دعه يعمل دعه يمرض!
عربي دولي عربي دولي

دعه يعمل دعه يمرض!

هل يمكن بأي شكل من الأشكال تسمية الإجراءات المتأخرة وعديمة الكفاءة في أوروبا وأمريكا تجاة فيروس كورونا بأنها تقصير ناتج عن سوء معرفة في بلدان تنتج أكثر من سبعين بالمئة من لقاحات العالم؟ أم أن دخول الفيروس كان قراراً واعياً لا بديل عنه بالنسبة لدول تضع الربح فوق صحة مواطنيها، وترى في هذا الوباء العالمي فرصة للتغطية على إجراءات قاسية ضد الطبقات العاملة فيها

تُتهم منظمة الصحة العالمية هي الأخرى بالتقصير في رفع درجات التحذير من الفايروس القاتل، المنظمة المتحكم بها غربياً بحكم أنها من مخلفات نظام القطب الواحد تأخرت في التحذير، بل على العكس تواطأت مع أنظمة الغرب - أنظمة فليستمر الربح وليذهب الجميع للجحيم - تواطأت معها لإخفاء الأثر القاتل للفيروس الذي حذرت منه الصين مبكراً ووصفة الرئيس الصيني بـ «الشيطان».

مناعة القطيع سلوك تاريخي

لم يتغير تعامل أوروبا مع الفيروس بشكل عام عن العادة، فخلال كل أزمات الفيروسات السابقة مثل «سارس» وأمراض إنفلونزا الطيور والخنازير وغيرها، لم تتخذ القارة الأوروبية أية إجراءات تقييدية، وتأتي الإجراءات بشكل متأخر جداً، مما دفع رئيس لجنة الصليب الأحمر الصيني المندوب للعمل في إيطاليا لانتقاد الإجراءات وعدم التزام الإيطاليين بقواعد الحجر الصحي، وهم يقومون بالحفلات والأنشطة الأخرى بدون قيود! فما هو مصدر هذه العقلية السائدة في أوروبا حتى اللحظة؟
يسود القارة شعورٌ وهميٌ بقدرة الأنظمة القائمة على السيطرة والتحكم، وهذه الثقة بدأت تهتز بين صفوف مواطنيهم الذين باتوا يدركون اليوم أن المنظومة القائمة تسعى لتحقيق الفائدة لأصحاب المليارات، وتستخدم قدراتها في سبيل استمرار تدفق الأرباح وترفع اليوم شعاراً جديداً «دعه يعمل دعه يمرض»!
لايزال صدى كلمات وزير الصحة الألماني ينس شبان، التي قالها قبل أسبوعين يتردد، فكان شبان يرفض إغلاق حدود البلاد، معتبراً أن هذا الإجراء لن ينجح في منع انتشار كورونا، رافضاً الدعوات بأن تحذو ألمانيا حذو جارتها النمسا وتمنع دخول الزوار من إيطاليا، وأضاف شبان خلال مقابلة مع إذاعة «دويتشلاند فونك» أن نهج ألمانيا الحالي في مواجهة الوباء يتركز على «إبطاء إنتشار الفيروس لتقليل العبء على النظام الصحي في البلاد»، وتابع: «الفيروس موجود في ألمانيا.. وإنه في أوروبا. يجب أن نعتاد على هذه الفكرة.. سوف ينتشر حتى لو أُغلقت كل الحدود. عاجلاً أم آجلاً علينا السماح للناس بالدخول أو الخروج ثم يبدأ الانتشار مرة أخرى».
وكان الساسة الإيطاليون من قبلهم لم يتخذوا أية إجراءات لتقيد حركة الناس، بل كان بعض نواب الأحزاب ينشرون صورهم في المطاعم يدعون الناس لعدم الاكتراث بهذا الفيروس معتبرينه «نزلة برد»، لتقر رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين: أن دول الاتحاد الأوروبي ارتكبت أصلاً خطأ في تقييمها لخطورة فيروس كورونا!

