الاشتراكية بوصفها خياراً واقعياً وحيداً

الاشتراكية بوصفها خياراً واقعياً وحيداً

فيما يلي، تعرض «قاسيون» مقتطفات من التقارير المختلفة التي صدرت عن المؤتمر الوطني الحادي والثلاثين للحزب الشيوعي الأمريكي، والذي عقد في مدينة شيكاغو هذا العام تحت عنوان: «الصراع الطبقي، الأزمة البيئية، والكفاح من أجل الاشتراكية».

إنَّ الرأسمالية هي نظام معبأ بالأزمات. ويمكن لأيَّة أزمة في أي مكان من النظام الرأسمالي العالمي أن تغدو عدوى عالمية. والآن، ما هي إلا مسألة وقت قبل اندلاع ازمة مالية جديدة، والتي ستكون ربما أشدّ تدميراً من الأزمة المالية العالمية لعام 2007.
على الصعيد المحلَّي، تمثلت نتائج السياسات النيوليبرالية في إزالة القيود أمام رأس المال، والخصخصة، والتقشُّف. أما على الصعيد العالمي، فكانت النتيجة سباقاً نحو القاع بالنسبة للطبقة العاملة، واتساع الهوَّة بين الشمال والجنوب، أي بين الاقتصادات الرأسمالية المتقدمة والبلدان النامية. وفي بقاع العالم كله، أدى ذلك إلى التمركز المفرط للثروة، واحتكار الصناعة، والتعدِّي على الديمقراطية والسيادة الوطنية.
وقد ساهمت ثورات الاتصالات العلمية والتكنولوجية والجماهيرية في تيسير العولمة وإنشاء سلاسل إنتاج بعيدة المدى. بحيث يمكن للأزمات المالية والاقتصادية التي تنشأ في إحدى الدول أن تنتشر بسرعة على الصعيد العالمي.
لقد غدا العالم مكاناً أصغر، أكثر تعقيداً وتشابكاً.

نظام عالمي جديد في الأفق

بعد الحرب العالمية الثانية، جرى خلق نظام عالمي جديد سِمَتُه الأساسية هي وجود الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها القوة الرأسمالية المهيمنة. وشملت التحالفات والمؤسسات والقواعد الجديدة ما يسمى «النظام الدولي الليبرالي»، وقد أيَّدت مؤسسات الحزب الديمقراطي والجمهوري على السواء وبصفة عامة هذا الأمر.
ورغم ذلك، فإن العالم يتغير بسرعة، ويتعرض النظام العالمي القديم لضرباتٍ متزايدة من الأزمات والتناقضات. فهل استنفذت المرحلة الحالية للعولمة النيوليبرالية نفسها؟
نعم. إنَّ الإمبريالية الأمريكية هي قوة عظمى هابطة في عالم اليوم. وقد ضعفت قدرتها– هي والمراكز الرأسمالية الأخرى– على السيطرة على النظام العالمي. فالعولمة تتشكّل اليوم بشكلٍ متزايد بصعود الصين، والاقتصادات الناشئة والمؤسسات والتكتلات العالميَّة البديلة.
وتشمل العوامل الأخرى ما يلي:
دخول الصين وروسيا وأوروبا الشرقية والاقتصادات الناشئة حديثاً إلى السوق العالمي بقوة. وتتحدى الصين وروسيا النظام العالمي الحالي بشكلٍ متزايد.
تنامي التجارة بين الصين والاقتصادات الناشئة، وبين الاقتصادات الناشئة ذاتها. وإنشاء تحالفات وتكتُّلات تجارية جديدة (بريكس).
المقاومة المتزايدة ضد السياسة الخارجية الأمريكية، ردَّاً على تاريخها الطويل في إسقاط الأنظمة والعدوان العسكري والاحتلال في شبه الجزيرة الكورية وفيتنام والعراق وأفغانستان...
كيف ستستجيب الرأسمالية الأمريكية لهذا الواقع الجديد والتحول في توازن القوى الدولي، وانهيار النظام العالمي لما بعد الحرب العالمية الثانية؟ هل ستتكيَّف الدوائر الحاكمة في الولايات الأمريكية؟ أم تسعى إلى استعادة هيمنتها بالقوة العسكرية كما حدث في غزو واحتلال العراق؟

