لم نتأمل كثيراً.. ولكن لم ننس أيضاً

لم نتأمل كثيراً.. ولكن لم ننس أيضاً

أعلنت الحكومة بتاريخ 13-7-2013 أنها وسعت سلة المواد الغذائية المدعومة، وعم خبر (التوسيع) صفحات الصحف الرسمية وغير الرسمية، وكان التوسيع هو  (التطمين) الذي يصدر عن جميع المسؤولين المضطرين للتصريح في حكومة الأزمة حول دور الحكومة في تخفيض الأسعار..

(الوجوه المسؤولة) تتجاهل الموضوع اليوم.. وهي التي لا تملك من أمرها إلا أن (تتشدق) ضمن المجال الذي يعطيه أصحاب القرار السياسي- الاقتصادي الذين يبدو أنهم قد حسموا موضوع الدعم بإنهائه تدريجياً و بأشكاله كافة.. ولا مجال لتوسيع سلة الغذاء الموزعة حكومياً، فموضوع تشكيل السلة لم يكن إلا نتيجة اضطرار أصحاب القرار أن يرضخوا نسبياً للضغط الذي شكله الواقع المعاشي الصعب الناجم عن ارتفاع الأسعار، حيث ارتفعت أصوات من داخل الحكومة للتصرف تجاهه فكانت فقاعة قرار توسيع الدعم .. الذي لا توجد أية مخصصات له كما تكشف موازنة 2014.. فانتظر هؤلاء أن ينسى المواطنون السلة الموعودة، ولكننا وإن لم نتأمل كثيراً ولكن لم ننس أيضاً..

الحكومة تختار دعم التجار.. وتتناسى السلة الغذائية

أعلنت الحكومة في قراراتها الصادرة بشهر تموز من العام الجاري 2013 أن السلة الغذائية المدعومة والموزعة بالبونات ستتوسع لتضم ( الشاي، البرغل، سمنة، وزيت نباتي) بعد أن كانت محصورة بالرز والسكر فقط.. حيث بتاريخ 13-7-2013 صدر القرار عن اجتماع لجنة إعادة هيكلة الدعم، ووجه رئيس مجلس الوزراء للبدء بتنفيذه اعتباراً من صباح الغد..!! الذي لم يأت حتى اليوم..!

محتويات السلة الموعودة

وأشارت تصريحات الحكومة في حينها أن السلة الموعودة والموزعة وفق البطاقة التموينية ستتضمن شهرياً للفرد: كغ من  البرغل: بسعر 60 ل.س، 100 غ من الشاي بسعر 60 ل.س، 2 كغ من السمن النباتي بسعر 750 ل.س، 2 ليتر من الزيت النباتي بسعر 600 ل.س، وكانت المكونات مرحباً بها على الرغم من كونها تقشفية، وليست قائمة على أساس تأمين السعرات الحرارية الضرورية في اليوم، أي غير محسوبة علمياً..
وهذا الإعلان استكمل بأن الحكومة تبحث تكاليف إنتاج البرغل، والذي أعلنت أنه وفق تقاطع تقديرات المؤسسات يكلف 57 ل.س للكغ، وأنه سيكلف الحكومة مبالغ كبيرة ومادته الأولية غير متوفرة  وسيسبب زيادة العجز التمويني المترتب على إنتاج وتأمين البرغل لمصلحة القطاع العام، ويسدد من وزارة المالية وتالياً سيشكل أيضاً عبئاً على الدولة، وقد يصعب توفير المادة الأولية أحياناً.. استكملت كل المتطلبات الإعلامية للحديث حول الموضوع، لنكتشف في موازنة عام 2014 أن الحكومة لم ترصد أي مبلغ للسلة الإضافية التي لا يمكن أن تكون مقررة وغير واردة نظراً لتكاليف دعمها المهمة نسبياً.. حيث أن الحكومة في بنود الدعم الاجتماعي لموازنة عام 2014 أو (تثبيت الأسعار) كما تسميها، والتي تدرج خارج الموازنة هذا العام ( ليترك الباب مفتوحاً لتصرف أو لا تصرف..) تحدد الدعم التمويني (الدقيق والسكر والرز) وتخصص له مبلغ 170 مليار ل.س دون أن تذكر أياً من المواد الأخرى.. مع العلم أن تكلفة دعم السكر والأرز بلغت 14 مليار ل.س في عام 2012 وهي 20% أي (خمس) قيمة الدعم التمويني أما البقية فهي لدعم الدقيق أي دعم الخبز..
تقديرات دعم السكر والأرز في العام القادم بفرض ثبات كميات الاستهلاك الضرورية والتي تحسبها الحكومة بمقدار: 296 ألف طن سكر/ 134 ألف طن أرز ، وبناء على أسعار الأرز والسكر العالمية وسعر صرف 145 ل.س/$، وبناء على مبيعات الحكومة بسعر 25 ل.س للكغ.

مجمل التكلفة*    مجمل المبيعات*    الدعم الإجمالي*

17                        السكر                      6,7                             16
                           الأرز                         8,7                            3,3   
*مليار ل.س

الحكومة تختار الخيار الأسوأ..

