«لقمة الشعب خط أحمر» نافذة على الدور الرقابي الشعبي..

«لقمة الشعب خط أحمر» نافذة على الدور الرقابي الشعبي..

مبادرات من رحم الضرورة في المناطق: تشكلت الحملة من مجموعة من المبادرات المستقلة الناتجة عن الأوضاع السيئة لتوزيع وإيصال المواد الخدمية، وحالات الاحتكار التي تشهدها أحياء العاصمة ومناطق ريفها.

ولكن الخطوة الأساسية نحو نقل هذه المبادرات إلى عمل طوعي منظم، كانت مع دعوات وزير التجارة الداخلية د. قدري جميل للفعاليات الشعبية نحو تنظيم صفوفها وتفعيل دورها الرقابي واستعداد الوزارة للتعاون معها.

شكل أهالي بعض أحياء دمشق لجاناً كانت تقدم طلبات للوزارة بكميات النقص والحاجة من الغاز والمازوت والخبز ليوزعوها في مناطقهم.. وكان مجموع اللجان المشكلة والثابتة حتى ذلك الوقت تسع مجموعات من أحياء متعددة.

كانت هذه المبادرات الفردية هي نواة نضج الفكرة وحققت تأمين توزيع بسعر الدولة للأحياء التي تحوي لجاناً، ولكن هذا العمل الضيق أصبح يتناقض مع ضرورات التوسع..ونتجت ضرورة الضبط والتحول إلى آلية أكثر فعالية، تشمل جميع التجمعات واللجان المشكلة عفوياً.

فاللجان المشكلة توزع لمناطقها فقط، ولا تمتلك من القوة أن تواجه العرقلات الكثيرة.. حيث لم تكن الطلبات الموقعة من وزارة التجارة الداخلية ضامناً تماماً لاستلام الكميات بحجج متعددة مثل عدم توفر الكميات وأسباب أمنية وغيرها من الذرائع.

 الاجتماع الأول والشعارات الأساسية

تبين من التجارب البسيطة ومن التوسع أن اللجان التي ولدت من الحاجة أثبتت أن استمرارها ضرورة وستدفع نحو خلق واقع جديد، وكان ذلك يتطلب الانتقال نحو الآلية الجديدة. حيث تم إيقاف جميع الطلبيات ودعا وزير التجارة الداخلية إلى اجتماع جميع المتطوعين العاملين خلال المرحلة الماضية. اجتمعت الفرق التسع وأطلقت شعاراتها الأساسية:

نحن قوى شعبية متطوعة ولا نمثل جهة حكومية.

المهمة هي التحول لقوة ردع شعبية للدفاع عن لقمة الشعب.

الوزارة ممثلة بوزيرها هي مسهّل وداعم .

 العلاقة مع الوزارة

اللجان لا تمثل جهة حكومية ويرفض أعضاؤها التحول إلى موظفين حكوميين، ولكن وجود طرف داعم متمثل بوزارة التجارة الداخلية كان ضرورياً في مرحلة التشكل الأولى.

أولاً: قدمت الوزارة مكاناً لتجتمع به الفرق حيث تم فرز قاعة تتسع لـ 300 شخص. ولأعضاء الحملة اختيار التوقيت المناسب لعقد اجتماعاتهم وبقرارهم.

ثانياً:على الحملة أن تقدم تقريراً يومياً للوزارة عن العمل الذي يتم لكونها المسؤولة عن توفير الكميات للحملة.

 ثالثاً: يستمد أعضاء الحملة من الوزارة المعلومات عن المؤسسات والمراكز والمفاصل الحيوية التي تتواجد فيها المواد.

شكلت المعلومات الحكومية نقطة قوة للحملة للمواجهة والسيطرة على الوضع وشرطاً أولياً لممارسة الرقابة.

انتخاب وخطة عمل

تم في الاجتماع الأول إطلاق اسم الحملة: « لقمة الشعب خط أحمر» وإقرار لوغو خاص. وبعد الاجتماع انتخب الأعضاء مجلس رئاسة وتنظيم للحملة من بين المتطوعين.

