الهراوة الأمريكية الغليظة تلوح بالضرب... !!

كانت الزيارة التي قام بها وليم بيرنز، مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط لسورية استمراراً لنهج الهراوة الغليظة الذي تتبعه واشنطن نحو سورية. وكانت بداية هذه السياسة، الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الأمريكية كولن باول لسورية في أيار من العام الماضي وقدم لها طلبات خطية لتنفيذها لا لمناقشتها.

دبلوماسي بيده هراوة

لقد جاء بيرنز إلى سورية، وهو الدبلوماسي، وبيده هراوة يهدد بها سورية لتنفيذ مطالب الحكومة الأمريكية، وكان البيان المعد سلفاً والذي قرأه على الصحفيين بحضور وزير الخارجية السوري فاروق الشرع، مصاغاً بلهجة الوعيد والإنذار، محذراً فيه سورية من التدخل في الشؤون اللبنانية والعراقية. كما طالب بتوقف سورية عن دعم «أفراد» أو «منظمات» تسهل الإرهاب حسب ادعائه، وأكد أن الوقت قد حان لعمل ملموس لا الاكتفاء بإطلاق الشعارات، وذلك لـ «مصلحة سورية» ولاحظ الصحافيون أن البيان تكررت فيه كلمة «ينبغي» عدة مرات والتي تدل على الإملاء والإجبار.

ظروف الزيارة

لقد جاء بيرنز إلى سورية وهو يستند إلى عدة قرارات:

1 ـ قرار الكونغرس الأمريكي حول «قانون معاقبة سورية» والذي يتضمن تهديدات وعقوبات اقتصادية.

2 ـ قرار مجلس الأمن ذو الرقم 1559 و الذي يشمل المطالب الأمريكية في قانون محاسبة سورية، وبخاصة طلب مغادرة القوات الأجنبية للبنان أي القوات السورية.

3 ـ الجيش الأمريكي ا لذي يحتل العراق، وخصوصاً القوات الأمريكية التي نقلت من كوربا الجنوبية ووضعت على الحدود العراقية السورية باسم منع تسلل المقاتلين الأجانب إلى داخل العراق، إن هذه القوات هي في الواقع أداة لتهديد سورية في أي وقت تقرر الإدارة الأمريكية تنفيذ مخططها المرسوم للسيطرة على منطقة الشرق الأوسط، قبل أحداث 11 أيلول، وهذا يعني أن سورية ستظل على خط التماس مع الولايات المتحدة.

4 ـ دخول الاتحاد الأوروبي على الخط إلى جانب واشنطن في تهديد سورية وخصوصاً فرنسا الشريك الثاني في صياغة القرار 1559، أي أنه قرار أمريكي أوروبي مشترك قبل أن يتدثر بعباءة الشرعية الدولية. وهكذا يتأكد من جديد أن الدول الاستعمارية ليس لها صداقات دائمة بل مصالح دائمة.

إن هذه القرارات التي أتينا على ذكرها هي التي جعلت بيرنز يهدد علناً بأنه قد آن الأوان لـ«الخطوات الملموسة» لا «الشعارات» وبذلك تكون الولايات المتحدة قد انتقلت في الأسابيع المنصرمة من الاعتراض على الدور الإقليمي السوري إلى مرحلة تدفيع سورية ثمن التمسك بنهج الاعتراض أو الممانعة لأي خطط أمريكية تتعارض مع المصلحة السورية والعربية.

رد الفعل السوري

حاولت الجهات المسؤولة التقليل من شأن حدة اللهجة الأمريكية وتهديداتها، وسعت لاحتوائها بالإدلاء بتصريحات مطمئنة، وقد لخص مصدر سوري مطلع نتائج زيارة الوفد الأمريكي لدمشق بقوله: مفاصل الماكينة بدأت تعمل، وأن العلاقات السورية الأمريكية قد انتقلت من «حوار الطرشان إلى الحوار البناء» أي من الإملاء الأحادي الجانب إلى «الانخراط الثنائي» وهذا الانخراط يتضمن حسب المصدر المطلع على الكثير من النقاط منها:

• اجتماع باول بعد عشرة أيام بنظيره فاروق الشرع ضمن نطاق اجتماعات الأمم المتحدة.

