إجراءات مناورة.. في وجه تصعيد «السوق السوداء»

إجراءات مناورة.. في وجه تصعيد «السوق السوداء»

بتاريخ 17-6-2013 خلال الأسبوع الفائت.. كانت كلمة «الدولار» تجوب شوارع دمشق وباقي المحافظات السورية وتتداول على ألسنة أهلها حتى من لم ير منهم أو يتعامل مع الدولار في مسيرة حياته «الأجرية»

 وكان ذاك عندما قفز سعر صرف الدولار قفزته الكبرى من حدود 180 ل.س في الصباح وصولاً إلى سعر يقارب 225 ل.س في ليل ذلك اليوم..  هذا التصعيد الذي مارسته بوضوح قوى المضاربة في سوق الصرف غير النظامية، نقل سياسات إدارة الاحتياطي وبعض السياسات التجارية إلى موقع آخر.. فيما بدا كأنه اتفاق «توازن» بين هؤلاء والحكومة، بعد تصعيد في الإجراءات أعقبه تصعيد لقوى السوق..
«استعراض قوة»
مستوى ارتفاع سعر الصرف في ذاك اليوم، هو بمثابة «استعراض قوة» لقوى السوق السوداء أظهرت فيه قدرتها على خلق بلبلة.. فالتصعيد لم يسبق بحدث مباشر أو تصعيد أمني، ولا يمكن ربطه إلا مع قرار الحكومة الصادر بتاريخ 9/6/2013 المتعلق بتنظيم عمليات الاستيراد، وإيقاف تمويل جزء هام من مستوردات القطاع الخاص للمواد الغذائية والرئيسية وحصرها بالدولة.. يضاف إلى ذلك أن الحكومة أعلنت أن أحد الأهداف الرئيسية لقرار وقف التمويل هو «منع المتاجرة بالقطع الأجنبي التي تغطى بتجارة السلع».. هذه المتاجرة التي تشكل جزءاً هاماً من عرض الدولار في السوق السوداء..
ليأتي تصعيد قوى السوق بالمضاربة على سعر الصرف بمثابة "تهديد" أخضع الحكومة للتكيف مع وزن هذه القوى..
ثلاثة إجراءات تنازل أم مناورة..!
ما قد يزيد من إشارات الربط بين الحدثين، (أي رفع قوى المضاربة لسعر الصرف بشكل كبير كرد على قرار الحكومة السابق بخصوص تنظيم التجارة وتمويل المستوردات)، أن الدولار الذي انخفض في اليوم التالي بعد تصريح لحاكم المصرف المركزي بنيته بالتدخل السريع لضخ القطع الأجنبي في السوق، أعقبه أيضاً إجراءات حكومية ثلاثة، صرح عنها أحمد دياب مدير المصرف التجاري، وصرح عنها النائب الاقتصادي د.قدري جميل.
في قراءة لهذه الإجراءات الثلاثة نحاول البحث هل الحكومة تنازلت عن ما بدا كإجراءات ضبط في القرار الصادر بتاريخ 9-6-2013؟ أم أن الحكومة استطاعت أن تناور.. وتحافظ على توجه نحو الضبط نسبياً..؟!
1- فتح الخط الائتماني الإيراني
 والذي تطلب على مايبدو بدء العمل به الوصول إلى الحد الأقصى من الضرورة، بعد مماطلة جهات من "غير المقتنعين" بالتوجه شرقاً.. وهو إجراء يساعد على تخفيض الطلب على الدولار نظراً لكون التجار المتعاملين مع إيران سيدفعون بالليرة السورية قيمة مستورداتهم، وعن طريق المصرف التجاري مع الطرف الإيراني.. أي تجارة خارجية بالليرة السورية، تخفف طلب المستوردين على القطع من السوق أو المركزي.
2- إعادة تمويل المستوردات من المصرف المركزي للتجار
وهو القرار الذي يدل على أن ضغط التجار قد أتى بثماره، فالإجراء الثاني لم يوضح بعلاقته مع قرار الحكومة السابق والذي قد يكون المولد المباشر لتصعيد السوق.. فتصريح النائب الاقتصادي، وتصريح دياب مدير المصرف التجاري لم يربط الإجراء بالقرار السابق، وكل منهما ركز على طرف من هذا الإجراء.
دياب صرح بأن الإجراء الثاني وهو «إعادة تمويل مستوردات القطاع الخاص من المركزي وفقاً لحاجات السوق» هو الإجراء المتوقع منه أن يخفض سعر الصرف.. أما في تصريح النائب الاقتصادي فقد جاء مؤكداً بأن إعادة التمويل ستكون وفقاً للأولويات والحاجات الأساسية وتحديداً الغذاء والدواء، وهي الحاجات التي سيقدرها كماً «مختصون»..
بين التصريحين فارق كبير هل سيعود كل التمويل، أم جزء منه، وهل هذا يلغي قيام الحكومة باستيراد مواد رئيسية صنفها القرار بإحدى عشرة مادة غذائية..؟!!
3- بيع ألف يورو
يسمح للمصرف التجاري وشركات الصرافة أن تقوم ببيع  ألف يورو للمواطن شهرياً بالسعر الذي يحدده المصرف المركزي لتأمين العمليات غير التجارية، بمبلغ للمواطن 10 آلاف يورو سنوياً..
بينما أشار النائب الاقتصادي بان هذا الإجراء مؤقت إلى أن يتم العمل بالخط الائتماني..
الإجراءات الثلاث قائمة على فكرة تخفيف الطلب على القطع، وتنظيم العملية لتشكل خطوات مناورة عوضاً عن السير باتجاه تنظيم وضبط كامل للتجارة وإدارة الاحتياطي، وهو ما استطاعت ان تفرضه قوى السوق في جولتها في مواجهة الضرورات التي يفرضها «اقتصاد الأزمة»..