بغداد على نار الأزمة.. وواشنطن تخشى البدائل الآتية

بغداد على نار الأزمة.. وواشنطن تخشى البدائل الآتية

يبدو المشهد العراقي معقداً وعصياً عن الحل مع تعمّق المشاكل في جميع جوانب التطورات السياسية والاقتصادية في البلاد، عبر وجود حكومةٍ تسير طريقاً منفصلاً وخاصاً بمصالح القائمين بها، إضافةً إلى الصراعات الإقليمية والدولية التي تدور في فلك العراق داخلياً، إلّا أن البدائل المطروحة دولياً تشير إليها واشنطن نفسها أولاً.

من المستجدات الحاصلة عموماً: طرح موازنة 2021- تمديد الإعفاء الأمريكي للعراق من العقوبات المفروضة على إيران باستيراد الطاقة- العقوبات الأمريكية الجديدة على قائد الحشد الشعبي- إعلان الكاظمي عن انسحاب جديد مقبل للقوات الأمريكية- وأخيراً وليس آخراً، المناوشة السياسية بي سفارتي الصين وأمريكا في بغداد.

موازنة 2021 والضغط الاجتماعي

أقرّت الحكومة العراقية بعد طول مماطلة وتأخر، «مشروع» قانون الموازنة العامة لسنة 2021 مرسلةً إياه إلى مجلس النواب للتصويت والمصادقة عليه، الأمر الآخر الذي سيتخذ بدوره وقتاً إضافياً خاصةً مع وجود انتقادات عديدة وكبيرة على المشروع المُقدم من قبل الخبراء الاقتصاديين العراقيين... وبكلتا الحالتين- من مصادقة سريعة أو تأخير- فإن النتيجة ستؤدي إلى ضغطٍ اجتماعي ومعيشي على العراقيين، حيث التأخير بإقرارها يهدد جدياً بنشوء أزمة تأخر صرف رواتب جديدة، بفترة تشهد تدنٍ معيشي كبير بعد خفض سعر صرف الدينار مقابل الدولار.

ومن جهة أخرى، فإن المصادقة على مشروع الموازنة على ما هو عليه الآن، سيؤدي وفق آراء الخبراء إلى أزمة اقتصادية في العراق ناشئة عن سوء الخطة الموضوعة وكيفية توزيع مخصصاتها، حيث يرى العديد: أن الموازنة تحتوي أرقاماً متضخّمة جداً في ظل أزمات اقتصادية ومعيشية بلغت بمجموعها 164 تريليون دينار «113 مليار دولار» «120 منها مخصّصة للنفقات التشغيلية، و44 للنفقات الاستثمارية ورأس المال»، وتعدّ الأضخم في تاريخ العراق الحديث، وتعتمد الموازنة بجزءٍ كبير منها على عائدات بيع النفط، حيث يخطط لبيع 3,25 ملايين برميل يومياً، وهذه الأخيرة أيضاً عرضةً للتقلب والتغيّر مع تطورات الأزمة الرأسمالية دولياً واتفاقات أوبك+... ومن جهة أخرى يتضمن مشروع الموازنة فرض «إتاوة» على كل من يريد السفر خارجاً بـ 18 دولاراً، وداخلاً بـ7 دولارات... ويعتبر المحللون أن نسبة العجز في الموازنة تبلغ حوالي 50 مليار دولار.

وما أوردناه هنا إنما هو جزء مختصر من بعض مقتطفات مشروع الموازنة والآراء حوله، إلا أنه يتضمن العديد من التفاصيل والبنود غيرها التي تشير لا إلى أرقام متضخمة ومبالغ بها فحسب، إنما ترقى لأن تكون وهمية، وبالتالي، تكون مسيرة قطار الاقتصاد العراقي لهذه السنة ماضية على سكةٍ أوسع منه، فتعرقله وتبطئه مع ما يرافقه ذلك من مطبات معيشية واجتماعية.

