منسوب المستنقع السعودي يزداد برميلاً
يزن بوظو يزن بوظو

منسوب المستنقع السعودي يزداد برميلاً

دخلت السعودية بقيادة ولي عهدها الجديد محمد بن سلمان أزمة جديدة إثر حادثة اختفاء ومقتل الصحافي جمال الخاشقجي في قنصليتها في تركيا، مما جعلها العنوان الأول في حربٍ بين مختلف وسائل الإعلام طيلة أسبوعين مضيا، بين مدافع ومهاجم، وصولاً إلى توترٍ في العلاقات السعودية- الأمريكية، فما القصة وما آثارها؟

على العكس من واشنطن، حيث قدوم ترامب إلى «الواجهة» حدثٌ طبيعي ضمن سياق التراجع الأمريكي ووليد عنه، أتى الأمير محمد بن سلمان بسياساته فرضاً على الواجهة، لتصطدم أحلامه مع وقائع معاكسة لها وتزداد التناقضات السعودية داخلياً وخارجياً أكثر، وأيضاً على العكس من ترامب الذي جاءه الهجوم منذ ترشحه للرئاسة، فإن ولي العهد هذا ساندته قوى الإعلام العربية والغربية بدعاياتها وترويجها له ولعهدٍ سعودي جديد، لتندار تدريجياً على الجانب الآخر منتقدةً لها ولمختلف القضايا التي تُسجل عليهم، وكان آخرها حادثة الاغتيال.
سُمعة العائلة الملكية «النظيفة»
منذ ظهوره، بدأ ولي العهد بـ «تصفية الحسابات» مع معارضيه وممن يشكلون تهديداً له ولـ«سمعته»، حيث أقال العديد من المسؤولين السعوديين، وبعضهم لا زال قيد الاعتقال منذ ذلك الحين، أحدهم كان الخاشقجي الذي دخل القنصلية السعودية في 2 تشرين الأول وقُتل هناك... الخاشقجي–خصوصاً بعد خروجه نهائياً من السعودية في فترة الخلاف السعودي القطري- أصبح شخصية صحافية معروفة في المجتمع الغربي، وكان له عمودٌ في صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية، وقد عُرف بمعارضته للسياسات السعودية سواء داخلياً في البلاد أم خارجياً، مما يؤثر على اسم وسمعة العائلة الملكية السعودية وولي عهدها الجديد التي يحاولون تلميعها أمام المجتمع الغربي والرأي العام.
انتهاء مدة الصلاحية
سلوك الخاشقجي ومعارضته هذه لا تعني براءته، فقد كان على توافق مع التيار «الإخواني» عموماً، وكان على مقربة من النظام السعودي والعائلة المالكة على طول الخط، إلى ذاك الحد الذي أجرى فيه لقاءات صحافية مع «بن لادن»، إضافة إلى إرساله إلى «إسرائيل» لحضور مؤتمرات يكون من خلالها أحد القنوات السعودية- »الإسرائيلية»، ثم وعلى إثر الخلاف السعودي- القطري خرج الخاشقجي من بلده نهائياً، وبدأ بالعمل على ضرب السعودية لصالح القطريين والأتراك، مما أشعر السعوديين وحليفهم الأمريكي بالخطر منه لما يمتلكه من معلومات حول العلاقات السعودية-الإسرائيلية- الأمريكية وقنوات اتصالهم، لتصبح «تصفيته» أمراً ضرورياً لهذه الأطراف.
مادة دسمة بتوابل مُضحكة
أول تصريح سعودي كان أن الخاشقجي قد غادر القنصلية، ثم وبعد تأكيد السلطات التركية على عدم مغادرته، قالت السعودية بأنه توفي إثر «شجار»، لتعود الشرطة التركية بالقول بأنه اعتقل هناك وعُذب حتى الموت، ولديها تسجيلات صوتية ومرئية تثبت صحة ذلك وما وإلخ، ولكن بين هذا وذاك من التصريحات الرسمية خرج وابل من التحليلات الإعلامية بين معسكرين، أحدهم مدافع عن تورط السعودية، وآخر مهاجم لها وصل إلى حد يدعو للسخرية من سيناريوهات عن اختفاء الخاشقجي وبراءة السعودية، فهذا الحدث يشكل «مادة دسمة» لمختلف الأطراف تصطاد بها بشكل سطحي وتحريضي على العائلة المالكة السعودية وصولاً إلى ترامب.
إلّا مصدر ثروتنا!
