فوق المرتفعات الصخرية الكندية قمة الثماني تقفز إلى الأمام بمشاكل العالم

بعد خطاب عُرفت أهدافه مسبقاً، وأطيل في عمر انتظاره، وهو المتعلق برؤيته لتسوية أوضاع الشرق الأوسط، ووصف حتى لدى بعض الأوساط الإسرائيلية بأنه كتابة شارونية نطق بها بوش، عمل هذا الأخير على تحصيل دعم من شركائه في مجموعة الثمانية الملتئمة في كندا لرؤيته «الشرق أوسطية» القائمة على المزيد من الضغوط والإملاءات التعجيزية على الفلسطينيين وقياداتهم وحركاتهم المقاومة تحت لواء الانتفاضة الفلسطينية التي يراد وأدها أمريكياً وإسرائيلياً ضمن الهستيريا الأمريكية المسماة مكافحة الإرهاب ومصادر تمويله…


وفور وصوله إلى منتجع كاناناسيكس المعزول في قمم الجبال الكندية كرر بوش في تصريحات صحفية مضامين خطابه الذي اشترط تغيير رئيس السلطة الفلسطينية وتغييبه من أي مفاوضات محتملة بعد إجراء انتخابات وإصلاحات في جسد هذه السلطة التي ستتفاوض بعد ثلاث سنوات (تكون ملائمة عملياً أمام الآلة الحربية الإسرائيلية للمضي أكثر في حرب إبادة الشعب الفلسطيني) على الحدود النهائية لدولة فلسطين المفترضة بحسب هذه الرؤية، إلى جانب بقية الملفات الشائكة في قضية الصراع العربي الإسرائيلي الذي يُختزل أمريكياً بوصفه صراعاً فلسطينياً إسرائيلياً مع تجاهل قضيتي اللاجئين والقدس ودون المطالبة بأي وقف للعمليات العدوانية العسكرية التي يقوم بها جيش الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني…

وبينما قوبلت سياسة التدخل الأمريكية في شأن انتخاب القيادات الفلسطينية التي تنحصر بإرادة الفلسطينيين بتحفظات واعتراضات من جانب البلد المضيف وفرنسا على التوالي وبـ«بصم بالعشرة» من جانب بريطانيا مثلاً، يبدو أن بوش أراد إلى جانب إبراز رؤيته سيئة الصيت لأوضاع المنطقة إلى واجهة مناقشات القمة وبيانها الختامي تجنب الخوض في بنود الجدول الأساسي لأعمال هذه القمة.

وتسربت أنباء من أروقة القمة تقول إن بوش لا يريد التراجع أمام ضغوط نظرائه المتعلقة بأوضاع الاقتصاد العالمي والتجارة ولاسيما لجهة القيود الجمركية التي تفرضها واشنطن حتى على حلفائها بين حين وآخر خلافاً لمبادئ التجارة الحرة التي تروج لها في منظمة التجارة العالمية، أو تلك المتعلقة بموضوع المساعدات الخارجية من قبل المجموعة الصناعية الأغنى في العالم وعدم كفاية المساهمة الأمريكية فيها بحسب شركاء بوش…

الولايات المتحدة التي تنتظر ما يسميه المسؤولون الأمريكيون تعاوناً ممتازاً من مجموعة الثمانية في موضوعة مكافحة الإرهاب التي تتبناها واشنطن ببيانات ومصطلحات مفصلة بحسب قواميس المصالح الأمريكية تشترط تقديم مساعداتها الخارجية بتحسين النظم السياسية والاقتصادية للدول النامية في حين سعى بقية المؤتمرين إلى تخصيص 50% من المساعدات المقرر رفعها إلى 15 مليار دولار للدول الأفريقية التي دعي ممثلون عنها لحضور بعض اجتماعات قمة كاناناسكيس…

وفي حين ما زال البيت الأبيض ما بعد أيلول يسعى إلى استصدار بيانات وإجراءات مشتركة، من جانب القمم التي يحضرها بشكل مباشر أو غير مباشر، حول ما يسميه الحرب ضد الإرهاب، ومؤخراً، الحد من انتشار الأسلحة وسلامة وسائل النقل، عملت بقية الأطراف المجتمعة في كندا على عدم دخول مواجهة صريحة مع واشنطن ولاسيما بخصوص الشرق الأوسط، بما يبعد المنطقة عملياً عن أفق أي حل حقيقي ومستدام لأزمتها بمعنى الانسجام مع مقتضيات إعادة الحقوق لأصحابها الحقيقيين في فلسطين وسورية ولبنان على حد سواء…

وعليه، وعلى الرغم من أن القمة الأوربية الأخيرة دعت إلى قيام دولة فلسطينية ضمن حدود 1967 مع وقف الاعتداءات الإسرائيلية، فقد التفت شركاء بوش إلى مباركة رؤيته مع إبداء بعض التحفظات إلى جانب التركيز على اتخاذ تدابير من شأنها تأمين المزيد من سلامة الرحلات الجوية الدولية والسكك الحديدية معلنين استعدادهم للموافقة على إعلان مبدئي غير ملزم حول انتشار الأسلحة الكيميائية والنووية والبيولوجية وذلك في وقت تتنصل فيه واشنطن كل يوم من الاتفاقات الدولية الملزمة أساساً كاتفاق كيوتو الحراري أو الانسحاب من معاهدة الصواريخ المضادة للصواريخ…

ورداً على ذلك كله وبعيداً عن المرتفعات التي لم يصل إليها قادة الدول الثمان إلا بالحوامات، وسط اكبر عملية أمنية شهدتها كندا وتضمنت نشر الآلاف من عناصر الجيش والشرطة المعززين بالدبابات والمضادات الأرضية الصاروخية للطائرات، استمرت قبيل انعقاد القمة وخلالها التظاهرات والتجمعات والندوات الشعبية الموازية والمناهضة للعولمة وذلك تحت شعار «قمة الشعب: مجموعة المليارات الستة» حيث تمت مناقشة مواضيع تدرجت من البيئة والتنوع الحيوي في ظل السياسات الاحتكارية وصولاً إلى مفرزات العولمة مروراً بخطر الحركات المتشددة وسياسات الإفقار التي تعتمدها دول الشمال الغني واحتكاراتها ضد دول الجنوب بما يكرس غياب العدالة وتكافؤ الفرص في العالم…

وبينما حظرت الحكومة الكندية على المتظاهرين وعدد كبير من الصحفيين الوصول إلى مكان انعقاد القمة الرسمية الذي تم انتقاؤه في المرتفعات الصخرية بهدف واضح يرمي إلى تجنب الاحتجاجات من قبل أنصار الحركة الدولية أكد المتحدثون باسم القمة الموازية أن أوتاوا عرقلت أعمال اجتماعاتهم موضحين أن خمسة فقط من أصل ستين مندوباً حصلوا على تأشيرات دخول إلى كندا، في حين شرح أحد المدعوين وبإثباتات تفصيلية، وهو أمريكي صاحب نشرة معلومات على شبكة الانترنت تُقرأ في أكثر من 30 بلداً، أن إدارة بوش كانت على علم بالتحضيرات الخاصة بعمليات الحادي عشر من أيلول.

معلومات إضافية

العدد رقم:
178