الحكومة اختارت أن تدعم المواد الغذائية بطريقة أخرى، عن طريق دعم التجار.. حيث أعلن وزير الاقتصاد أن الوزارة وعن طريق البنك المركزي لا تزال تقدم لمستوردي المواد الأساسية تمويلاً لمستورداتهم بالقطع الأجنبي، بمقدار متوسط 1 مليون يورو يومياً!! ويصل إلى 2 مليون يورو يومياً في بعض الأحيان، والمنطق الحكومي في دعم المستوردات هو أن يخفف عبء سعر الصرف عن كاهل التجار لتفقدهم الحكومة الذريعة التي يرفعون الأسعار وفقها.. لم تستنتج الحكومة بعد أكثر من عامين من ارتفاع سعر الصرف والأسعار بان طريقة «الدعم» الملتوية المذكورة أي تمويل المستوردين، لن تفلح حتى أصبحت مشبوهة إلى حد بعيد وغير مفسرة إطلاقاً، وتشي بعلاقات السمسرة التي تسم العلاقات الاقتصادية السورية..
ولسد الذرائع وافتراض النوايا الحكومية الحسنة سنقارن تكاليف طريقتين للدعم:
دعم تمويني: عن طريق تمويل الحكومة للسلة الغذائية التي طرحتها وتقديمها للعائلات السورية شهرياً.
دعم المستوردات: عن طريق تقديم القطع الأجنبي لمستوردي المواد الغذائية من التجار.
حيث يتبين وفق الجدول المرفق بأن مجمل دعم السلة الغذائية التموينية يبلغ 9,8 مليار ل.س وهو الفرق بين 104 مليار ل.س كلفة تقديم سلة غذائية لـ 4 ملايين أسرة سورية، وبين ما ستدفعه هذه الأسر للسلة وهو 94,2 مليار ل.س.. وبنسبة دعم لا تبلغ 10%..
بينما تكلفة دعم المستوردين تبلغ وفق تقديراتنا 34 مليار ل.س سنوياً، يحصل عليها التجار من المصرف المركزي، ويحصلون على ضعفها من المستهلكين عندما لا تتغير قيمة المواد المستوردة، بل تتضاعف لمرة أو مرتين، كما توضح أسعار المواد الغذائية بين 2012-2013..

الحكومة: لا لدعم الغذاء.. ونعم للأسوأ: دعم المستوردات!

9.8 مليار ل.س دعم السلة الغائية
3.5 مليار ل.س دععم تمويل المستوردات

• عدد الأسر السورية: 4 ملايين أسرة/ 5 أشخاص
بتقديرات التكلفة العالمية وبناء على بيانات استيراد سورية
• سعر صرف 145 ل.س/$
• كلف مجمل السلات الغذائية على الحكومة خلال سنة ١٠٤ مليار، تدفع الأسر منها ٩٢٫٤ مليار ل.س

مكونات السلة      الكمية كغ× الكلفة ل.س    التكلفة الحكومية    التكلفة للأسرة    دعم السلة الغذائية

                                السكر                     60 × 65                     3900               1500   
                                 الأرز                       30 × 65                     1950                750
          *                     البرغل                    60 × 57                     3420               1500   
                                الشاي                      6 × 362                   2172               3600   
                                السمن النباتي           24 × 450                   10800             9000   
                                الزيت النباتي        24 ليتر × 160                   3840               7200   
                          مجمل سنوي للأسرة                                      26000 ل.س    23550 ل.س   

*9,8 مليار ل.س وهو الفرق بين تكلفة الحكومة وسعر المبيع الذي تدفعه الأسرة

حساب تكلفة تمويل المستوردات

بناء على تصريح وزير الاقتصاد الذي أعلن في سعيه لإثبات أن الحكومة لم تسع جدياً لترشيد عمليات الاستهلاك، قدم «صك براءة» بأن الوزارة لا تزال تمول المستوردات بمبلغ حده المتوسط مليون يورو يومياً!! وحده المتوسط الأعلى 2 مليون يورو، ولتقدير حجم المستوردات الغذائية سنأخذ نصف مبلغ التمويل اليومي، حيث تشير التصريحات بان التمويل للمواد الغذائية والأدوية بشكل رئيسي.
*افتراض: نصف مبلغ تمويل المستوردات الوسطي يومياً للسلع الغذائية أي حوالي: 500 ألف يورو يومياً
تمويل مستوردي السلع الغذائية خلال عام: 182 مليون يورو / 35,4 مليار ل.س

نتائج تمويل المستوردات..

ولمزيد من الموضوعية في تقييم اختيار الحكومة لدعم المستوردين، يجب أن نقدر هل آتت هذه السياسة نتاجها، أي هل بقيت أسعار المواد الغذائية المستوردة أو مستلزمات إنتاج المواد الغذائية المحلية ثابتة بنتيجة دعم المصرف المركزي للتجار بقطع أجنبي «رخيص».. والنتيجة يعرفها الجميع:
ارتفاع أسعار مكونات السلة  بين 10-2012/ 10-2013: السكر:100%، الأرز: 116%، الشاي:100%، البرغل: 150%، السمن النباتي: 200%، الزيت النباتي: 87%.

دعم التجار مضاعف

حصل التجار على تمويل لقطع مستورداتهم بعشرات المليارات، وحصلوا على ضعف أسعار المواد بالحد الأدنى من المستهلكين.. وهذا ما اختارت الحكومة تكراره في العام الحالي، عندما لم تخصص مبالغ لتمويل السلة الغذائية في عام 2014، وأكدت على استمرار تمويل التجار المستوردين بكل أنواعهم بمبالغ تصل لـ 2 مليون يورو يومياً..!!

آخر تعديل على الأحد, 15 كانون1/ديسمبر 2013 10:05