفت موسى إلى أن «المؤسسة عملت على الحفاظ على المواد الأساسية وأسعارها، فوفرت مادة البيض بسعر أقل من سعر السوق بفارق كبير، نتيجة اتفاق مع لجنة مربي الدواجن بمنحنا نسبة %15 من الكميات المعدة للتصدير، مقابل السماح لهم بالتصدير، حيث نأخذ هذه الكميات بسعر أقل من سعر السوق ونوفرها بالصالات، إلا أن التجار يلجؤون لسحب المواد من الصالات، فبعض المواد لا نبيعها بالجملة لأن الهدف منها هو التدخل لتخفيض سعرها، ولكن حتى هذه المواد يجد التجار طرقاً لسحبها من الصالات وبيعها بسعر أغلى».

وعن عملهم كمستوردين مباشرين، أوضح موسى إن «الخزن دخلت على خط الاستيراد عند بدء الأزمات، ونتيجة العقوبات على المصارف بشكل خاص، لا نتمكن من فتح اعتمادات للاستيراد، لذا نضطر لشراء البضاعة من المرفأ من المستورد الذي أمنها بطرقه الخاصة فور وصولها وقبل انتقالها عبر التجار بما يؤمن سعر أفضل نوعاً ما.

وفيما يخص الرقابة على الصالات، قال موسى إن «الرقابة على صالات الخزن تتم من خلال نشرة أسعار يومية تصدر من الفرع وتعلق في الصالة، وهي إما مساوية للنشرة التموينية أو أقل، فنتدخل بمواد رئيسية لبيعها بأقل من السعر التمويني مثل البطاطا والبصل والبندورة والرز والسكر الشاي واللحمة، حيث استمرت أسعار الصالات في ظل الأزمة أقل من أسعار السوق بحوالي 20-30% للمواد الأساسية «.

مزاد لإدارة الصالة

وحول إدارة صالات المؤسسة، قال موسى إنه «أوجدنا نظام حد الأداء لرؤساء الصالات، فقد كان العمل وفق عقد الموظف، حيث تغلق الصالة عند انتهاء الدوام الرسمي، إلا أن موادنا حساسة وتحتاج لفرز وتبريد وعناية، ويقوم نظام حد الأداء على مشاركة العامل بالصالة دون اللجوء إلى نظام الإفراد أو البيع بالأمانة، حيث نقوم كل ستة أشهر تقريباً بتسليم الصالات لمن يقدم من رؤساء الصالات عرضاً لتأمين حد أداء يفوق عرض الآخرين، ويلتزم المتعهد وفق تعهد خطي بتقديم ما وعد به، ويلجأ للاستعانة بأفراد عائلته ومن يثق به لضمان عمل الصالة وصولاً لتحقيق حد الأداء، فضلاً عن منحه نسبة من الأرباح الزائدة عن حد الأداء»، مشيراً إلى أن «نظام البيع بالأمانة فيه إجحاف بحق الدولة، لعدم القدرة على حصر المبيعات بشكل دقيق، حتى مع وجود عمال تابعين للمؤسسة الأم».

الأسعار بورصة وسرعة القرار غائبة

وفيما يخص معوقات قيام المؤسسة بالتدخل الإيجابي بالشكل المطلوب، قال موسى إن «التعامل يحتاج لسرعة في القرار ومرونة في توفير القطع اللازم، فأسعار المواد تشبه البورصة التي تتغير خلال ساعة، وطلبنا إعطاء المرونة والمحاسبة على أساس النتيجة النهائية وليس كل عملية شرائية، فقد نضطر لتصريف المواد بسعر أقل من الكلفة تفادياً لخسارة أكبر تلوح بها مؤشرات تقول أن سعر المادة سينخفض أكثر، فما زلنا نعاني كوننا جهة قطاع عام من القوانين المقيدة، ونسعى عبر إعداد تعديل لمرسوم إحداث المؤسسة إلى التحرر من هذه القوانين».

ولفت موسى إلى أن «زيادة عدد الصالات يواجه عراقيل عدة، أبرزها موضوع الاعتمادات الاستثمارية، ثانياً تأمين مكان إقامة الصالة الذي لا نجد فيه تعاون من البلديات التي تمنحنا مواقع متطرفة بعيدة عن التجمعات السكانية لا تخدم عملنا ولا هدفنا بتخديم المواطنين، فضلاً عن محاولة البعض سحب المواقع من صالاتنا بحجج غير منطقية، ثالثاً موضوع نقص الكوادر اللازمة للعمل بالصالات، ونطلب حالياً توسيع الملاك لتغطية حاجتنا».

وتملك المؤسسة العامة للخزن والتسويق أكثر من 120 صالة في دمشق وحدها، فيما تشكل المؤسسة نسبة 15 % من السوق.

10 مليارات المبيعات والاستهلاكية خاسرة

أما المؤسسة العامة الاستهلاكية التي تجاوزت مبيعاتها في عام 2011 عشرة مليارات ليرة سورية، فتعد نفسها مؤسسة خاسرة، وغير قادرة على استثمار جميع صالاتها ما يدفعها لاعتماد نظام الإفراد أي البيع بالأمانة، حيث تسلم الصالة لأحد الموردين الذي يتعهد بتجهيز الصالة وتأمين المواد فيها على أن يقدم حد أداء سنوي للمؤسسة.

وتطالب المؤسسة بمنحها الحرية والمرونة والسيولة الكافية بالقوانين والأنظمة ثم محاسبتها على نتائج العمل النهائية وليس على الجزئيات فضلاً عن تأمين الحماية لها، فقد خسرت المؤسسة أكثر من 600 مليون بين سرقة ونهب وسطو وخطف في كل المحافظات بسبب الأوضاع، كما يجب منحها حرية التاجر لتربح وترفد ذاتها بما يمكنها من تقديم دورها الاجتماعي الاقتصادي.

7 سنوات دون ميزانية

ولم تحصل المؤسسة أية أرباح لأن الهم الأول هو تأمين المواد للصالات، فميزانية المؤسسة لم تنجز منذ عام 2005، وكل الميزانيات السابقة خاسرة، ففي عام 2000 اندمجت مع (التجزئة وباتا) وحدث خلل بالميزانية لذلك لا جواب دقيق عن نسبة الأرباح.

ولا تختلف معاناة الاستهلاكية عن سابقتها (الخزن والتسويق) في موضوع الاستيراد، حيث تعاني من صعوبات تأمين القطع، فهناك إجراءات وروتين تعوق الصفقات وتعرقل القطاع العام وتمكن القطاع الخاص، علماً أن العمل التجاري يحتاج لمرونة وسرعة كما يحتاج لهدوء وبرودة الذي يجب أن تقدره إدارة المؤسسة، فيفترض إعطاءها حرية الاستيراد والتصدير والتسوق والتسويق.

250 صالة خاسرة

وتملك المؤسسة العامة الاستهلاكية حوالي ألف صالة في كل المحافظات، 250 صالة منها خاسرة بالمطلق، وما يقارب 14 صالة تدار بطريقة البيع بالأمانة.

وتجد الاستهلاكية في مرسوم إحداثها الذي اقترحته السبيل الأفضل لتحريرها من قيودها وتحقيق الربح والأداء، حيث أرسلت عام 2007 هذا المقترح، وبعد تعديله من عدة جهات وموافقة اللجنة الاقتصادية عليه، تم إلغاؤه مع تغير الحكومة، وحالياً تنتظر المؤسسة قرار الحكومة الجديدة بشأنه.