صفعة إفريقية قاسيّة على الخدّ الأمريكي!
أحمد علي أحمد علي

صفعة إفريقية قاسيّة على الخدّ الأمريكي!

منذ أن بدأت الدول الإفريقية انتزاع استقلالها بعد الحرب العالميّة الثانية، لم تتوقف الانقلابات العسكريّة على مساحة إفريقيا، ومنذ 2007 وحتى اليوم، ربّما لم يمر عام واحد إلّا وحدث انقلابٌ في إحدى دول إفريقيا وصولاً إلى الانقلاب الذي حدث في النيجر في تموز من العام الماضي 2023، والذي ما زالت أحداثه تتفاعل في غرب إفريقيا.

تاريخيّاً، رزحت دول غرب إفريقيا تحت السيطرة العسكرية الفرنسية بشكلٍ رئيسي، والبريطانية بمستوى أقل، وغيرهما من دول الغرب الاستعماري. وبعد الحرب العالميّة الثانية، لم يُستَتبَع الانسحاب العسكري الفرنسي من تلك الدول ببناء استقلالها الذاتي، فلم تنجز عملية التحوّل والتطوّر الاقتصاديّ-الاجتماعيّ داخليّاً، ما رسَّخ حالة متفاقمة من التبعيّة للغرب وما يعنيه ذلك من عدم استقرار سياسي واجتماعي.
الآن، ومع الأحداث الانقلابية التي تحمل اتّجاهاً يحاول ترسيخ قواعد جديدة للبلاد بعيداً عن حكم الغرب الاستعماري، تسعى الولايات المتّحدة إلى ضرب العملية واقتناص فرصة لزجّ هذه الدول من جديد في صراعات ليست لصالحهم. وهذه المحاولات الأمريكية لا تقتصر على النيجر أو على أي بلد إفريقي وحده دون سواه، بل هي عقلية تحاول من خلالها أمريكا إدارة المعركة لصالحها مع المنافسين على مستوى العالم، وفي القارة السمراء بشكل خاص، لما لها من أهمية جيو-استراتيجية عالية.

الاستئثار غير ممكن

ولو عدنا قليلاً إلى الوراء، ونظرنا إلى ما كان يدور في ذهن الولايات المتحدة الأمريكية حول القارة الإفريقية بمجملها. سيكون من المهم التوقّف لحظة إطلاق أمريكا القيادة الجديدة لإفريقيا «الأفريكوم» في تشرين الثاني من العام 2007. بغض النظر عن كل ما قيل في خصوص «أفريكوم»، فإنّ الهدف منه عمليّاً كان سلب القارة الإفريقية، والاستفراد بها إلى الأبد.
ما يتبيّن اليوم، وبعد انقضاء أكثر من عقد ونصف على «أفريكوم»، أن الولايات المتحدة الأمريكية فشلت في رهانها، ولم تحقّق ما طمحت إليه، منذ عهد بوش إلى عهد أوباما وما بعده وصولاً إلى واقع جديد أصبح فيه حتى مجرّد التفكير بهذا الأمر (الاستئثار بالقارة الإفريقية) ضرباً من ضروب الجنون المطلق.
المحاولات الأمريكية لعرقلة تقدم الخصوم (روسيا والصين بشكل أساسي) فرض على واشنطن وضع الخطط لإحكام السيطرة على إفريقيا وتسخير مواردها في الصراع العالمي، وهو ما فسّر لاحقاً محاولة دفع الدول الإفريقية الناشئة إلى الصراع مع الروس والصينيين، لكن على ما يبدو فإنَّ هذه الطريق الأمريكية لم تكن سالكة كما تمنى أصحاب القرار الأمريكيون.

النيجر مثالاً

ما جرى في النيجر هو مثال عمّا نتكلّم عنه، إذْ حاولت أمريكا؛ بعد أن طردت الحكومة الانقلابية في النيجر فرنسا، بناء علاقات يمكن من خلالها توجيه الحكومة الجديدة لتكون ضدّ منافسي أمريكا الدوليّين، أي روسيا والصين. لكن سرعان ما وجّهت القوى الانقلابية الجديدة صفعة كبيرة لأمريكا والغرب عبر إعلان المجلس العسكري أخيراً إنهاء الاتفاق الذي يسمح للقوات الأمريكية بالعمل في البلاد.

الأحلام الأمريكية تتبخّر

ومع هذا الإعلان المفاجئ والقاسي جداً على بلاد العم سام، تبخّرت الأحلام الأمريكية بأن يكون لأمريكا دور في الخيارات الاستراتيجية التي ستتبعها «نيامي» من جهة، وفي الحفاظ على قاعدتها العسكرية في منطقة «أغاديس» من جهة أخرى. يبدو أن القوّات الفرنسية قد عبّدت الطريق للقوات الأمريكيّة، فبعد أشهر فقط من طرد الجنود الفرنسيين ورحيلهم عن البلاد، سيذهب وراءهم الجنود الأمريكيون حسب ما تقتضي مجريات إنهاء الاتفاق.
ما يجري في النيجر، لا يعدّ مؤشراً حاسماً ونهائياً لاتجاه الأمور في النيجر أو في إفريقيا ككل، لكنّه مؤشرٌ مهمٌّ على موازين القوى هناك، ولا يمكن إغفاله لدى معالجة ما يحدث في القارة الإفريقية وموقعه ضمن التوازنات الدوليّة الجديدة، التوازنات التي تمثّل فرصة جديّة لانتزاع الاستقلال التام والخلاص للقارّة التي جثمت على صدرها أنياب القوى الاستعمارية ردحاً طويلاً من الزمن.
يشهد العالم صراعاً واضحاً، لذلك تتحول أية مواجهة في أية بقعة من بقاع العالم إلى «بالون اختبار» لحجم وأوزان القوى المتصارعة، وإن كانت المآلات النهائية لتطور الأحداث في إفريقيا غير واضحة بعد، إلا أن إخراج الغربيين وإنهاء نفوذهم الاقتصادي سيكون له عظيم الأثر على تطور الأحداث دولياً، فموارد القارة الإفريقية يمكن أن تكون حاسمة في الصراع الدولي، وتسخير هذه الموارد لصالح الدول الإفريقية سيصب في مصالح شعوبها ويخدم في الوقت نفسه كسر الهيمنة الغربية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1167
آخر تعديل على الجمعة, 26 نيسان/أبريل 2024 22:47