فلسطين.. بين المقاومين والمساومين ومؤتمر فتح..

بغض النظر عن احتمالات تأجيله لأسباب مختلفة، يثير الإعلان عن انعقاد المؤتمر السادس لحركة فتح، يوم الرابع من آب المقبل، في مدينة بيت لحم في الضفة الغربية المحتلة، الكثير من التساؤلات المتعلقة بالحدث المرتقب، إجرائياً، وسياسياً- ايديولوجياً، بما يفترض أن يعيد على بساط البحث جوهر الجوهر في القضية الفلسطينية، والصراع العربي الصهيوني، بعد الأخذ بعين الاعتبار أن «فتح» هي القوة الرئيسية في منظمة التحرير الفلسطينية، وأنها هي من اعتمدت منذ تأسيسها في 1/1/1965 شعار الكفاح الفلسطيني المسلح «حتى التحرير»، عبر «قوات العاصفة» التي تشكل حتى اليوم الأساس لـ«كتائب شهداء الأقصى»، الجناح العسكري للحركة.

من الناحية الإجرائية، يُطرح أكثر من سؤال حول قدرة أعضاء الحركة في القطاع والشتات على حضور المؤتمر كون ذلك يرتبط بقدرة سلطة الرئيس محمود عباس و«أجهزتها» على استخراج «التصاريح» المطلوبة من سلطات الاحتلال الإسرائيلي لوصول المندوبين إلى المدينة المحتلة دون أن يكون ذلك مرتبطاً بـ«مزاجية» هذه السلطات وقوائم «تشطيبها» على «المطلوبين» لديها مثلاً. وهذا ما يرتبط بشكل مباشر بالتالي بالسؤال عن ضمان مشروعية انعقاد المؤتمر من ناحية «النصاب العددي»، ناهيك عن إعطاء الفصل الجغرافي بين الضفة والقطاع، على يد سلطات الاحتلال والمئات من حواجزها العسكرية والأمنية، بعداً سياسياً حزبياً، ولكن بأياد فلسطينية هذه المرة.
وحسب هذا السيناريو، فإن الأمر يتعدى احتمالات «تقزيم» المؤتمر من الناحية «الشكلية» التمثيلية العددية، بقرار من القيادة المتنفذة الكمبرادورية في فتح، وبأدوات إسرائيلية، إلى ما هو أخطر منه بكثير، لجهة ما سينجم عن هذا «التقزيم» بالمعنى السياسي والإيديولوجي، وانعكاساته على القواعد الفتحاوية الكفاحية، وعلى مجمل الحراك السياسي الفلسطيني من قبل وداخل الفصائل الفلسطينية جمعاء، بمعنى إحداث المزيد من البلبلة والانقسام، ليضافا فوق استعصاء «الحوار الوطني الفلسطيني»، وبوادر الشقاقات العميقة داخل قيادة فتح ذاتها (القدومي- عباس).

