طريق الخلاص التركي
عليا نجم عليا نجم

طريق الخلاص التركي

تتوالى تبعات الخلاف التركي- الأمريكي نتيجة للأزمة التي تفجرت بداية الشهر الماضي، والتي نجم عنها فرض عقوبات أمريكية على أنقرة، مما زاد من حدة الأزمة الاقتصادية التركية مؤدية إلى تراجع في قيمة عملتها المحلية بنسبة 40%.

في ظل التغيرات الجارية على صعيد الموازين والعلاقات الدولية، جاء الغضب الأمريكي على تركيا ليكون له أثر في تسريع بعضٍ من تلك المتغيرات، فتركيا القلقة والمترددة سابقاً في الانفكاك من التبعية الغربية والتوجه شرقاً، لم تترك لها العقوبات الأمريكية خياراً آخر، ويبدو أن أقطاب الشرق الصاعدة هي أيضاً تعطي أنقرة الدفع اللازم اتجاه حسم هذا الخيار في لحظة تبدو مفصلية، فهل ستكون تركيا على قدر التقاط هذه اللحظة خلال المرحلة القادمة؟
أمريكا تقوي خصومها
تستمر الولايات المتحدة من خلال سياساتها الابتزازية والعدائية اتجاه الدول الأخرى بدفع خصومها نحو مزيدٍ من التحالف والتعاون في إيجاد البدائل، فأنقرة اليوم كما ترى الكثير من التحليلات في حالة بحثٍ عن بديلٍ جيوسياسي يؤمن لها الخروج من أزمة قد تكون مفاعيلها خطيرة على الاستقرار الداخلي. الأمر الذي يدفعها بشكل موضوعي إلى التقارب مع روسيا وإيران والدول الأوروبية، كمصلحة مشتركة للوقوف في وجه الضغوطات الأمريكية التي تتعرض لها هذه الأطراف الثلاثة.
هذا التقارب ينعكس بدوره سلباً على أهم أدوات الهيمنة الأمريكية، ويسرع من مشروع التخلي عن الدولار كعملة عالمية، وهو ما تحدث عنه أردوغان مؤخراً خلال مشاركته في منتدى الأعمال التركي القرغيزي المنعقد في العاصمة القرغيزية بشكيك: أن بلاده تعتزم التخلي عن الدولار في مبادلاتها التجارية مع روسيا وإيران، وهو ما يعني أمريكياً تجاوزاً للخطوط الحمراء.
فرصة الشرق الذهبية
إن الموقع الجيوسياسي التركي يتيح لها فرصة الاستفادة من الصعود الروسي الصيني والتعاون الإيراني، كما أن الانفكاك من التبعية وتحدي الهيمنة الأمريكية سيكون– رغم عدم رضى الأمريكي ومحاولات الإعاقة- أمراً مربحاً على المدى البعيد كخيار استراتيجي، وخاصة مع ازدياد كتلة الدول المتوجهة نحو الانفكاك عن المنظومة، كخيار لا راد له.
إن التوازن الدولي الجديد، الذي فيه أقطابٌ صاعدة تتفوق على واشنطن في مناحٍ عدة، مثل: روسيا والصين ومحور الشرق عموماً، يتيح طريقاً يكون التوجه نحوه خلاصاً، وهو ما تبدّى لتركيا مؤخراً بعدما أعلن مدير الهيئة الاتحادية الروسي للتعاون التقني، دميتري شوغايف، أن منظومة الدفاع الروسية «إس– 400» سيتم تسليمها لتركيا بحلول منتصف عام 2019، بعد ما كان مخططاً له أن يتم في عام 2020، حيث عُجل موعد التسليم بناءً على طلب الجانب التركي.
القليلون حول أمريكا
من جهة أخرى، وفي تحدٍ واضح للرغبة الأمريكية، وفي ظل الخلاف الأوروبي الأمريكي المتنامي، أبدت الصين انفتاحها على مشاريع جديدة كبيرة مع تركيا، وتعهدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، بدعم الاقتصاد التركي، وقالت: إن لدى ألمانيا «مصلحة استراتيجية» في تطوير علاقات اقتصادية سليمة مع أنقرة، كما وعدت قطر باستثمارات مباشرة في تركيا تبلغ 15 مليار دولار.
لا يزال الوضع التركي مقلقاً رغم الإجراءات التي اتخذتها الحكومة من رفع سعر الفائدة، وتدخل البنك المركزي، لكن هذه الإجراءات لم تنجح في وضع حد لتفاقم الأزمة، وهو الثمن الموضوعي الذي تدفعه أنقرة اليوم نتيجة السياسات الليبرالية المطبقة، والتي أسست لارتباطات عميقة مع منظومة الدولار على الصعيد الاقتصادي والمالي، أما الحل فيبقى مرهوناً باستكمال القطع مع تلك المنظومة والاستفادة من الميزان الدولي الجديد، وبناء الأدوات القادرة على تحقيق الاستقلالية التركية بالاعتماد على ثرواتها الوطنية، وإلّا الدوران في دوامة لا تنتهي من الأزمات.

آخر تعديل على الإثنين, 10 أيلول/سبتمبر 2018 14:05