ترامب بدوره قبل بالرواية السعودية حول وفاة الصحفي إثر «شجار»، ولكن هذه الرواية الساذجة وقبوله هذا أعطى أعداءه سلاحاً إعلامياً ينتقدونه خلالها بضراوة، مما دفعه لاحقاً بأن يرفع حدّة لهجته ويهدد السعودية وعائلتها المالكة بحال أثبتت التحقيقات تورطها في الجريمة، إن المعركة هنا هي معركة تجييش الرأي العام ضد تبريده، ولكل طرف به مصلحته، فالأتراك والقطريون كحلف من جهة على خلاف مع السعودية، والإيرانيون من جهة أخرى، والقسم المتشدد من الإدارة الأمريكية وجد حدثاً جديداً يصعّد به ضد ترامب والسياسة الأمريكية الجديدة «نحو الانكفاء»، فمن جملة هذه الضغوط أن تقوم واشنطن بفرض عقوبات على السعودية مما سوف يؤثر على العلاقة بين البلدين، الأمر الذي يتجنبه ترامب لما تشكله السعودية من حليف في المنطقة من جهة، ولما فيها من ثروة من جهة أخرى.
إلّا مصدر وزننا... ولكن؟
في المقابل، تخشى الرياض أيضاً من هذه الضغوط ومدى تأثيرها على العلاقات السعودية- الأمريكية رُغم كل الابتزاز الأمريكي لها، فقد قالها ترامب «مازحاً» في وقت سابق للملك سلمان على حد تعبيره «أنه لن يظل في الحكم لأسبوعين من دون دعم الجيش الأمريكي»، لتهدد السعودية بطرق غير رسمية عبر إعلامها، ومنها: مدير قناة «العربية» تركي الدخيل بمقال فحواه أن للسعودية خيارات وإجراءات تتخذها بحال وُقّعت أيّة عقوبات على السعودية، منها كمّ إنتاج النفط وتصديره وسعره، وعن وقف شراء الأسلحة الأمريكية والبدائل المتوافرة لها مشيراً إلى روسيا والصين، وعن تقارب العلاقات السعودية- الإيرانية، وغيرها من الأمور التي تشكل تهديداً للحليف الأمريكي في المنطقة وبئر أمواله، وعلى المقلب الآخر اتخذت السعودية إجراءات داخلية نتيجة الضغوط صدرت عن الملك بإقالة المستشار في الديوان الملكي سعود القحطاني ونائب رئيس الاستخبارات العامة أحمد عسيري من منصبهما على خلفية مقتل الخاشقجي كشمّاعات للقضية.
إجراءات مُسبقة
وعلى إثر هذه التوترات الحاصلة في العلاقة السعودية- الأمريكية، والضغوط نحو عقوبات اقتصادية، اتخذ عدة رجال أعمال احتياطاتهم مسبقاً، وبدأ بعضهم بالانسحاب من المشاريع والاتفاقات الاقتصادية مع الرياض، ففي 11 تشرين الأول أعلن رجل الأعمال البريطاني، ريتشارد برانسون، تعليق عمله في إدارة مشروعين سياحيين في «مشروع نيوم»، وأن تعلق شركته محادثات مع «صندوق الاستثمارات العامة السعودي» تتعلق باستثمارات تقدر بمليار دولار، كما أعلن سام ألتمان رئيس شركة «واي كومبيناتور» تعليق مشاركته في المجلس الاستشاري لمشروع «نيوم»، بالإضافة إلى إعلان عدة مؤسسات إعلامية مقاطعتها مؤتمر مستقبل الاستثمار في السعودية.
التغيير استحقاق آتٍ، فبأي شكل؟
بغض النظر عن أسباب وذرائع مقتل الخاشقجي ومن يقف خلفها، إلّا أن هذا الحدث مع تبعاته أضاف درجة أخرى على واقع الأزمة السعودية داخلياً فيما يتعلق بدرجة الاحتقان الحاصل هناك وداخل العائلة المالكة أيضاً، حيث إنه من غير المستبعد أن يبدأ البحث عن بديل لمحمد بن سلمان، كما أضافت تعقيداً جديداً في علاقاتها مع واشنطن بعد كل الابتزازات السابقة التي تدفع بالسعودية جدّياً للبحث عن بدائل للأمريكي المتأزم، ناهيك عن أزمتها الإقليمية اليمنية، فإما أن يحدث انفجار يطيح بهذه السياسات السيئة، أو أنه بمعجزة ما «تتعقل» الإدارة السعودية، وتبدأ بالتكيف مع الميزان الدولي الجديد متقبلة خسائرها وخسائر حلفائها، وتندار في علاقاتها شرقاً مع روّاد الميزان الجديد الروس والصينيين، وتدخل في دائرة الحلول السياسية والحوار في مختلف الملفات اليمنية والإيرانية والسورية لتخرج من مستنقعها قبل أن تموت غرقاً.