تمديد الاعفاء من قلّة الحيلة، مقابل العقوبات.. ومزيدٍ من الانسحاب الأمريكي

بعد أزمة الغاز والكهرباء السابقة بين العراق وإيران التي عرجنا عليها في مقالٍ سابق، وبعد عدم قدرة الحكومة العراقية حتى الآن- ومستقبلاً كذلك- عن تأمين موارد طاقة غير إيرانية، أعلنت السفارة الأمريكية في بغداد بأن واشنطن مددت الإعفاء الممنوح للعراق من العقوبات المفروضة على إيران في مجال الطاقة لثلاثة أشهر إضافية أُخرى، وهي أشهر تتمدد ويعاد تمديدها كل حينٍ منذ عام 2018، حيث فرضها سيؤدي إلى أزمة طاقة جدية في العراق، الذي يستورد أكثر من ثلث احتياجاته من غاز وكهرباء من إيران.. وهي تمديدات جزئية ومحدودة تهدف إلى الاستمرار بالضغط على الحكومة العراقية كي لا تتوانى أو تتلكأ بمحاولات إيجاد موارد غير إيرانية بغية تقليل نفوذ الأخيرة، الجارة الحدودية، في العراق، وكذلك ورقة أخيرة قد تطلقها الولايات المتحدة الأمريكية بأية لحظة لتؤدي إلى تفجير الوضع الاجتماعي مباشرةً، إثر ما سيترتب عليها من ضغوط معيشية هائلة في ظل منظومة وحكومة عراقية تابعة تماماً لواشنطن.

وبمقابل هذا التمديد قامت الولايات المتحدة بفرض عقوبات على قائد الحشد الشعبي العراقي ومستشار الأمن الوطني السابق فالح الفياض، والذي يعتبر وفق الخريطة السياسية لعلاقات القوى العراقية إقليمياً ودولياً، من وجهة نظر واشنطن نفسها، حليفاً للمحور الإيراني، لتكون العقوبات عليه، من خلف اسمه وشخصه، عقوبات على مجمل الحشد كوزنٍ عسكري وسياسي داخل البلاد في محاولة لتأريضه وتخفيفه.

لكن بالتوازي مع هذا التوتير الأمريكي، وبعد كل التهديدات والمبالغات الإعلامية الغربية حول ضربات عسكرية أمريكية لإيران قبيل خروج ترامب، أو العكس بمناسبة ذكرى اغتيال السليماني والمهندس، انتهت الأمور إلى النتيجة المتوقعة، وغير المستغربة بناء على الماضي القريب، بأن يعلن رئيس الحكومة العراقي مصطفى الكاظمي يوم الأربعاء الماضي أنه «سوف يكتمل في الأيام المقبلة انسحاب أكثر من نصف» القوات الأمريكية في العراق، و«لن يتبقى إلا مئات منهم فقط»، علماً بأن الجانب الأمريكي لم يطلق تصريحات تؤكد ذلك بعد، بيد أنه وعلى أية حال لم يعلن سابقاً عن انسحاباته بشكل مسبق في العراق، إنما كانت تعلن وتبدأ بنفس اليوم، وتشكل هذه الانسحابات عموماً إشارةً إلى التراجع الأمريكي في المنطقة، والذي يعني المزيد من إمكانية حل الأزمات بعيداً عن عبثها بما فيها الأزمة العراقية بشكل رئيس.

هجوم السفارة الأمريكية على الصين

قامت السفارة الأمريكية في بغداد عبر بيانٍ لها بشنّ جملة تصريحات مهاجمةّ الصين، بغية محاولة شيطنتها في الداخل العراقي، بالاستناد إلى أكاذيب تدور حول سلوك الحكومة الصينية تجاه بعض الطوائف والأقليات في الصين، الهجوم القديم جداً من الولايات المتحدة، لكنه جديد في داخل العراق القائم أساساً على بنية محاصصة طائفية، قبل أن ترد السفارة الصينية بدورها مؤكدةً أن ما تحاول أمريكا فعله هو «مهاجمة الصين وتشويه سمعتها بشكل تعسفي» وأن هذه التصريحات «محض هراء».

إنّ هذه الخطوة الأمريكية في الداخل العراقي لم تأت عبثاً بطبيعة الحال، إنما محاولة استباقية ومبكرة ببدء حملة ضد النفوذ الصيني المقبل نحو التوسع في العراق بعد انسحاباتها وتراجعها الاقتصادي والسياسي الدولي المستمر، فعلى أية حال، خروج الولايات المتحدة من العراق لن يبقي الأخير معزولاً لوحده، إنّ ما سيطور العراق علاقاته مع دول الجوار والدول الصاعدة شرقاً أو في الشرق، والمستمرة في نهوضها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1000
آخر تعديل على الإثنين, 11 كانون2/يناير 2021 21:06