وبعد ذلك قسمت خطة العمل إلى خطة عامة أولاً ومن ثم خطط تفصيلية .

الخطة العامة هي السعي لتحقيق المهمة المطروحة كشعار، أي أن تتحول لقمة الشعب لخط أحمر فعلياً وأن تمتلك المبادرات الشعبية قوة الردع والرقابة الحقيقية.

بيما الخطة التفصيلية تقوم على تحديد أعضاء الحملة بشكل مستقل لبنك الأهداف وإجراء الدراسات وجلب المعلومات ثم تقييم الوضع للنزول إلى العمل الميداني.

ومن هنا قررت الحملة بخططها التفصيلية أن تبدأ بأقوى المواقع فساداً وتقرّر النزول إلى مركز حاميش لتوزيع الغاز..

العمل الميداني بين الفشل والنجاح

صعوبة التجربة الأولى.. هدف كبير وفرز في فرق العمل

وضع الهدف الأول هدفاً صعباً واستهدفت الحملة مركز توزيع الغاز في حاميش.

كانت الخطوات العملية للخطة الأولى مرتبة بحيث تم دراسة الوضع في المركز لمدة يومين من بعض المتطوعين لدراسة المشاكل والمعوقات وردود أفعال الناس والوضع الأمني وكل الأمور. بعد الدراسة الميدانية طلب من مسؤول الدراسات أن يجمع المعلومات الحكومية كافة عن المركز. وكانت نتيجة الدراسة أن قيم أعضاء الحملة أن الهدف الموضوع هدف صعب كبداية.

وأتى التقييم والقرار على ضوء أن بعض الفرق في الاجتماع الثالث بدأت تنسحب عندما تبين أن الخط الأساسي لهذه الحملة هو العمل الطوعي ولا مجال لتحقيق مكاسب وحصص من خلالها. وبعد أن تبين لها أن هناك قوى جدية نظيفة في الحملة تراقب بحذر منعاً لدخول الفساد إلى هذه التجربة.

وهي حالة طبيعية فقد اعتقد البعض أن المطلوب هو التحول إلى « مراقبي تموين» وسعوا للحصول على ريع من التطوع، وبعضهم كان يريد الارتباط بجهاز الدولة وتحقيق مكاسب من ذلك.وبعد هذا بقي من الفرق أربع جدية فقط.

 العمل الميداني الأول

عاد الفريق للبحث عن العمل السهل والضروري الذي يمس لقمة المواطن الأولى وهي الخبز. وكانت التجربة الأولى في الأفران:

بعد أن تراجعت مجموعة من الفرق غير الجدية أعيد التفكير والتوجه نحو تجربة صغيرة، وتقرر الهدف أفران ابن العميد في منطقة ركن الدين.

نظمت الأدوار وخصص المراقبون داخل الفرن ليساعدوا في العمل وبما يسمح بالرقابة على الطحين وعملية العجن وجودة الإنتاج.وتم التوزيع المباشر بسعر 15 ل.س بعد أن أخذت مخصصات من داخل الفرن، ما ساعد على كسر سعر البسطات التي تتجمع خارج الفرن والتي تبيع الخبز بسعر 60 ل.س.

كانت تجربة الفرن تجربة صغيرة ولكن مفيدة وسعت معرفة الناس بالمبادرة واحتكاكهم معها ماساعد على زيادة المتطوعين لإعادة التركيز على المراكز الكبرى، ومركز توزيع حاميش مجدداً..

