عبد الله الكوبي يهزم الاحتكارات بدرعه
فيخاي برشاد فيخاي برشاد

عبد الله الكوبي يهزم الاحتكارات بدرعه

في 1896، وبعمر الخامسة عشرة، قام خوسيه مارتي بنشر مجلّة في كوبا حملت اسم: «الوطن الحر»، والتي تبنت موقفاً صلباً ضدّ الإمبراطورية الإسبانية. احتوى العدد الأول والوحيد من المجلة على قصّة شعرية بعنوان «عبد الله»، وهو شخص يكافح لتحرير موطنه. يقول مارتي على لسان عبد الله: «لنترك بسالة الحرب في أرواحنا تخدمك يا وطني مثل درع».

ترجمة: قاسيون

ثمّ في عام 2021 استخدم الكوبيون درع مارتي وأطلقوا اسم عبد الله على لقاحهم الجديد. هذا اللقاح، وهو الخامس الذي تنتجه كوبا، تمّ تطويره في مركز الهندسة الجينية والتقانة الحيوية في هافانا.
سجّل اللقاح نسبة فاعلية تصل إلى 92,28%، وتمّ تلقيح أكثر من 2,23 مليون إنسان من أصل 11 مليون يعيشون في كوبا. تخطط السلطات الكوبية لتلقيح ثلاثة أرباع السكان بحلول أيلول. كما وضعت كوبا خططها لتصدير اللقاح إلى الدول الأخرى، مثلما حصل مع فنزويلا المحاصرة التي منعها الأمريكيون من الحصول على اللقاح.
حققت كوبا ذلك بالرغم من الحصار الأمريكي المخالف للقانون الدولي ولقرار الجمعية العامة. كما عبّر وزير الخارجية الكوبي برونو رودريغز: «مثل الفيروس، الحصار يخنق ويقتل». وفي سياق الحديث عن الوباء، فبسبب الحصار لم تتمكن كوبا من استيراد أجهزة تنفس من شركتين سويسريتين لعلاج المرضى ذوي الحالات الحرجة. السبب في ذلك يعود إلى أنّ شركة أمريكية «Vyaire Medical. Inc» قد اشترت الشركتين السويسريتين. لكن في نيسان 2020 تمكنت كوبا من تطوير أجهزة التنفس الخاصة بها كردّ على ذلك.
لكنّ كوبا تعاني من نقص في الحُقن، حيث أنّ جميع صانعي الحقن في العالم متشابكون بشكل أو بآخر مع الشركات الدوائية الأمريكية. لدى شركتي تيرومو ونيبرو اليابانيتين عمليات في الولايات المتحدة، ولدى براون ميلسونغن الألمانية شراكة مع CHS الأمريكية. وترتبط شركة هندوستان للحقن والأدوات الطبية الهندية بـإنفيغو الأمريكية.
إنّنا نعيش في زمن «ثلاثة مجالات للفصل العنصري»، تشمل العنصريّة في الغذاء والمال والدواء. وفي قلب التمييز العنصري في الدواء هناك ما بات يسمى قوميّة اللقاح، أو تكديس اللقاحات، أو عنصريّة اللقاحات. تُظهر الاستطلاعات بأنّ الكثير من البلدان الفقيرة لن تتمكن من تلقيح مواطنيها قبل 2023، إن حصل ذلك مطلقاً.
ما الذي يسبب هذه العنصرية؟ إنّها سيطرة قلّة من الشركات الأمريكية على الاقتصاد العالمي، تدفعها خمسة أنواع من الاحتكارات. فكما أشار سمير أمين، هذه الاحتكارات هي:
احتكار العلوم والتكنولوجيا.
احتكار الأنظمة المالية.
احتكار الوصول إلى الموارد.
احتكار السلاح.
احتكار الاتصالات.
هذه الاحتكارات متشابكة ومكملة بعضها لبعض. كمثال: إنّ نقص التصنيع لا يؤثر وحده على خضوع الدول للإمبريالية من عدمه، بل الذي يبقي العالم في وضع لا مساواة وخضوع هائلين هو هذه الاحتكارات الخمسة. تمكنت الكثير من دول العالم على مدى الخمسين عاماً الماضية من تطوير التصنيع، لكنّها بقيت غير قادرة على تطوير جدول الأعمال الاجتماعي لصالح سكانها.
يدفع نقص التمويل الكثير من دول العالم للذهاب إلى صندوق النقد الدولي، أو إلى ممولين يأتمرون بأمره، ما يعني أن يطلبوا من الدولة المقترضة إجراء اقتطاعات حاسمة بالنسبة للحياة البشرية، كالتعليم والرعاية الصحية. يؤدي قطع التمويل عن التعليم إلى استنزاف إمكانات البلدان لتطوير أعداد كافية من العلماء، فضلاً عن تشويش خلق المزاج العلمي اللازم لإنشاء وتطوير أشياء فائقة الأهميّة، مثل اللقاحات. تخفيض الإنفاق على الرعاية الصحية، وتبني نموذج حماية الملكية الفكرية التي تمنع نقل التكنولوجيا، يترك البلدان منزوعة القدرة من التعامل بشكل مناسب مع الوباء.
دفع نقص التمويل الكثير من الدول للاستسلام لعدم قدرتها على تطوير رفاه شعوبها «في نيسان 2020 كان هناك أكثر من 64 دولة تنفق على أداء ديونها أكثر ممّا تنفقه على الرعاية الصحيّة». لا يكفي أن تطالب بنقل التكنولوجيا إلى الدول وسط انتشار الوباء كي تصنع اللقاح، فالتكنولوجيا هي العلوم المنتجة بالأمس، والعلوم هي غد التكنولوجيا.
استخدام الثروة الاجتماعية للبشر، وتدريس العلوم، وإرساء المعايير الأساسية لمحو الأمية العلمية، جميعها دروس أساسية أكسبنا إياها الوباء. تعلّم الكوبيون هذه الدروس جيداً. لهذا تمكنت كوبا من تطوير «عبد الله» وأربعة لقاحات أخرى لكوفيد-19.
اللقاحات الكوبية التي أنتجتها الاشتراكية وقفت كدرع آخر مكّن كوبا من عدم الاستسلام للاحتكارات الخمسة، وللولايات المتحدة حامية هذه الاحتكارات.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1026
آخر تعديل على الأربعاء, 14 تموز/يوليو 2021 12:25