(طاقة فرج) تُغْلَق في وجه السوريين.. (التجارة الخارجية) تنهي (البالة)..!

(طاقة فرج) تُغْلَق في وجه السوريين.. (التجارة الخارجية) تنهي (البالة)..!

إنه المتنفس الوحيد، الذي تصرّ وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية على إغلاقه في وجه شرائح واسعة من السوريين، فالبالة في عرف مسؤولي الوزارة مكبٌ لنفايات العالم!! ووجودها يهدد المنتج الوطني، إلا أن البالة في عرف شرائح واسعة من السوريين، هي المكان الأنسب بأسعار ألبسته لمداخيلهم المحدودة، وحصار أصحاب القرار الاقتصادي لها، يعني بالمحصلة حصارُ لهم!..

في آخر إطلالاته الإعلامية، شن معاون وزير الاقتصاد عبد السلام علي هجومه على البالة، قائلاً: «إننا لا نريد لسورية أن تكون مكباً لنفايات العالم مهما اشتدت الظروف». مضيفاً أن «البالة تشكل منافسة كبيرة على المنتج الوطني»، بهذه العبارات الرنانة هاجم معاون الوزير فكرة استيراد البالة، ولكن، هل صحيح أن البالة ستحول سورية إلى مكب لنفايات العالم؟! وهل المنع هو السبيل الوحيد لإيقاف هذا التحول؟! ولمَ تعج أسواق الدول العربية عموما بالبالة المستوردة؟! وكذلك بعض الدول الأوروبية! فهل تحولت هذه الدول إلى مكب للنفايات؟!  في العاصمة الألمانية برلين عشرات الأسواق لبيع الأشياء المستعملة، وفيها يجد الباحثون عن الملابس ضالتهم من الأشياء بحالة جيدة وبسعر رخيص، وهذا على سبيل المثال لا الحصر..

أسئلة برسم «الحريصين»؟!

لمَ يجري تضخيم حجم الخطر الذي تشكله البالة على المنتج الوطني في هذه الأيام؟! سؤال لا نجد له ما يبرره لدى أصحاب القرار، فالإنتاج الوطني في تراجع، مما يعني عدم قدرته على إنتاج حاجة السوق الداخلية من تلك الألبسة المتنوعة، وهذا يستدعي سؤال الحريصين على المنتج الوطني، ولا اعني هنا شخص معاون الوزير في حد ذاته، لمَ لمْ يلتفت أحد من المسؤولين الحريصين إلى الألبسة التركية الجاهزة أو الصينية وسواها والتي أخرجت الآلاف من ورشات الألبسة الوطنية خارج الخدمة في زمن الاستقرار؟! أليس الخوف على المنتج الوطني شماعة يعلق عليها بعض المسؤولين قراراتهم الاقتصادية، وهو براء منهم؟! وفي الأيام الراهنة، هل توقف استيراد الألبسة الجاهزة من هذه الدولة؟! ولمَ يجرِ إغماض العين عن تهريبها إلى الداخل السوري؟! أليست هذه الألبسة أشد خطراً على المنتج الوطني من البالة؟!

البالة ضرورة بحكم الواقع

كما كان دعم المواطن السوري في الكثير من مفاصل استهلاكه وعمليات إنتاجه (المشتقات النفطية، الزراعة، المواد التموينية، الصناعة) ضرورة تفرضها الحاجة الماسة إليها لدى شرائح واسعة من السوريين لاستمرار حياتهم وعمليات إنتاجهم، فإن الحفاظ على البالة ضرورة هي الأخرى من الزاوية نفسها، يفرضها وجود شرائح فقيرة باتت البالة هي ملجأها الوحيد، إن لم نقل إن جزءاً من الأسر الميسورة باتت ترتاد البالة في ظل الأسعار الملتهبة للألبسة الجاهزة الجديدة!
رواد البالة، أسر لا تسمح مداخيلهم بشراء الألبسة الجديدة، ومنع استيرادها ومحاصرتها، سيحرمهم إمكانية شراء حاجتهم من الألبسة، وهذا ليس بالمبالغة، فمستويات الفقر وصلت إلى مستويات قياسية في البلاد، ونصف الشعب السوري بحاجة إلى مساعدات إنسانية حسب آخر التقارير الأممية، فهل هؤلاء بالقادرين على شراء الألبسة الجديدة بأسعارها المرتفعة؟!  ألا يعني هذا أن «شطبة قلم» صاحب قرار اقتصادي ستعني حرمان هؤلاء من أبسط متطلبات حياتهم؟!
لا تقل النسبة التي تمثلها تجارة البالة عن 25% من إجمالي سوق الملابس في سورية على أقل تقدير, رغم عدم وجود دراسات دقيقة في هذا السياق، فإذا ما جرى منع استيراد البالة، كيف سيؤمن هؤلاء حاجتهم من الألبسة؟!

في «القوننة» المنفعة المشتركة

ما وجدناه في الشارع هو شبه إجماع على أهمية البالة وليس العكس، فأحدهم اعتبر أن وجود البالة يساعد على توفير أفضل الملابس بأرخص الأسعار، فهي مطلب الفقراء ومحدودي الدخل، ولا يمكن الاستغناء عنها، ووصفها آخرون بأنها حاجة ملحة وليست بالكمالية، لأن الألبسة المستعملة تساعد على تلبية حاجة شرائح عريضة من السوريين، ونفى آخرون ان تكون البالة منافساً للمنتج الوطني، لأن لها زبونها، الذي لا ولن يشتري الألبسة الجديدة، فدخولهم لا يسمح بذلك..
قد يكون للبالة أضرارها، ويتحدث البعض عن خطرها المحتمل على صحة السوريين، ولكن إلغاءها ليس الحل الصحيح، كما أنه ليس بالحل الوحيد على مبدأ «آخر الدواء الكي»، بل يجب إخضاعها للرقابة الصحية، عبر الفحص الطبي، والتأكد من عدم حملها الجراثيم أو نقلها أي نوع من الأوبئة هو الحل على هذا الصعيد، وبتوسيع دائرة البيكار، لا بد من السؤال: ما المانع من تنظيم عملية استيراد البالة وقوننتها بالمجمل بدلاً من منعها؟! ألن تعود تلك القوننة بالمنفعة المشتركة على الاقتصاد الوطني والمواطن معاً؟! لأن هذه العملية ستحافظ فوق كل ذلك على مداخيل مورد رزق عشرات آلاف الأسر السورية العاملة في هذا المجال، وعلى مبدأ «قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق»..

(مديح) سياسي

بينما أنكر جميع المسؤولين على اختلاف مستوياتهم أي دور إيجابي لوزارة التجارة الداخلية قبل التعديل الوزاري الأخير، ها هم يتغزلون بالوزارة وأدائها في هذه الأيام، حيث أشار رئيس مجلس الوزراء د. وائل الحلقي «إلى الدور الإيجابي والفاعل لوزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك من خلال قيامها بتأمين الاستقرار في أسعار السلع في الأسواق، وإحداث انخفاض آخر جديد على أكثر من منتج في السوق».
يأتي هذا الغزل الرسمي، على الرغم من أن انخفاض الأسعار لم يتعدّ أكثر «من الجمل أذنه»، والذي أتى مع معطيات اقتصادية مختلفة، أهمها تراجع أسعار الصرف بنسبة 50% تقريباً بين الفترتين، فهل يستحق تراجع الأسعار بنسب لا تزيد حسب أكثر المتفائلين عن 30%  كل هذا الغزل؟! والذي أتى بعد موجات متلاحقة من ارتفاع الأسعار تزيد نسبتها عن 300%!!..