«فرصة واشنطن» للحفاظ على دورها في الشرق الأوسط

«فرصة واشنطن» للحفاظ على دورها في الشرق الأوسط

حمل الأسبوع الماضي خيبات أمريكية جديدة، وعلى عدة مستويات، فالسياسات التي تعتمدها واشنطن في إدارة وتوجيه التطورات الأخيرة في الشرق الأوسط باتت بحاجة إلى «معجزات» لكي تحرز نتائجها المرجوّة، وخصوصاً بعد جملة من التطورات السياسية التي تعمّق مأزق إدارة بايدن، وتضع أمامها عقبات جديدة.

كان العنوان الأبرز في الأسبوع الماضي، هو مخرجات اجتماع باريس والورقة المقرة فيه تحت عنوان «إطار عام لاتفاقية شاملة بين الأطراف» التي تسعى حسب ادعاء واشنطن- أكثر المتحمسين لها- لإيجاد سبيل للتهدئة في الأراضي المحتلة. ومع نشر حركة حماس لردها على «اتفاقية الإطار» أصبح بالإمكان إعادة رسم الخطوط الأساسية لما يجري.

إلى ماذا تسعى واشنطن؟

قد يصادف المرء كثيراً من التحليلات حول الاستراتيجية الأمريكية في منطقتنا، التي تسعى بعظمها لتحديد ذلك الذي يعوّل عليه صناع القرار في واشنطن. وربما يكون من المفيد عرض بعض ما جاء في مقال توماس ل. فريدمان الصحفي المقرب من الإدارة الأمريكية، المنشور في نيويورك تايمز في 31 كانون الثاني الماضي، الذي تحدّث فيه عن صياغة «عقيدة جديدة» لإدارة بايدن في الشرق الأوسط، وناقش ضمنه بشكل صريح العقبات التي تواجهها الولايات المتحدة، لكن المثير للانتباه أن فريدمان رهن قدرة واشنطن في التأثير على الأحداث هناك بتطبيق مسارات استراتيجية ثلاث، التي بدت حسب عرضها مسارات منفصلة عن الواقع، بل كانت في بعض جوانبها أهدافاً أمريكية منذ سنوات!
ما قاله الصحفي الأمريكي، أن الإدارة الأمريكية تحاول أن تخطو خطوات دبلوماسية وسياسية وعسكرية جريئة، تسعى في مسارها الأول «لاتخاذ موقف قوي وحازم تجاه إيران» والرد على العملية التي أدت إلى مقتل جنود أمريكيين في الأردن، أما المسار الثاني لاستراتيجية بايدن الجديدة حسب فريدمان، هو أن «تعمل الولايات المتحدة عبر دبلوماسية غير مسبوقة للترويج لقيام دولة فلسطينية منزوعة السلاح في الضفة الغربية وقطاع غزة» على أن تتأكد واشنطن من إمكانية قيام «مؤسسات وقدرات أمنية محدودة فيها» تضمن «قابلية الدولة الفلسطينية للحياة وأنها لن تهدد [إسرائيل]». أما المسار الثالث، فيشمل «قيام تحالف أمني موسع بين الولايات المتحدة والسعودية...ويتضمن اتفاقاً لتطبيع العلاقات بين المملكة و[إسرائيل]».

إعادة تدوير!

بعد مرور عشرة أيام تقريباً على نشر هذا المقال، يمكننا القول: إن الإدارة الأمريكية تعلن عزمها العمل في هذه الاتجاهات فعلًا، وهو ما يبدو واضحاً بتصريحات المسؤولين الأمريكيين خلال الأسابيع الماضية في الحد الأدنى، لكن المثير للاستهجان أن ما ذكره فريدمان ليست «عقيدة قيد التشكّل» بل هي عقيدة تسعى الإدارة الأمريكية لتطبيقها فعلًا، ولكن الحظ لم يحالفها حتى الآن!
فهل يمكننا القول: إن واشنطن لم تكن تسعى في السنوات الماضية «لاتخاذ موقف قوي وحازم تجاه إيران»؟! الجواب يبدو بديهياً بالطبع! إن محاولة الضغط والتضييق على طهران كانت ركناً أساسياً في السياسة الأمريكية في منطقتنا، ولم تنجح الولايات المتحدة في ذلك، بل شهدت محاولتها انتكاسات كبرى، مثل: استعادة العلاقات السعودية- الإيرانية.
أما الحديث عن «دولة فلسطينية منزوعة السلاح» يعني إجبار الشعب الفلسطيني القبول بذلك- وهو ما يستحيل تحقيقه- ويعني أيضاً إنهاء كل فصائل المقاومة في الأراضي المحتلة، وفرض سيطرة عسكرية هناك، وهو ما يعجز الكيان عن تحقيقه حتى في حي واحد في الضفة الغربية، وبمساعدة أجهزة أمن السلطة الفلسطينية! غير أن حديثاً من هذا النوع يخالف قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، ويتعارض مع مواقف دول مؤثرة في الإقليم والعالم.
المسار الثالث والأخير الذي تحدّث عنه الصحفي الأمريكي، والمرتبط بقيام «تحالف أمني أمريكي- سعودي» ودفع الأخيرة لتوقيع اتفاقية تطبيع للعلاقات مع الكيان، فهو مثال آخر على أن فريدمان ومن خلفه لا يملكون شيئاً جديداً في جعبتهم، بل يحاولون إعادة تدوير الأفكار ذاتها، وتقديمها بأشكال جديدة «برّاقة» للرأي العام الأمريكي ولحلفاء واشنطن.

يعتقد فريدمان، أن نجاح واشنطن في تحقيق أهدافها سيكون «أكبر إعادة تنظيم استراتيجي في المنطقة منذ كامب ديفيد في 1979» وهو محقٌ في هذا، لكن ذلك مرهون- حتى حسب وجهة نظره- بأن تنجح إدارة بايدن بتحقيق هذه المسارات بشكلٍ متزامن ومترابط. وإن كان أصحاب هذا الرأي داخل الإدارة الأمريكية يقولون بأن دورهم في المنطقة بات مرهوناً بتحقيق ذلك كلّه، وفي وقتٍ قياسي، فهذا دليل إضافي على حجم الخسارة السياسية التي يمكن أن تلحق بواشنطن بعد تثبيت انتصار المقاومة الفلسطينية. وهو ما يعيدنا إلى نقطة البداية، فالرد الذي قدّمته حركة حماس على العرض الذي حملته مصر وقطر إليها من باريس، يوضّح أن قادة حماس يصرون كغيرهم من قادة المقاومة على تثبيت الانتصار، ويعرقلون الخطوات الأمريكية- الصهيونية في إخفائه أو تصغيره، فالرد من حيث المبدأ يبدو تجاوباً مع مبادرة التهدئة، ولكنه يؤكد في جوهره انتصار المقاومة الفلسطينية، ويفاوض من موقع القوي المنتصر لا من موقع المهزوم، وإن كانت الولايات المتحدة تحاول أن تثبت وضعها بصفتها وسيطاً، فلا يجب أن يغيب عنها أن موقفها التاريخي الداعم للكيان، وخصوصاً خلال الحرب الأخيرة سيضاعف حجم خسائرها السياسية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1161
آخر تعديل على الأربعاء, 14 شباط/فبراير 2024 10:35