انقسام الطبقة الحاكمة والسياسة الخارجية الأمريكية

يُهيمن رأس المال المالي وشركات الطاقة والشركات العسكرية على السياسات الخارجية الأمريكية التي تشمل الحزبين الديمقراطي والجمهوري. ومع ذلك، فإن «تضارب المصالح» والانشقاقات في الطبقة الحاكمة تلعب دورها في السياسات الخارجية التي تروج لها هذه الأحزاب. فالنزعة الأحادية مقابل النزعة التعددية، والقوة العسكرية مقابل الدبلوماسية، والنزعة للتصدي لتغير المناخ مقابل إنكاره، هي بعض المؤشرات على التناقضات الحرجة في السياسة الأمريكية.
وقد أنشأت الولايات المتحدة ما لا يقل عن 800 قاعدة عسكرية في 80 بلداً، ويتمركز فيها حوالي 130,000 من العسكريين الأمريكيّين في جميع أنحاء العالم، وهي اليوم مضطرة إلى نقل عدد كبير من هذه القواعد إلى آسيا لمحاصرة الصين التي تراها الولايات المتحدة عدواً رقمه واحد في العالم. وبالمناسبة، لا يحمل خطاب ما يسمى بـ«الاشتراكية الديمقراطية»، مثل بيرني ساندرز وغيره من اليسار الموجود في الحزب الديمقراطي، أية إشارة جدَّية إلى وقف النزعة العسكرية والحروب، ولا حتى إشارة إلى ضرورة تقليص ميزانية الجيش بشكلٍ كبير. إن الأغلبية الساحقة من المرشحين «الديمقراطيين» لا يذكرون الحروب والموارد الهائلة التي سيتم تحريرها في حال أنهينا النزعة العسكرية.

«الاشتراكية أو البربرية»

هنالك إمكانية واقعية جداً لانعدام شروط الحياة على الأرض، نتيجة الهجوم الرأسمالي على البيئة الذي يجعل أجزاءً كبيرة من العالم غير صالحة للسكن. إن شعار «الاشتراكية أو البربرية» ليس شعاراً فارغاً. وكل شخص تحت سن الثلاثين لديه بعض الإحساس بذلك. لكن جيل الألفية الجديدة لا ينبغي عليه أن يُعيد اختراع العجلة، لأنه، إلى جانب ذلك، الجيل الأكثر تسييساً والأكثر معاناة خلال قرن كامل. المهمة هي أن يكون كذلك الجيل الأكثر تنظيماً.
وثمة الكثير من المؤشرات الجديدة على نضال الطبقة العاملة. كالنضال من أجل الحد الأدنى للأجور الوطنية البالغ 15$ في الساعة، ويتم حشد الشباب أيضاً للمطالبة بوضع حدٍّ للعنف المسلح، ولوحشية الشرطة وقضايا أخرى كثيرة. كما يقوم المدرسون النقابيون بإضرابات ناجحة تهدف إلى لجم السياسات النيوليبرالية في الميدان التعليمي. وعلى هذا النحو، باتت الإضرابات عموماً أكثر تواتراً، كالإضراب الذي يجري ضد شركة جنرال موتورز.
إن التحدِّي المستمرّ للطبقة العاملة في كل دولة هو تعزيز قدراتها النضالية من أجل معارضة الرأسمالية والإمبريالية الأمريكية، وخلق الظروف المواتية للانتقال نحو الاشتراكية. وفي هذا الإطار، يتحتَّم علينا أن نطور بشكلٍ جماعي علم الماركسية- اللينينية، وأن نكتسب البصيرة من تجربتنا المشتركة مع الطبقة العاملة في النضال.
يجب علينا أن ننظم شبكة عالمية مناهضة للإمبريالية والإجراءات النيوليبرالية، بما في ذلك سياسات رأس المال المالي. كما ينبغي أن نعمل بشكلٍ جماعي لدعم الإضرابات العمالية، والحركات البيئية الرافضة للتدمير الممنهج الذي يتعرض له الكوكب.

معلومات إضافية

العدد رقم:
939
آخر تعديل على الإثنين, 11 تشرين2/نوفمبر 2019 11:43