استراتجيات فاشلة

تسقط أوروبا اليوم أمام هذا الوباء وتهتز الأنظمة السياسية فيها، فهي التي تتحمل مسؤولية هذه الجريمة التي ارتكبت بحق شعوب القارة، وتتراجع اليوم لتعترف بعد انهيار أنظمتها الصحية بأن النموذج الصيني هو الشكل الأمثل لمجابهة الفيروس. الأمور خرجت عن السيطرة فإيطاليا تسجل نسبة وفيات أكثر من 8% من مجمل الإصابات بمقابل الصين التي كانت نسبة الوفيات فيها بحدود 3% وهذا يدل على الفرق الجوهري بين متانة المنظومة الصحية في الصين بمقابل المنظومة الأوروبية.
اليوم اقتنعت القارة أنها مريضة لكن ليس بـ «كورونا» بل بالوهم! بوهم «الرفاه الاجتماعي»، وتبدد هذا الوهم ليجد مواطنو تلك البلدان أن سنوات التيسير الكمي وإنقاذ البنوك وشركات الربا العالمية لم تصنع لهم ما يكفيهم من غرف العناية المركزة، ولا من المستلزمات الطبية، ولن تستطيع المنظومة الرأسمالية القائمة تأمين الغذاء للملايين الذين اضطروا للحجر الصحي المنزلي، ليصبح اتخاذ قرارٍ لرفع الأوكسجين عن بعض المرضى لإنقاذ غيرهم قراراً عادياً وحكم موتٍ سيصبح مألوفاً في دول «الرفاه» تلك! التي يرى حكامها بالعجائز عبئاً لا مبرر لوجوده ولا يرون مشكلةً بالتخلص منهم.

كورونا أقوى في القمع من كل جيوش العالم

«سوف ندخل في الركود»! هكذا قالت المفوضية الأوروبية، وهذا ما يقوله الرئيس الأمريكي، والركود تعريفاً هو الانكماش في الاقتصاد لربعين اقتصاديين متتاليين. ومع جملة المؤشرات التي تؤكد دخولنا في أزمة اقتصادية ذات أسبابٍ أبعد من انتشار الوباء المستجد ستكون أكثر عنفاً من أزمة 2008. بدأت المؤشرات بالظهور، فالشركات تخفض عدد العاملين، وتسريح ملايين العمال سيمكن الشركات من ضبط إنفاقها، ولتتمكن من تسريح هذا العدد الكبير من العمال يجب البحث عن عذرٍ مقنع وهذا ما يؤمنه فيروس كورونا.
فحسب جريدة «زي دوتش زايتونغ» الألمانية، دفعت الأسابيع الأولى لانتشار الفيروس أكثر من 2,3 مليون عامل لتخفيض ساعات عملهم، وهذا يعني تخفيضاً في الأجور، وأضافت الجريدة أن هذا الرقم أكبر بكثير من الأرقام التي تضررت في أزمة 2008 التي لم تتجاوز بعد عامٍ من الأزمة 1,2 مليون عامل، ويجري اليوم إيقاف العمل مؤقتاً بالكثير من المنشآت الاقتصادية، فتوقفت كل شركات السيارات العاملة في أوروبا في مناطق انتشار الفيروس عن العمل، مثل: شركة فولكس فاغن التي أعلنت التوقف لمدة ثلاثة أسابيع قابلة للتمديد، ومعها شركة فولفو التي سرحت نحو عشرين ألف عامل «بشكل مؤقت»، هذا بالإضافة إلى الأعداد الكبيرة من العمال في «قطاعات الظل» مثل: المطاعم والفنادق، الذين سيتضررون بشدة. هذه الإجراءات ستنتج جيشاً إضافياً من العاطلين عن العمل سيزيدون من نسب البطالة المرتفعة أصلاً في بعض دول أوروبا (مثل: إيطاليا التي تصل النسبة فيها إلى 20%).
هذه الضربات التي تتلقاها الطبقة العاملة في أوروبا اليوم لن تمر دون عواقب، وإن كان انتشار الجيش في شوارع بعض الدول الأوروبية وفرض حالات الطوارئ ومنع التجول اليوم «كإجراءٍ لمنع انتشار كورونا» يشكل عائقاً أمام احتجاج المتضررين، إلا أنه لن يستطيع الوقوف في وجه السّيل القادم. لن يستطيع النظام الرأسمالي القائم تعويض خسائر الشعوب فهو مشغول بتعويض خسائر الشركات الكبرى... كل ما يجري يؤكد: أن الواقع السياسي في أوروبا سيشهد تغيرات كبرى ولن تنجح الأنظمة بإقناع الجميع بأن فيروس كورونا كان السبب في كل هذا!

معلومات إضافية

العدد رقم:
958
آخر تعديل على الإثنين, 23 آذار/مارس 2020 13:40