 مركز توزيع الغاز في حاميش

أكدت الدراسات أن المركز يخصص له 1300 جرة غاز يومياً، منها مخصصات رسمية للجيش وقوى الأمن تبلغ 400 يومياً، و 900 للمواطنين. بعد الدراسة الميدانية تبين أن المركز يشهد تواجداً أمنياً بشكل واسع، ولجان شعبية متعددة، وبسؤال الناس المتواجدين تبين أن هناك من يقف لمدة 4 أيام في الطابور ولم يستلم، وهناك من دفع أجرة الجرة وسلم جرته منذ عشرين يوم ولديه وصل ولم يستلم ليتوضح أن حجم المشكلة كبير..وشوهدت التجاوزات المتعددة مثل السيارات الصغيرة التي تستلم كميات بدون مخصصات هيمنة بعض قوى السلاح على مخصصات المواطنين وغيرها.. قام أعضاء الحملة بالنزول إلى المركز مرتين على التوالي في الأولى حاولوا الدخول لمراقبة التوزيع والحصول على مخصصات من المركز ليقوموا بتوزيعها بعد أن دُعموا بكتاب موقع من وزارة التجارة الداخلية وكانت النتيجة رفض القائمين على المركز ووصول بعض الجهات إلى « افتعال « مشاحنات أمنية بين أطراف موجودة وتم إطلاق الرصاص ما اضطر أعضاء الحملة إلى الانسحاب. أما المحاولة الثانية فقد أتت بعد سعي المتطوعين لتنظيم عملية الدور بشكل كامل واستلام المبالغ والإشراف على عمليات التوزيع للمواطنين بكاملها وذلك أيضاً بموافقة من الوزارة.. ليبتكر « المنتفعين» طريقة جديدة، حيث لم يتم وصول أي كمية من الغاز إلى المركز، تحت ذريعة وجود اشتباكات في حرستا ولا توجد سيارات.. حيث اتضح من معلومات أهالي المناطق والمتطوعين أن السيارات المخصصة للمركز توجهت إلى منطقة القابون.  وكان لهؤلاء غاية أن يرتبط تذمر المواطنين بعدم وصول الغاز بوجود المتطوعين في المراكز..

توسع المبادرة والعودة للتوزيع

 فشلت تجربة الدخول إلى المراكز الكبرى كبداية ووصل أعضاء الحملة إلى نتيجة بأن الوزن الشعبي للحملة يتوسع ولكنه لم يكن يسمح بعد بالتحول إلى قوة ردع شعبي  وتحديداً في الرقابة على هذا النوع من المراكز التي يتم توزيع المواد فيها من كازيات أو مراكز غاز بكميات كبيرة والتي تشهد هيمنة لقوى السلاح عليها. وهنا تم تكثيف العمل بآلية التدخل المباشر بالسوق عن طريق العودة إلى مناطق عمل الفرق. كنقطة تجميع للقوى الشعبية للعودة إلى الرقابة بشكل أوسع.

على الرغم من عدم تحقيق نتائج فعلية في التجارب الأولى في مركز توزيع الغاز إلا أن المحصلة الإيجابية كانت بتوسع كبير للمتطوعين، وتشكل فرق جديدة واسعة من أحياء ومناطق متعددة.

وتقرر العودة إلى العمل وفق التوزيع الجغرافي أي في مناطق الفرق، على أن لا يقوم أي فريق بعمل ما إلا بمراقبة من باقي الفرق..

وساعد على ذلك التغير الذي طرأ على إدارة سادكوب والذي أدى إلى تعاون الإدارة الجديدة ولم تعد  المخصصات مقتصرة على مخصصات المؤسسة الاستهلاكية وإنما أصبحت سادكوب مساهماً إضافياً. مما ساعد على توفير الكميات نسبياً وتوزيعها على المناطق.

 التوسع فرض تطوير العمل

تدفق 11 فريق عمل جديداً في تلك المرحلة بالإضافة إلى الأربعة الرئيسية، بعضها كان يقصد الوزارة التي كانت تحولها لتتبع لفريق الحملة. وأغلبها تتشكل ضمن الأحياء والمناطق، بينما انضمت مجموعات لها طابع آخر كفريق جامعي يقوم بالدراسات الميدانية .

