محمد الجندي محمد الجندي

تهديد خطير

ثمة تهديد يصدر بين الفينة والفينة من الأطراف العربية تجاه الإدارة الإسرائيلية: «إذا لم يحصل كذا أو كذا، يصبح السلام في خطر(؟)»، فإذا لم توقف إسرائيل الاستيطان، يصبح السلام في خطر(؟)، إذا لم توقف الاستيطان، فلا تفاوض(؟).

من قال أولاً، إن السلام في خطر؟ السلام يخيم في أمان الله على المنطقة الشرق ـ أوسطية، وإذا كان ثمة أخطار حربية، فمصدرها الإدارة الأمريكية، والعسكرية الإسرائيلية، لا الأطراف العربية، التي تقول جماعة للإدارة الأمريكية: «أمرك سيدي». وليس هذا الكلام في إطار التحريض لأي طرف عربي على الحرب، فحرب العاجز تأتي بالكارثة، لا بالتحرير. الحرب تحتاج إلى الاستعداد الشعبي والاقتصادي والاجتماعي قبل العسكري، طبعاً والعسكري، ولكن بصرف النظر عن أي كلام في الموضوع، السلام ليس في خطر، ولا تعصف به لا الأدبيات «المتطرفة»، ولا هذه العملية اليائسة أو تلك. الإدارة الإسرائيلية تبني الجدار ولا مقاومة، تصعد الاستيطان ولا مقاومة، تهدم البيوت المقدسية ولا مقاومة، تحتل الأراضي منذ 1967 ولا مقاومة، أين إذن الخطر على السلام؟ الخطر على السلام هو على الطرف العربي، لا على الطرف الإسرائيلي. ثانياً، من قال، إن الإدارتين الأمريكية والإسرائيلية تريدان السلام. إنهما تريدان فقط سلام القبور (؟) تريدان شرق أوسط جديداً، ممزقاً إلى مشيخات صغيرة، مجردة من السلاح، وتصول فيها إسرائيل وتجول استيطاناً، ونهباً اقتصادياً واستعباداً سياسياً. ذلك هو السلام الذي تريده الإدارتان الأمريكية والإسرائيلية، وهذا لا تستطيع الأطراف العربية تقديمه لا على طبق من فضة، ولا على طبق من قش، تستطيع فقط أن تمهد له، وهي تفعل ذلك. لكي تضمن الأطراف العربية السلام المنشود أمريكياً وإسرائيلياً، يجب أن تدمر أسلحتها، وأن تمزق بلدانها، وأن تفتح أبوابها لإسرائيل، وهي تفتح أبوابها، والبقية تقوم بها الإدارتان حرباً أو تخريباً، فما يقوم به التخريب قد يغني عن الحرب، التي قد تكون باهظة التكاليف.
دولة إسرائيل أقامها الاحتلال والسلام معها سلام مع الاحتلال، طبعاً ليس المقصود هنا أن السلام يقتضي الشعار القديم الأحمق في أربعينيات القرن الماضي، وهو «رمي اليهود في البحر»، بينما الخطر، الذي كان، والذي لا يزال قائماً هو «رمي العرب في الصحراء» (من دون بترول). إن السلام يقتضي أولاً وضع حد للعدوانية الأمريكية، وهذه مسألة دولية لا إقليمية، أما وضع اليد في يد الإدارة الأمريكية من أجل السلام للطرف العربي، فهو عمل ضد السلام، وهذا ما تفعله عملياً الأطراف العربية.
ويقتضي السلام للطرف العربي أن يضع حداً للعدوانية الإسرائيلية، وهذا يدخل جزئياً في وضع الحد للعدوانية الأمريكية، ولكن يستدعي أيضاً تعبئة شعبية عربية تشمل التعبئة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية، وهذا ما تفعل الأطراف العربية ضده تماماً.
التنفس برئة الإدارة الأمريكية هو نفسه تنفس برئة الإدارة الإسرائيلية، وهذا يساعد الاحتلال على التوسع وعلى الترسخ، وهذا ما نراه أمام أعيننا. تفاقم الاستيطان (أي الاحتلال)، تفاقم الإبادة للشعب الفلسطيني، تفاقم التراجع العربي سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.
طبعاً من الممكن التعايش، والسعي من أجل ذلك التعايش مع إسرائيل، ولكن إذا تحولت هذه من دولة احتلال إلى دولة شرق أوسطية، فهل يمكن هذا التحول؟ ممكن إذا انتفت الهيمنة الأمريكية من العالم، وهذا مستبعد ضمن الأوضاع الدولية الحالية. وضمن الأوضاع الدولية الحالية والأوضاع العربية تبقى إسرائيل دولة الاحتلال، وتبقى الإدارة الإسرائيلية، أردنا أم لا، طائفية ـ عرقية، عدوانية تريد كل شيء لها، الأرض، المياه، السيادة على المنطقة، تهديد الأمن لبلدان الشرق الأوسط ولشعوبها، وتهديد الحياة والبنى التحتية والمستقبل والمستويات المعاشية، تماماً. كما فعلت في غزة وفي لبنان، وربما لولا تصدي المقاومة اللبنانية الباسلة كان لبنان حالياً تحت الاحتلال، ورغم كل شيء لقمة الشرق الأوسط ليست سهلة على البلع لا إسرائيلياً ولا أمريكياً، ولكن عملية البلع جارية تخربياً وقواعد عسكرية واحتلالاً ونهباً ووضع شعوب المنطقة تحت كابوس كل ذلك.
السلام على الطرف العربي هو في خطر، سواء أوقفت الإدارة الإسرائيلية الاستيطان أم لا.. أصلاً هي لا توقفه حتى تستمر فيه، وسواء نجح الجمهوريون أم الديمقراطيون في تسنم الإدارة الأمريكية. ليست المسألة متعلقة بشخص السيد أوباما، الذي مهما تكن «مناقبه»، فـ«مناقب» إدارته تتبع الحزب الديمقراطي ولا تتبعه شخصياً.
السلام على الطرف العربي ليس منحة لا من الإدارة الأمريكية، ولا الإسرائيلية، وهو لايمكن أن يكون نتيجة تفاوض، مهما أوتي سياسيونا من المهارة الدبلوماسية.
السلام يتعلق بالواقع الموضوعي العربي، الذي إذا ما قيل الاحتلال يجعل السلام سلام احتلال، أو سلاماً في ظل الاحتلال، والذي ليحصل على السلام يجب أن يرفض الاحتلال، ولكن يجب في هذه الحالة أن يتغير 180 درجة، وأن ينتقل إلى مرحلة الدفاع عن النفس، ويقوم بمختلف مستلزمات الاستعداد لذلك، ويمد يده إلى بلدان العالم المتناقضة مع الاستعمار وإلى شعوب العالم، التي هي موضوعياً ضد الاستعمار.
المعادلة بسيطة: هل من الصعب أن يفهم المرء، أنه لا سلام لا مع الاحتلال، ولا في ظل الاحتلال؟

معلومات إضافية

العدد رقم:
414