تحرير قطاع النقل الجوي.. «لا من شاف ولا من دري»!!

تحرير قطاع النقل الجوي.. «لا من شاف ولا من دري»!!

على وقع الحرب الدائرة في البلاد، يَستغِلُ أصحاب القرار الاقتصادي هذه الظروف لتمرير قرارات تستبيح كل المحظورات، والتوقيت لم يأتِ مصادفة، فما عجزوا عن تمريره من قرارات اقتصادية في ظروف سابقة، يسعون لإقراره الآن، وما كان قرار رفع أسعار المشتقات النفطية سوى الخطوة الأولى على هذا الطريق، واليوم تطبخ وزارة النقل مشروع تحرير النقل الجوي وخدماته على نار هادئة، ساعية إلى تمرير هذا المشروع دون أدنى ضجة إعلامية تذكر، "لا من شاف ولا من دري" !!..

في التفاصيل، تعكف وزارة النقل على إنجاز مشروع تحرير النقل الجوي وخدماته، حيث قامت بإرسال المشروع مرفقاً بالتعليمات التنفيذية والأسباب الموجبة والمذكرة التوضيحية إلى رئيس مجلس الوزراء، وأحيل الموضوع إلى اللجنة الاقتصادية التي قامت بتشكيل لجنة لدراسة الموضوع بشكل أعمق بحيث يتم وضع استراتيجية تطوير قطاع النقل الجوي وخدماته بما يلبي هدف تطوير هذا القطاع..

على حساب مؤسسة الطيران وحدها!

لن نقدم الحجج والبراهين التي نثبت فيها التأثير السلبي لمشروع تحرير النقل الجوي وخدماته المزمع إقراره على مؤسسة الطيران السورية بالدرجة الأولى، بل سنورد تصريحاً لوزير النقل السابق في عام 2010، الذي اعتبر فيه أن تحرير النقل الجوي غير عادل حالياً، حيث قال الدكتور يعرب بدر في حينه، إن تحرير قطاع النقل مرهون بقضيتين أساسيتين: الأولى أنه يوجد لدينا مؤسسة طيران عربية سورية مقيدة بحظر جائر وظالم يمنعها من أن ترمم أسطولها أو أن تشتري الطائرات اللازمة لتحقيق حصتها من هذه المنافسة، وأي تحرير للأجواء في هذه الظروف سيكون تحريراً غير عادل، وظالماً، ولا يتماشى مع أبسط شروط التنافسية والتجارة والعدالة، لأن هذا يعني أن المؤسسة الوطنية ستتلاشى لمصلحة شركات أخرى، والقضية الثانية ترتبط بالوزارة، فهي بصدد إجراء دراسة لإعادة هيكلة مؤسسة الطيران العربية السورية وتحريرها من الكثير من القيود التي تمنعها من أخذ دورها كمؤسسة اقتصادية تعمل وفق معايير دولية، وبعد حل هاتين القضيتين يمكن النظر في عملية تحرير النقل الجوي في سورية..
من حقنا أن نتساءل، ما الذي تغير على هذا الصعيد بين الأمس القريب واليوم؟! هل بات تحرير النقل الجوي عادلاً؟! وما هي الأسس التي يستندون إليها لمثل هكذا عدالة مفترضة؟! فهل توقف الحظر الدولي عن مؤسسة الطيران العربية السورية؟! أم أن حزم العقوبات الدولية خلال العامين المنصرمين (الأمريكية – الأوروبية) قد طالت مؤسسة الطيران السورية بالدرجة الأولى؟! ألن تكون تلك المؤسسة هي الخاسر الأكبر في هذه الحالة؟! ألن تتلاشى تلك المؤسسة التي يتقادم أسطولها يوماً بعد يوم؟! فالأجدى اليوم تحديث أسطول من الدول الصديقة شرقاً، وليس قصم ظهر مؤسسة الطيران، بإدخال شركات خاصة لم تطلها العقوبات الدولية، ولا هم لها سوى الربح، وبما يمكنها من استغلال ضعف الأسطول الجوي لمؤسسة الطيران السورية؟!
المؤكد أن تطوير هذا القطاع -إذا ما أصابت حسابات منظري التحرير- ونحن من المشككين في ذلك، فإنه سيكون على حساب مؤسسة الطيران السورية؟! ولكن تلك الشركات الخاصة هي من سيكون المستفيد الوحيد في المقابل..

القادم.. معفى من الضرائب

"سيتم إعفاء الشركات الخاصة من الضريبة والرسوم لمدة عشر سنوات لتشجيعها على البدء بالتشغيل في أسرع وقت ممكن", هذا ما كشفت عنه وزارة النقل في وقت سابق، حيث إن القواعد التنظيمية التي ستحكم تحرير النقل الجوي الداخلي ستلحظ إعفاء الشركات الخاصة في مجال الطيران من الضريبة والرسوم, إضافة إلى مساواتها مع مؤسسة الطيران السورية في المزايا التفضيلية، ومنحها فرصا متكافئة دون تمييز أثناء ممارسة الحقوق والقواعد، كما أن تلك الشركات - بموجب التحرير - ستقوم بتحديد تعرفتها وفقاً لدراستها للجدوى الاقتصادية الخاصة بها..
فما هي الغاية التي يسعى إلى تحقيقها مشروع تحرير النقل الجوي من وراء إعفاء تلك الشركات الخاصة من الرسوم والضرائب؟! أليس السوريون أحق بتلك الأموال من جيوب أصحاب تلك الشركات؟! فاستثماراتهم رابحة في هذا القطاع دون أدنى شك، وخير دليل هو مئات الشركات الخاصة العاملة في قطاع الطيران المدني في البلدان العربية، فلم نسمع يوما عن شركات خاسرة، كما أنه لا بد من التساؤل: ما الفائدة التي سيجنيها المواطن والاقتصاد السوري من وراء إعفاء شركات الطيران الخاصة من الرسوم؟! فكما أن هدف تلك الشركات اقتصادي بالإضافة إلى كونه خدمياً، أي أنها تسعى إلى تحقيق الأرباح أولاً وأخيراً، فإن على صانعي القرار الاقتصادي، ومعدي مشروع تحرير النقل الجوي وخدماته أن يكونوا بالعقلية ذاتها، بما يخدم الاقتصاد الوطني والمواطن السوري، على اعتبارهم مؤتمنين على القطاع العام والمصلحة الوطنية، لا أن تكون مصلحة الشركات الخاصة في المقدمة، وأن يكون التنازل عن القطاع العام ومصالحه في قائمة الأولويات..