أمريكا.. متى يصبح «الجوكر» ضرورياً؟
عماد بيضون عماد بيضون

أمريكا.. متى يصبح «الجوكر» ضرورياً؟

تراجعت حظوظ بيرني ساندرز، أحد المرشحين عن الحزب الديمقراطي في انتخابات الرئاسة، بعد نتائج ما يسمى «الثلاثاء العظيم» الذي شهد انتخابات 14 ولاية أمريكية ليحصل جون بايدين على الفوز  في 9 منها، ولكن ساندرز انتصر على منافسيه في ولاية كاليفورنيا التي تعد الأكبر من حيث عدد السكان، وهذا ما عقد الوضع أكثر وزاد الاحتمالات بدل تقليصها.

تحت عنوان: «هل ينقسم الحزب الديمقراطي الأمريكي» كتب الصحفي والمحلل الأمريكي دامون لنكر في جريدة «ذا ويك» مقالاً يتحدث به عن الإمكانات الواقعية لحدوث انقسام في الحزب الديمقراطي بسبب الاستقطاب داخل الحزب والانقسام الشديد، ويجري هذا الصراع حسب لنكر بين «يمين الحزب» أو التقليديين، بقيادة نائب الرئيس السابق جو بادين وبين ما أسماه «يسار الحزب» ممثلاً بـيرني ساندرز.
لكن ومع نتائج «الثلاثاء العظيم» تراجع احتمال هذا الانشقاق، لأن الحزب وعلى ما يبدو لن يعطي ورقة الترشيح لساندرز.
لكنَّ المهم الآن هو إيضاح آلية رمي الأوراق في لعبة النظام الأمريكي، وكيف تجري عملية الانتقال السلس للسلطة أو الصعب، كما جرى مع الرئيس الحالي ترامب، وما هي الآلية التى تحكم عملية انتقاء المرشحين والروؤساء بحسب كل مرحلة تاريخية وبحسب ضرورتها.

من هو بيرني ساندرز

هو «اشتراكي ديمقراطي» أمريكي صعد نجمه عقب التحولات العالمية الكبرى التي نتجت عن الأزمة الاقتصادية العالمية في عام 2008، وكان صعوده مشابهاً لصعود عددٍ من الأسماء ضمن دول المركز الرأسمالية، مثل جيمي كوربن في العمال البريطاني، وجان مليشون المنشق عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي الفرنسي، الذين كانوا يحاولون إيجاد حل تجميلي يضمن توازناً أعلى في الاقتصاد لصالح الطبقات الأكثر فقراً وتهميشاً، التي نشأت وتضخمت كنتيجة لسنوات طويلة من إتباع النموذح النيوليبرالي الذي أوصل الولايات المتحدة الأمريكية لأعمق أزمة اقتصادية في تاريخها.
في الحقيقة، يكمن طرح ساندرز وأشباهه بأنه محاولة اضطرارية لإعادة توزيع للثروة بهدف الحفاظ على المنظومة الرأسمالية نفسها، ويمكن النظر إليها على أنها إعادة اعتبار للكينزية، في محاولة لخلق نموذج مشابه لما بعد الحرب العالمية الثانية وبعد أزمة 1929، ولكن ولأنه لا يمكن المرور بنفس النهر مرتين، تظهر محاولة النظام الأمريكي العام لتوليد ورقة جوكر للّعب وقت تشتد الأزمة بنفس الطريقة القديمة أمراً مضحكاً في ظل أزمة أعمق وأشد وبحكم عوامل المركزية المطلقة لرأس المال الأمريكي، إلا أنها ستكون الجدار الأخير لحماية المنظومة كلِّها من الإنهيار.

متى ستلعب الورقة؟

كل الاحتمالات واردة في قضية ساندرز، حيث لم يُحسم أمر عدم اختيار تياره للمشاركة في الانتخابات، فهذا النمط من التيارات التي ترفع «الاشتراكية» شعاراً لها، تبدو لوهلة من خارج المنظومة، إلّا أنه تجري رعايتها من قبل المنظومة الرأسمالية ذاتها، وتحاول تطوير أدواتها لاستخدامها عند الحاجة.
فأمام الحزب الديموقراطي اليوم خياران، إما أن يعطي جون بايدين فرصة أخيرة بوصفه ممثلاً عن التيار التقليدي ويقود بذلك بايدين «الديموقراطيين» رافعاً شعاره الوحيد «القضاء على أسوأ رئيس لأمريكا». أو أن يقلب ساندرز الطاولة بعد أن يحصل على ما تبقى من أصوات، فيحصل بالتالي كلٌ من المرشحين على أقل من الحد الأدنى للأصوات، وهو ما يعني ارتفاع احتمال الشقاق داخل الديموقراطيين.
التيار لا يتنهي ب تقاعد ساندرز
إذا لم يتم ترشيح بيرني في هذة المرة فهذا يعني عملياً تقاعده، ولكن لا يعني «تقاعد» تياره، بل على العكس سيتم تطويره في السنوات الأربع القادمة بالاستعانة بالأزمة الاقتصادية الدائمة. فلهذا التيار فائدة كبيرة، فهو لا يطرح حلولاً حقيقة في برنامجه، سواء على مستوى السياسات المالية أو النقدية أو حتى على مستوى التدخل الأمريكي، بل يؤطر بطريقة ما ذلك الغضب الأمريكي الناتج عن تحول العيش في الولايات الأمريكية إلى حلم صعب المنال. أي إنه مقبول من النخب المالية الأمريكية التى تراه شراً لابد منه خير من ثورة حقيقة اشتراكية تحول وجهة أمريكا للأبد. لكن ما يجب إدراكه أن فتح الطريق مرة أخرى لتيارات «شبه اجتماعية» ومع ما يحمله من إمكانية تحويل أي مد ثوري إلى فعل تصالحي، لكنه يحمل مخاطر ظهور تيارات أكثر ثورية، قد تطيح بالجميع في لحظة تكون فيها المنظومة الحاكمة في أعمق أزمة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
956
آخر تعديل على الأربعاء, 11 آذار/مارس 2020 14:10