بالفعل، وبعد إصرار مجموعة عباس الكمبرادورية، على عقد المؤتمر في بيت لحم رغم كل ما ذكر أعلاه، وبعد الأخذ بعين الاعتبار جملة السلوك «العباسي» بخصوص مختلف المسائل وعلى مختلف الأصعدة، بدأت تثار الكثير من الأسئلة المتعلقة بالرؤيا والخطاب والممارسة التي ربما تريد قيادة فتح في رام الله فرضها من خلال مؤتمر هزيل عددياً، ضعيف كادرياً، بعد تصوير مجرد انعقاده «نصراً مبيناً» في ظل «العقبات التي فرضها الاحتلال»، وتغييب معاني عقده أصلاً في «كنف» الاحتلال، وما يترتب على ذلك. وأهم الأسئلة هنا تتعلق بما ستقدمه قيادة عباس من مفاهيم حول مواقفها من «المقاومة» و«الاحتلال» و«حق العودة» و«يهودية دولة الكيان» و«توسيع منظمة التحرير الفلسطينية» و«جدار الفصل العنصري»، بموازاة أحاديثها ومطالبها «التقليدية» حول «المفاوضات» و«القدس» و«الاستيطان» و«حصار غزة» و«ملف الأسرى»!!؟
مؤتمر فتح، وكل القضية الفلسطينية، وجملة الطروحات السياسية من كل القوى الفلسطينية والعربية حول «القضية الأم» يجري تمريرها قسرياً «من اللاعبين الدوليين» بين حدين، يراد منهما تحديد لوحة إحداثيات الحراك والطرح السياسي المتصل بالأمر، يتمثل أحدهما بلجوء الرئيس الأمريكي باراك أوباما لاختزال أكثر من 60 عاماً من الصراع المستمر بمطلب «تجميد الاستيطان»، مع حديث خجول عن «حل الدولتين»، وثانيهما إمعان حكومات الاحتلال المتعاقبة على الأرض في فرض ما يسمونها «يهودية الدولة»، مع الإيحاء بوجود «صراع» مع واشنطن حول مطلب أوباما، بما يعني دفع «العربان» ليس فقط للتمسك بالسقف الجديد في انخفاضه، الذي يقدمه أوباما، بل لتلقف أي «فتات» ينجم عن أية «تسوية» بين «المطالبات البلاغية الأمريكية» و«الممارسات العملية التهويدية الإسرائيلية الابتلاعية» بهذا الخصوص، مما يعني في نهاية المطاف ضياع فلسطين بالكامل، بأهلها وقضيتها وضحاياها وشهدائها و...
من وجهة نظر ما يسمى بـ«الشرعية الدولية»، لا أكثر، فإن تغاضي «المجتمع الدولي» عن تسريب مقولة «يهودية الدولة» يتناقض مع كل «تبجحاته» نحو الترداد الببغائي «لحل الدولتين» (الذي تردده أيضاً، كل بطريقتها ومفاهيمها، قوى «المساومة» و«المقاومة» على حد سواء)، لأن «لاءات» نتنتياهو والممارسات الصهيونية التي تلغي كل مقومات الوجود الفعلي لـ«دولة فلسطينية» (على حدود 1967، أي أراضي الضفة والقطاع)، تعني منطقياً إلغاء «الأساس الشرعي» لوجود «الدولة الأخرى»، أي الكيان الصهيوني!
وعلاوة عليه، فإن أي تمعّن بين حدود 67، والواقع الفعلي اليوم يفيد بأن 360 كم² هي أراضي قطاع غزة محاصرة كلياً ولكن 42% من إجمالي مساحة الضفة الغربية البالغة 5500 كم² هي أراضي مقام عليها مستوطنات صهيونية، ناهيك عن الممارسات اليومية لتهويد القدس، عبر الاستيلاء على ما تبقى من المنازل والأراضي من خلال تفعيل «قانون الغائبين»، وصولاً إلى الطرد المنهجي لفلسطينيي «الغالبية العربية» من الأراضي المحتلة في عام 1948 عبر مختلف القوانين العنصرية، بما فيها طرح «تبادل الأراضي» مقابل إخلاء بعض من مستوطنات الضفة، إحياءً و«تطويراً» لمشروع «تهويد الجليل» الذي طرحه الصهيوني «يسرائيل كينغ» منذ عام 1976.
فعن أية حدود يجري الحديث، وعن أي مؤتمر هو «الأول على أرض الوطن» تتحدث قيادة عباس(؟) التي «تتغنى» بالتزامها بالشرعية الدولية، علماً بأن هناك قراراً آخر عن هذه «الشرعية» صدر في 29 تشرين الأول 1947، هو القرار 181 الذي أعطى الفلسطينيين 45% من إجمالي أراضي فلسطين التاريخية البالغة مساحتها 27 ألف كم²، وهو ما ينبغي أن يشكل الآن الحد الأدنى لمنطلقات عمل ونضال كل القوى الوطنية الفلسطينية والعربية، وفي مقدمتهم شرفاء حركة فتح، وهم كثر وإن كانوا مغيبين، وذلك في وقت لا ينبغي أن يغيب فيه عن البال أن جملة الأوضاع الإقليمية والدولية، ولاسيما إرادات الشعوب، تطرح على جدول البحث الجدي، وليس الطوباوي، كل مستقبل الوجود الفعلي للكيان واستمرار جرائمه.

معلومات إضافية

العدد رقم:
413