ناتج متدهور.. عجز متضخم : فرصة ثمينة!

ناتج متدهور.. عجز متضخم : فرصة ثمينة!

ناقشت قاسيون الموازنة الحكومية لعام 2014  في ثلاثة ملفات سابقة، حيث بينا أن النفقات الحكومية أي موازنة هذا العام هي تقشفية وبالقيمة الحقيقية أقل من نصف موازنة عام 2013، ومن جهة أخرى ناقشنا الإيرادات الحكومية المتراجعة بالكامل تقريباً باستثناء مورد حكومي جديد هو فروقات الأسعار الناجمة عن بيع الحكومة للمحروقات بسعر أعلى، والتي فصلنا في الملف الثالث في العدد السابق تقديراتنا لحجمها ومقارنته مع حجم الدعم المتضائل كثيراً في عام 2014 والذي قد يتلاشى تماماً لتتحول "تجارة المحروقات حكومياً" إلى قطاع رابح تماماً إذا ما انخفض سعر الصرف أو عاد جزء من الإنتاج النفطي.. نستكمل هنا بعض المؤشرات النهائية في قراءة الموازنة الحكومية، وهي المؤشرات الكلية أي تقديرات حجم الناتج الإجمالي وحجم العجز الحكومي وآثاره الكبرى، وصولاً إلى قطاع الدولة الإنتاجي المتجاهل من حيث الإنفاق وإيراداته في الأزمة..

العجز المتضخم.. الناتج المتدهور

العجز هو سمة الموازنات الحكومية السورية منذ فترة طويلة، وهو ينجم حسابياً من عدم قدرة الإيرادات المحلية على تغطية النفقات المطلوبة في عام معين، والفرق بينهما هو عجز الموازنة الذي يمول بطريقتين، إما القروض والموارد الخارجية أو ما يسمى "التمويل بالعجز": وهو يتم عن طريق الضخ النقدي من الاحتياطي الموجود لدى البنك المركزي وهو عملياً دين داخلي متراكم، وله آثار تضخمية حكماً..تحديداً عندما لا يستثمر بالطريقة التي تحقق نمواً حقيقياً، ويزيد الإيرادات الحكومية ويوقف سلسلة تراكم العجز والدين..
والجدول التالي يوضح تسارع تضخم العجز في أعوام الأزمة..

العام               2010    2011    2012    2013    2014
العجز المقدر مليار ل.س    164      167      528      749      524*

* 524 مليار ل.س العجز المقدر في موازنة عام 2014 والمخفض "بطريقة ملتفة" بناء على أن الحكومة لم تضع كامل المبلغ الذي ستخصصه للدعم الاجتماعي لثبيت الأسعار في الموازنة لكي لا تزيد من رقم العجز، كما ورد في البيان المالي للحكومة حيث أن رقم 400 مليار ل.س وضع خارج الموازنة يجب أن يضاف إلى العجز ليبلغ 924 مليار ل.س وعدم إضافته تعني أن هذا الرقم لن يصرف..!!

تقديرات العجز والناتج..

هذا العجز المتضخم سيغطى من موضعين: الأول هو القروض الخارجية والتي تشهد زيادة كبيرة في هذا العام من 4 مليارات ل.س في عام 2013 إلى 17 مليار أي أكثر من أربعة أضعاف قروض العام السابق..، أما الموضع الأكبر لتمويل العجز فهو كما العادة المبالغ المسحوبة من الاحتياطي السوري والتي تبلغ تقديراتها هذا العام 506 مليار ل.س، ستصل إلى 900 مليار ل.س إذا ما صرف مبلغ الدعم الموضوع خارج الموازنة 400 مليار ل.س..!!
لذلك فإن لمبلغ العجز المقدر حدين أعلى وأدنى:
• 524 مليار ل.س: الحد الأدنى في حال لم يتم توزيع أو صرف 400 مليار ل.س وهي الجزء الأكبر من الدعم الاجتماعي والموضوع خارج الموازنة:
27% من الناتج الإجمالي المقدر لعام 2013.
• 924 مليار ل.س: الحد الأعلى للعجز في حال تم توزيع 400 مليار ل.س الجزء الأكبر من الدعم الاجتماعي الموضوعة خارج الموازنة:
47% من الناتج الإجمالي المقدر لعام 2013.

