سباق تحالفات لتأمين مضيق هرمز، فمن الرابح؟
رشا النجار رشا النجار

سباق تحالفات لتأمين مضيق هرمز، فمن الرابح؟

في ظلّ التوترات المستمرة في منطقة الخليج إثر هجمات «أرامكو» الأخيرة، وما سبقها من حرب للناقلات البحرية في مضيق هرمز، سارعت الدّول المعنية لتقديم اقتراحاتها بشأن تأمين الملاحة البحرية في الخليج العربي، حيثُ يمرّ ثلث النفط المنقول بحرياً في العالم من هذه المنطقة، وتحديداً من مضيق هرمز الذي يوصف بأنه أكبر ممرّ مائي.

فبعد التحالف الذي أعلنت عنه واشنطن، طرح الإيرانيون ضمن أروقة الأمم المتحدة «مبادرة هرمز للسلام»، أو ما عُرف باسم «تحالف الأمل» والذي يقضي بإجراء تحالف دولي لضمان الأمن في منطقة الخليج، يضم كلاً من: إيران والسعودية والعراق والبحرين والإمارات وقطر وعمان والكويت، على أن تنضّم اليمن إليه بعد انتهاء الحرب فيها، وذلك برعاية الأمم المتحدة، فهل سيحقق «تحالف الأمل» الإيراني الآمال في إحداث الهدوء والاستقرار في المنطقة؟

ردّاً على تحالف واشنطن

أتى الإعلان عن المبادرة الإيرانية لإنشاء التحالف، في الوقت نفسه الذي تبذل فيه الولايات المتحدة الأمريكية جهوداً حثيثة لإقناع بعض الدول بالانضمام إلى تحالفها الذي أعلنت عن تشكيله في التاسع من شهر تموز، إثر حرب الناقلات التي حدثت في مضيق هرمز، وأدّت إلى مزيد من التوتّر بين واشنطن وإيران. ومنذ قرابة الشهرين إلى الآن، ومن أصل 62 دولة مدعوّة، لم تستجب إلى المبادرة الأمريكية إلّا بريطانيا وأستراليا والبحرين! لحقت بهم السعودية مؤخراً بعد الهجمات التي استهدفت منشآت نفطية في «أرامكو» واتّهام إيران بتنفيذ هذا الهجوم.
وعلى اعتبار أنّ الألعاب الأمريكية ورسائلها المبطّنة باتت مكشوفة للصغير قبل الكبير، ونظراً للتبعات الخطيرة التي يمكن أن يشكّلها التحالف الأمريكي (إن نجح) على المصالح الإيرانية، قامت إيران باقتراح هذه المبادرة التي تعكس رغبة إيرانية بالاستقرار، وهذا ما يتنافى مع القول بأنّ إيران هي السبب في زعزعة الأمن في المنطقة، إذ إنّه وبالمنطق ليس من مصلحة دولة كإيران زرع بؤر توتر حولها، بل هذا بالضبط ما يصبّ في مصلحة الولايات المتحدة.

المبادرة الفرنسية

بالتوازي مع المبادرتين- التحالفين، اللذين دعت لكل منهما على حدة، إيران والولايات المتحدة، ظهرت إشارات وملامح عن مبادرة ثالثة فرنسية تقدم نفسها كحل ثالث أو كحل وسط... ولكن كما هي المبادرات الفرنسية بما يخص سورية ومناطق أخرى في العالم، تبدو هذه المبادرة «شأناً فرنسياً» أكثر منه شأناً دولياً؛ بكلام آخر، فإنّ فرنسا تسعى للعب أدوار سياسية متقدمة عبر «التوسط» بين واشنطن وبين المعسكر المضاد لها شرقاً، ولكن الوزن الفعلي لفرنسا، ووزن الأفكار التي تطرحها، سواء بما يتعلق بإيران أو بسورية أو بغيرهما من القضايا، يجعل الأفكار الفرنسية دائماً حبيسة الكواليس، وبعيدة عن التطبيق العملي، ناهيك عن كونها في الجوهر أقرب إلى طروحات واشنطن نفسها في معظم الحالات.

هل سينجح التحالف الإيراني؟

لا يزال من المبكّر الإجابة عن هذا السؤال، ولكن بالنظر إلى الخيارات المتاحة، وبأخذ الهدف الحقيقي من هذه التحالفات بعين الاعتبار، يبدو أنّ هذا التحالف هو الأوفر حظوظاً، وخصوصاً، أنّه لا يصبّ في مصلحة إيران وحدها، بل وكذلك في مصلحة دول الخليج. ولكن يبقى تنفيذه رهن موافقة هذه الدول والمجتمع الدولي عليه، وعلى الرغم من رفض السعودية له وانضمامها إلى حلف واشنطن، إلا أنّ ارتفاع حجم الابتزاز الأمريكي للسعودية إلى الحدود القصوى، بالتوازي مع المأزق اليمني الذي تحول من مغامرة غير محسوبة، إلى كابوس مؤلم بالنسبة للسعوديين، أضف إلى ذلك ارتفاع درجات التقارب السعودي مع الصين وروسيا، كل ذلك يترك الباب موارباً أمام الاحتمالات جميعها.

كلمة السر

إنّ دراسة المبادرات الثلاث في ضوء الوقائع ودرجة العداء والتوتر المرتفعة، تدفع إلى القول إنّ أياً منها لن تنجح في القريب العاجل. مع ذلك، فإنّ الميزة المطلقة ربما للفكرة المطروحة إيرانياً هي استنادها إلى ضرورة تولِّي الدول الإقليمية المعنية مباشرة بمضيق هرمز مسألة تأمينه، وبعيداً عن سطوة وتلاعب وتدخلات قوى ودول بعيدة، وخاصة الولايات المتحدة. إنّ هذه الفكرة، وفي ظل التحول العالمي الكبير باتجاه اللاقطبية، وباتجاه إنهاء عالم (مركز- أطراف) ذي الجوهر الاستعماري، هي فكرة قابلة للحياة، ربما ليس تحت الشعار نفسه أو الاسم نفسه الذي طرحته طهران، وربما بتفاصيل مختلفة، ولكن بالجوهر نفسه: تحالف يضم الدول المطلة على الخليج ومضائقه، ويضمن مصالحها، ولا يخضع للتبعية تجاه أي من الدول العظمى أو القوى الدولية من خارج المنطقة...

معلومات إضافية

العدد رقم:
933
آخر تعديل على الإثنين, 30 أيلول/سبتمبر 2019 15:00