أمريكا تخسر الرهان... فصل جديد في استقلال النيجر!
أحمد علي أحمد علي

أمريكا تخسر الرهان... فصل جديد في استقلال النيجر!

بينما تكتب هذه الكلمات، تتحضر القوات الأمريكية للانسحاب من النيجر، فقد أصدرت الخارجية الأمريكية بياناً بهذا الشأن قبل أيّام، معلنةً عن لقاءات إضافية ستجري اليوم الإثنين 29 نيسان الجاري بهدف «تنسيق عملية انسحاب القوات الأمريكية على أساس مبادئ الشفافية والاحترام المتبادل». وأشار البيان الأمريكي إلى أن الولايات المتحدة لم تتمكّن من التوصل إلى اتفاق جديد بشأن مواصلة التعاون الأمني اعتماداً على مصالح الجانبين.

وبهذا، تكون قد فشلت جهود واشنطن السياسية والدبلوماسية المستمرة منذ تموز 2023 لتصل اليوم إلى إعلان انسحابها «المنظّم والمسؤول» من العاصمة النيجرية «نيامي»، والذي قد يستغرق شهوراً وفق البنتاغون.
كذلك، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية عن نيتها سحب قواتها من تشاد بعد مطالبة الأخيرة بذلك. وجاءت الخطوة التشادية، بعد حوالي شهر من تعليق النيجر اتفاقها الأمني مع أمريكا، وسط سلسلة من الانقلابات، شهدت إقامة حكومات عسكرية في منطقة الساحل.

أمريكا تراجع سياساتها

يبدو واضحاً أن أمريكا بدأت عملياً بمراجعة سياستها في إفريقيا بعد سلسلة من الانقلابات العسكرية التي أطاحت بالحكومات المدنية، والتي نحت عبرها البلاد بعيداً عن التعاون مع الدول الاستعمارية (فرنسا وأمريكا) لصالح علاقات جديدة مع روسيا والصين وإيران. حاولت الولايات المتحدة الأمريكية على الدوام الضغط على النيجر لقطع علاقاتها مع روسيا لكن دون جدوى. يبدو أن قرارها الأخير يأتي بعد فقدانها الأمل من التوصل إلى غاياتها في ظل إصرار هذه الدول على إنهاء اتفاقاتها السابقة وإنهاء وجود القوات العسكرية الفرنسية والأمريكية على الأرض.

خصوم واشنطن في الميدان

وفي الوقت الذي تتطلع فيه بلدان القارة السمراء إلى الحصول على السلاح والتمويل بمواجهة خصومها المحليين والعابرين للحدود؛ شرعت القوات الروسية شبه العسكرية بالانتشار المتفق عليه، وهو ما رأى البعض أن واشنطن لا تستطيع القيام به، بحكم قوانينها التي تمنع تقديم الدعم المالي للحكومات الانقلابية، ولكن الحقيقة أن مثل هذه التحليلات لا تعدّ سوى تبريرات سخيفة تحاول إضفاء نوع من عدم الشرعية على وجود القوى الروسية أو غيرها في بلدان إفريقيا، جرّاء فشل بلاد العم سام في الوصول إلى مآربها، هذا بالإضافة إلى كونها تغطية على الدور الغربي في دعم الإرهاب وعدم الجدية في محاربته.

الاستراتيجية الأمريكية

عملت استراتيجية الرئيس الأمريكي جو بايدن على محاولات إشراك الحكومات الانقلابية، والتفاوض على مسارات العودة إلى ما أسموه «العملية الديمقراطية»، لكن رفض الزعماء الأفارقة «الإملاءات الديمقراطية» الأمريكية، والآن ينبّه المسؤولون الأمريكيون من مخاطر الانسحاب الكامل من «البلدان التي تواجه تحديات في الديمقراطية»، الأمر الذي يخلق فجوة كبيرة سيتم ملؤها من قبل «المنافسين الآخرين» حسب تعبيرهم، والمقصود هنا روسيا والصين وإيران.
وعلى الدوام، حاولت الولايات المتحدة اللعب، وضرب العلاقة ما بين روسيا والنيجر- التي كانت أبرز حلفاء أمريكا في القارة- عبر الحديث عن أضرار العلاقات مع روسيا، وانتهاكات تجري لحقوق الإنسان. لكن كل ذلك لم يجدِ نفعاً، ولم يثنِ الزعماء الأفارقة عن مواصلة علاقاتهم مع موسكو. لا بل تمكنت الأخيرة من دخول النيجر، وبدأت وزارة الدفاع الروسية بالإشراف على مهمة أمنية جديدة، عبر إرسال مقاتلين شبه عسكريين للمساعدة في تدريب جيش النيجر.
بينما الآن، فإن المسؤولون الأمريكيون يسعون إلى الحفاظ على العلاقات الدبلوماسية مع تلك الدول، التي تتمتع بموارد طبيعية هائلة، ومواقع إستراتيجية هامة في إفريقيا على أمل استئناف التعاون العسكري والأمني وغيره في وقت لاحق.

نافذة جديدة

ما يجري هو مؤشرٌ مهم لاتجاه تطوّر الأمور، في النيجر أو في القارة الإفريقية ككل، فهو تعبير عن موازين القوى هناك، ولا يمكن إغفاله لدى معالجة موقع كلّ ذلك في التوازنات الدوليّة الجديدة، التوازنات التي تمثّل فرصة جديّة لانتزاع الاستقلال التام والخلاص للقارّة التي ذاقت الويلات من حكم المستعمر.
ومع احتدام الصراع الدولي، وتعدّد جبهاته حول العالم، تصبح أي جبهة من هذه الجبهات معياراً اختبارياً لوزن وقوة القوى المتحاربة، ورغم عدم انتهاء العمليات الجارية أو وصولها إلى صيغتها النهائية والحاسمة في النيجر وإفريقيا، فإن تقهقر وانسحاب قوى الغرب الاستعماري وتراجع وزنها في التأثير على العمليات الاقتصادية له وزن وأثر كبير على آفاق الصراع الجاري، وسيفتح نافذة جديدة لشعوب هذه القارة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1172
آخر تعديل على الإثنين, 06 أيار 2024 18:02