بناء على هذا التوسع تم تشكيل غرفة عمليات في الوزارة مع خط ساخن للاتصال بجميع المجموعات والإطلاع على عملها. وطلب من كل مديرية تابعة للوزارة ومن سادكوب وجود ممثلين دائمين للبقاء 12 ساعة داخل الوزارة عن كل دائرة من هذه الدوائر الأربع بالإضافة إلى موظف الارتباط الذي تحول إلى منسق غرفة العمليات.

تمت المباشرة بالعمل وتوقعت طلبات المخصصات والتوزيع، وتم التركيز على موضوعي الغاز والخبز.

تم الدخول بالبداية إلى منطقة دمشق القديمة ضمن السور وتغطيتها من حيث الفرق بالكامل، واتسع بعدهاالتوزيع ليشمل مناطق متباينة بحيث يتم وفق خطة تشمل المناطق التي يغطيها فريق لقمة الشعب جغرافياً.

بعد حوالي أسبوعين من إنشاء غرفة العمليات أصبحت الفرق تغطي 85 % من دمشق وذلك من حيث التواجد الجغرافي. فهناك مناطق وزع لها وسيتم العودة إليها ومناطق تشكل فرقها حالياً وتجهز الدراسات.

الفريق المتطوع والمشكل حديثاً يغطي منطقة ما ويقوم بتحديد متطوعيه وإجراء مسح سكاني للمنطقة المتواجد بها من حيث عدد السكان والوحدات السكنية والمساحة الجغرافية التي سيغطيها الفريق.

اليوم تشمل الحملة المناطق الآمنة فقط والمطلوب التوسع نحو المناطق الأخرى بحيث تضع الحملة هدفاً بتشكيل فرق في جميع المناطق حتى التي تعتبر غير آمنة والتي يتواجد فيها سكان، وهي المناطق التي تستطيع القوى الشعبية في الحملة أو خارجها أن تلعب فيها دوراً قد لا تستطيع الدولة أن تلعبه..

 الحملة نافذة على الدور الشعبي الحقيقي

يقسم عمل الحملة إلى شقين عمل مركزي وعمل ميداني، وذلك انطلاقاً من الضرورات التي يفرزها الواقع والتي ولدت جميعها من رحم الأزمة فالاختناقات في المواد الأساسية أتاحت تشويهاً كبيراً في عمليات التوزيع نتيجة توسع قوى السوق السوداء في ظل غياب الدور الفاعل للدولة..

ومن هنا العمل المركزي للحملة وهو الرقابة الشعبية ينطلق من عدم قدرة جهاز الدولة المثقل بوزن الفساد الكبير وأذرعه على صيانة لقمة الشعب حتى وبعد أن بلغ التطاول الخطوط الحمراء.. والدور الرقابي الشعبي هنا هو عملية مستمرة ونواة لتشكيل حالة دائمة ليست مرتبطة بالأزمة فقط..

أما العمل الميداني للحملة فهو يرتبط بتراجع دور الدولة في عملية التوزيع وهي حالة مؤقتة يفرضها ضرورة تخفيف الاختناقات المتشكلة وضرورة التوزيع العادل للمتاح من الإنتاج..

عدالة في التوزيع .. عدالة في الحرمان

على الرغم من توسع الفرق وقيامها بعمليات التوزيع وتعاون بعض الأطراف الحكومية من حيث تأمين الكميات، إلا أن المشكلة الرئيسية لن تحل وهي نقص الإنتاج والكميات، سواء في مادة الغاز أو في الطحين.. لذلك فإن الحملة كمثال على دور القوى الشعبية لا تستطيع أن تسد الفراغ الإنتاجي والذي يعتبر حله الجذري بحل الأزمة وتحسن الواقع الأمني، ودورها يقتصر على الرقابة على الكميات المتوفرة أو المشاركة المباشرة في توزيعها عندما تقتضي الحاجة، وفق قاعدة : «عدالة في التوزيع.. عدالة في الحرمان».