تقديرات الناتج

قدر في البيان المالي للحكومة لعام 2013 أن الناتج المحلي الإجمالي قد بلغ في عام 2012 مقدار: 2770 مليار ل.س/  36 مليار دولار : بحسابات الدولار في نهايات 2012 (75 ل.س/$).
لتقدير ناتج عام 2013 لدينا تصريح هيئة التخطيط بأن تراجع الربع الأول عن عام 2012 يبلغ 30%، ويمكن أخذه كوسطي ليبلغ تقدير ناتج 2013: 1940 مليار ل.س وهو حوالي: 12 مليار دولار بحسابات دولار نهاية 2013 (150 ل.س/$) وهو تراجع يزيد عن 60% بالقيمة الحقيقية..
أي أن الموازنة الحالية قد ينفق ما يقارب نصفها فقط من الموارد المحلية لهذا العام، بينما ما يقارب النصف الآخر سينفق من الاحتياطيات والضخ النقدي المولد للتضخم وبمساعدة القروض الخارجية..!

إن مثل هذه الأرقام المخيفة للعجز الحكومي لم تدفع أصحاب القرار إلى ضرورة البحث عن موارد محلية ممكنة إلى حد بعيد اقتصادياً بل استخدم العجز الحكومي المتضخم كذريعة لتخفيض الإنفاق الحكومي عن طريق رفع الدعم، وكانت النتيجة أن انخفضت نفقات الموازنة إلى النصف بالقيمة الحقيقية، وتحولت المحروقات إلى الإيرادات الرئيسية..

الحكومي الإنتاجي.. موارد حقيقية تثبت نفسها

تنخفض جميع الإيرادات الجارية في هذا العام باستثناء إيراد المحروقات الذي يتوقع أن يحصل 185 مليار ل.س، بينما تنخفض كل تبويبات الضرائب المباشرة التي تنخفض  36 مليار ل.س عن عام 2013، والضرائب والرسوم غير المباشرة التي تنخفض بمقدار 14 مليار ل.س.. وترتفع الرسوم المباشرة بمقدار 3 مليار ل.س فقط، بينما تبدي بعض مواضع الإنفاق إمكانية لزيادة الموارد، ويتم تجاهلها وفي مقدمتها القطاع الحكومي الإنتاجي والخدمي..
ونورد أمثلة حول بعض المفارقات الحكومية:

الصناعة التحويلية الحكومية

                                    الصناعة التحويلية الحكومية                              2014        
اعتمادات                                      1 مليار ل.س    فائض + 40 مليار ل.س
                                ايرادات متوقعة                                 42 مليار ل.س   

مجمل الإنفاق الاستثماري الحكومي

إذا ما استثنينا إعادة الإعمار والاحتياطات الاستثمارية (وهي مبالغ التي لا تنفق بالضرورة) من الاعتمادات الاستثمارية فإنها ستبلغ 181 مليار ل.س فقط، بينما تقديرات إيراداته 431 مليار ل.س فوائض موازنة وفوائض سيولة للمنشآت والمؤسسات الاقتصادية الحكومية

الإنفاق الاستثماري الحكومي    181 مليار ل.س    فائض + 250 مليار ل.س
                                  الإيراد الاستثماري الحكومي          مليار ل.س*   

*هذه الإيرادات هي أرباح مؤسسات القطاع العام من القطاعات كافة بعد اقتطاع ضريبة الأرباح، أي أن الإيرادات التي تقدمها للحكومة أعلى من ذلك..

تشير الأرقام السابقة أن زيادة الإنفاق الاستثماري أكثر ايراداً بشكل مباشر من أي نوع آخر من الإنفاق، وتدل على إمكانية فعلية لزيادة الموارد حتى خلال الأزمة، وهي واحدة من الطرق الرئيسية التي قد تكبح جماح التضخم الذي قد ينجم من التمويل بالعجز أي الضخ النقدي من الاحتياطي، الذي ينذر بأرقام ضخمة في العام القادم تصل إلى نصف الناتج الإجمالي.. والتي حولتها الحكومية إلى ذريعة لرفع الدعم والتخلي عن آخر مؤشرات دور الدولة الإنتاجي والضامن الاجتماعي في سورية..