• البحث في مشاركة سورية في اجتماعات الدول الثماني الكبرى مع دول جوار العراق وتشكيل لجان أمنية مشتركة.

ولكن السفير السوري في واشنطن عماد مصطفى اعترف أن مباحثات بيرنز لم تؤد إلى نتيجة ملموسة لأي مشكلة، إلا أن ماحصل ـ حسب قوله ـ كان خلق آليات لإيجاد حلول بناءه وخلاقة!!

هل هناك سياسة أمريكية جديدة؟

إن كل ماقيل لايستدل منه أن واشنطن وضعت سياسة جديدة للتعامل مع سورية، ويظهر أن سياسة «المعاقبة» لاتنفذ بالأسلوب الذي تصوره واضعو «قانونها» فأمريكيو الإدارة يفضلون الحصول على «تنازلات» من دمشق، داخلياً، وتنازلات خارجية حول العراق ولبنان وغيرها، كأفضل وسيلة لـ«معاقبتها» والأولوية الآن هي للعراق، حيث الأمور تتفاقم يوماً بعد يوم، وباعتراف بوش ووزير خارجيته باول فإن ثورة مسلحة مستمرة تنشب في العراق، وأن حرباً تخوضها قوات التحالف، وقوات الأمن العراقي ضد ما يسمونه «الإرهابيين» أي رجال المقاومة البواسل، ويريدون من سورية أن تكون ذلك الحارس الأمين للحدود العراقية لمنع تسلل «الإرهابيين» إلى داخل العراق وليسود الأمن في الداخل وتنام القوات الأمريكية على ريش النعام نوماً هانئاً لاخوف يطاردهم ولاموت يلاحقهم.

قرار أمريكي جديد ضد سورية

إن أي محاولة للتقليل من الخطر الأمريكي القادم أو تجاهله ماهو إلا خداع للنفس، وإن الإدلاء بالتصريحات المطمئنة المتفائلة سرعان ماتمحوها الأفعال الأمريكية، إذ لم تمض ساعات قليلة على تصريحات السوريين حتى كان مجلس النواب الأمريكي قد نسف ذلك التفاؤل نسفاً تاماً، فقد وافق المجلس بالإجماع على قرار يدين فيه، حسب ماجاء في القرار «الانتهاكات الفاضحة لحقوق الإنسان والحريات المدنية للشعبين السوري واللبناني، من قبل سورية» وحثت الحكومة الأمريكية على «دعم السوريين الناشطين في محال حقوق الإنسان» كما طالبت بإنهاء «الاحتلال» السوري غير الشرعي للبنان ووقف برنامج تطوير اسلحة الدمار الشامل ويأمل رعاة هذا القرار «غير الملزم» أن يكون تمريره مقدمة لتمرير قرار آخر ملزم باسم قانون «تحرير سورية ولبنان» على غرار قانون تحرير العراق، الذي ساهم في تحضير الأجواء لغزو العراق واحتلاله.

الاعتماد على الشعب فقط

 

إن سورية ليس أمامها إلا طريق اليقظة وتفتيح العين على الخطر الجاثم القادم، وإن الضمان الوحيد لصد أي عدوان محتمل هو الاعتماد على الشعب، وعلى الشعب وحده، وتوحيد جميع القوى الحية في البلاد في جبهة عريضة متراصة بعد إعطائه حقوقه السياسية والاقتصادية ـ الاجتماعية، والديمقراطية كاملة، وذلك في غياب أي قوة خارجية تدعمنا كما كان الحال عند وجود الاتحاد السوفييتي، وإن التصميم على الذود عن حياض الوطن هو التأكيد بأهمية المقاومة التي لابديل عنها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
230