قديم جديد (البدع الحكومية) دعمكم ستأخذونه نقداً..!

قديم جديد (البدع الحكومية) دعمكم ستأخذونه نقداً..!

«عادت حليمة لعادتها القديمة»، خير مثالٍ على التعاطي الحكومي مع قضية الدعم، الشوكة الدائمة في حلق راسمي السياسات الاقتصادية ومنفذيها، دون أن يبقى منه الكثير فعلياً..

استبدال الدعم العيني بالنقدي الخطوة الأخيرة على طريق إلغائه كما نعتقد، ونجزم أن تمريره سيتم على مراحل (الإلغاء التدريجي)، بل إن البعض يشكك في غايته الأساسية، ويلمح إلى كونه جزءً من سلة تنازلات في المجال الاقتصادي تحضيراً لـ «جنيف 2»، على اعتبار تحرير الأسعار جزءاً من سياسات المؤسسات الدولية، والذي يتناقض مع سياسة إلغاء تحرير أسعار السلع التي تدعي الحكومة السير بها في هذه الأيام..

من جديد يبرز إلى السطح خبر تداولته وسائل الإعلام يفيد بأن الحكومة جادة في استبدال الدعم العيني بمبالغ نقدية تصرف للمواطنين شهرياً، والقابل للانخفاض أو للارتفاع باختلاف أسعار المواد التي تدعمها الحكومة، ولكن لم تقدم الحكومة أي تفاصيل إضافية حول الشرائح المستفيدة من الدعم النقدي نظرياً، وعن الأسس التي سيستندون إليها في توزيعه..

ماذا بقي من الدعم؟!

كانت المشتقات النفطية العمود الفقري للدعم تاريخياً، وفي عام 2010 تحدثت وزارة المالية أن الموازنة العامة للدولة تتحمل فروقات المشتقات النفطية بكاملها، والتي تصل إلى نحو 300 إلى 400 مليار ل.س سنوياً، أما في موازنة عام 2014، لم تتجاوز مخصصات دعم المشتقات النفطية الـ 40 مليار ل.س، وبما لا يشكل أكثر من 6.5% من إجمالي نفقات الدعم الاجتماعي في الموازنة، وبما لا يتعدى 13% مقارنة بالدعم المخصص للمشتقات النفطية مقارنة بالعام 2010، وهذا طبيعي بعد رفع أسعار الفيول بنسبة 270%، والغاز بنسبة 175%، والمازوت بنسبة 200%، والبنزين بنسبة 82% خلال عام واحد على ثلاثة قرارات منفصلة.

المشتقات النفطية محررة الأسعار

تم تحرير أسعار المشتقات النفطية كما تبين أرقام الدعم في الموازنة العامة التي أعلنت أن وفورات الأسعار من بيع المشتقات النفطية ستكون أهم الإيرادات الحكومية وتقدر بحوالي 185 مليار ل.س، دون أن يحصل السوريون على دعم بديل في المقابل، والحديث اليوم عن تحويل الدعم إلى نقدي، سيسير في المسار نفسه دون أن يحصل السوريون على شيء في المقابل، ولم تتحسن رواتب العاملين، ولم يتم توزيع أي بدل نقدي لهم، وما يجري اليوم يدور في الفلك ذاته، وهو توجيه السهام نحو القطاع الكهربائي والمواد التموينية، عبر الحديث عن دعم قطاع الطاقة بـ 360 ملياراً ل.س في موازنة 2014، لرفع أسعار مبيع الطاقة الكهربائية دون أن يتم تعويض السوريين في المحصلة النهائية، وهذا ليس بالجديد على السياسات الحكومية.

مخاوف مشروعة

يهلل الكثيرون للدعم النقدي، واصفين إياه بالأسلوب الأدق في طريق إيصال الدعم إلى مستحقيه، واصفين الدعم السلعي بالعشوائي، فما لا نستطيع إنكاره أن نسبة من السوريين لا تتجاوز حدود الـ 20% أو 30% هي من لا تستحق الدعم السلعي إلا أنها تحصل عليه، وهذا في أحسن الأحوال، إلا أن الآلية الجديدة قد تضمن عشوائية أكبر في تحديد المستهدفين أولاً، وفي فشل آليات إيصال الدعم إليهم لاحقاً، وهذا ما نحذر منه، ونعتقد أنه سيكون أمراً واقعاً إذا ما جرى تطبيق الدعم النقدي..

82% نسبة الخطأ بالمسح الاجتماعي

إدعاؤنا هذا ليس من باب التخويف الأجوف، وإنما نسبة الخطأ في مسح المعونة الاجتماعية في عام 2010 هي من تنبئ بذلك، بعد اعتراف وزير الشؤون الاجتماعية والعمل أن نسبة الخطأ بالمسح الاجتماعي الخاص بالمعونة الاجتماعية بلغ 82%، أي أن خطأً بنسبة 30 أو 40 بالمئة سيفقد الدعم النقدي غايته وأهدافه، فهل لأحد أن يضمن عدم تكرار هذه النسبة من الخطأ؟!..

خطوة على طريق الإلغاء

ما هي النتائج المترتبة على تحويل الدعم العيني إلى نقدي على قطاع الصناعة والزراعة أولاً، وعلى أغلبية السوريين لاحقاً؟! فتحرير أسعار الكهرباء والمشتقات النفطية وكذلك أسعار المواد التموينية يؤدي كل منها إلى رفع المستوى العام للأسعار بالإجمال بنسبة معينة ولا يؤدي فقط إلى زيادة أسعار المواد المحررة.. ولكن السؤال المحوري: هل سيعوض الدعم النقدي المعلن عنه كل تلك الارتفاعات الحاصلة بالأسعار في حينها؟!

الدعم النقدي بوابة للفساد

إذا كان الدعم العيني بوابة للسوق السوداء، لأن الفوارق في الأسعار وغياب الرقابة تُنتج مثل تلك السوق، مما يعني حصول نسبة من غير المستحقين على الدعم العيني، فإن الدعم النقدي بوابة للفساد، فساد في المسوحات الاجتماعية لتحديد المستحقين، وفساد في آلية إيصال الدعم للسوريين، وتجربة المعونة الاجتماعية تثبت ذلك..
في سياق المعالجة، يمكن الحد من تأثير السوق السوداء إذا ما أراد صانعو القرار الاقتصادي ذلك، وتجربة تخفيض سعر الدولار من 300 ل.س إلى 140 تشهد بذلك، بعد إغلاق العديد من شركات الصرافة في السوق السوداء،  بينما لن تنجح تلك الخطوات في معالجة فساد توزيع الدعم النقدي، فالجهود الحكومية يجب أن تنّصب على معالجة النواقص والثغرات في تجربة الدعم العيني بدلا من الخوض في تجربة الدعم النقدي..