إبراهيم البدراوي إبراهيم البدراوي

مصير مصر.. هل بات موضع تساؤل؟

ثمة خطر داهم يهدد مستقبل مصر، رغم أنه ليس الخطر الوحيد، فالأخطار الماثلة كثيرة.
أدركت مصر دوماً أن أمنها القومي يرتبط عضوياً بمحيطها العربي، وأدركت أيضاً أهمية الدائرة الأفريقية وتأثيرها الحاسم على الأمن القومي المصري. فمن قلبها يأتينا شريان الحياة أي النيل. ومن خلال هذا الإدراك ركزت ثورة يوليو 1952 على الدائرة العربية والدائرة الأفريقية وأضافت لهما الدائرة الإسلامية.

 

على أساس هذا الإدراك بذلت مصر جهوداً هائلة قامت على أساس الموقف التحرري المعادي للاستعمار والصهيونية، وقدمت مساندة واسعة لحركات التحرر الوطني عامة والإفريقية بوجه خاص، وهو ما أكسب مصر دورها القيادي والريادي عالميا وأفريقيا . ويكفي أن نشير في هذا الصدد إلى الرد المصري على الهجمة البلجيكية – الامبريالية على نظام المناضل الإفريقي العظيم باتريس لومومبا . اذ قام جمال عبد الناصر بتأميم «البنك البلجيكي والدولي في مصر» وأطلق عليه اسم بنك بور سعيد (أي لم يكتف بمجرد الجهد الدبلوماسي)، وذلك قبل قرارات التأميم الواسعة في يوليو 1961.
مع الاستدارة الواسعة التي قام بها السادات والتي عمقها مبارك للدرجة القصوى، بالانقلاب المطلق على سياسات الاستقلال والتحرر الوطني والتقدم، بل والانحياز المطلق للامبريالية والصهيونية وقوى الثورة المضادة، تلاشى الدور والموقع القيادي والريادي المصري  في العالم كله وفي أفريقيا بوجه خاص. وحدث انقضاض صهيوني طال انتظاره على أفريقيا لوراثة الدور المصري، وتنامي النفوذ الصهيوني في قارتنا. وركز الكيان بشكل مطلق على بلدان منابع النيل، وبدأ الحصاد المر.
ارتفعت الأصوات في هذه البلدان لإعادة النظر في توزيع حصص مياه النيل التي استقرت لزمن طويل بمقتضى اتفاقيات دولية. وصل الأمر إلى حملة شديدة ضد كل من مصر والسودان (أي دولة المصب ودولة المجرى) للمطالبة بتخفيض حصصهما. وهذه كارثة تهدد وجود مصر، التي لا تكاد حصتها الحالية تفي باحتياجاتها الحالية، كما لا توجد مصادر أخرى للمياه في مصر (لا أمطار ولا مياه جوفية). وللأسف فقد أوقفت السلطة المصرية منذ سنوات طويلة البرنامج النووي المصري الذي كان من الممكن توجيه جانب كبير من إمكانياته لتحلية مياه البحر. وذلك خضوعا للإرادة الأمريكية– الإسرائيلية ، ويريدون إقامته الآن (في الوقت الضائع)، وطبعا وفق الإطار والمدى الذي ترتضيه أمريكا وإسرائيل.
لقد اتخذت دول المنبع إجراءات عملية لإنشاء «مفوضية عليا لمياه النيل» من دون مشاركة مصر والسودان. ولسنوات من المفاوضات حالت هذه الدول دون التوصل إلى اتفاق مشترك للحفاظ على حقوق مصر التاريخية من المياه.
لقد أكد التاريخ والجغرافيا، مثلما تؤكد الوقائع المعاصرة أن مقتل مصر يكون بانكفائها على نفسها، والتقوقع داخل حدودها السياسية. لأن مصر من وجهة النظر الإستراتيجية، لابد أن يكون حضورها مكثفاً وواضحاً وملموساً في الدوائر العربية والإفريقية والإسلامية. ومن منطلقات تحررية وتقدمية معادية للاستعمار والامبريالية والصهيونية. ولكن السلطة العميلة غادرت تماماً الدوائر الثلاث، ودفنت تماما منطلقاتها كالركيزة الأساسية لفعالية مصر، فتلاشى دورها، وأخلت الساحة للعربدة الصهيونية والأمريكية والامبريالية عموماً، الذين لا يخفى دورهم في هذه الأزمة الخطيرة الأخيرة. بل ومدت يد العون لهؤلاء الأعداء وارتمت في أحضانهم.
ركز الإعلام العالمي ومراكز الأبحاث طوال السنوات الماضية على أن «حروب المياه» سوف تكون سبب صراعات القرن 21 وسوف تكون منطقتنا أحدى بؤر هذه الصراعات والحروب. غير أنه تجدر الإشارة إلى أن حرب عام 1956 التي شنتها كل من إسرائيل وبريطانيا وفرنسا ضد مصر، كان سببها المباشر هو تأميم قناة السويس، وكان هذا التأميم بهدف تمويل بناء السد العالي بعد أن سحبت أمريكا موافقتها على قيام البنك الدولي بتمويل بنائه. والسد العالي ليس منتجاً للطاقة الكهربائية فحسب، ولكنه وسيلة ضمان احتياطي كاف من المياه للاستفادة القصوى منها وللنجاة من شح الأمطار والجفاف في بلدان المنبع. وهكذا كانت حرب 1956 هي حرب مياه في وجه من وجوهها.
الآن هناك تهديد للشعب المصري بأن يموت عطشاً. والأصابع الصهيو- امبريالية تسعر الأزمة. وللأسف فانه بالتزامن مع ذلك تستضيف السلطة  «أوباما» ليخاطب العالم الإسلامي من فوق منبر مصري عريق هو جامعة القاهرة. والأشد فظاعة (وياللعار) أن يخاطب نتنياهو وبصحبته بيريز العالم العربي من منزل السفير المصري في «تل أبيب»، في احتفال مزعوم للسفير المصري بذكرى ثورة يوليو 1952 ألد أعداء الكيان الصهيوني!
لكن المفارقة المذهلة تكمن في أنه على الرغم من أن الأزمة العاتية التي تزلزل الامبريالية، وتضع مصيرها واستمرارها موضع تساؤل في المدى المنظور، وعلى الرغم من أن القوى الوطنية في عالمنا العربي  تشارك (كل من موقعه) الاحتفال بمرور ثلاث سنوات على انتصار حزب الله وكل الوطنيين اللبنانيين، ودحر وهزيمة العدو الصهيوني، بما وضع مصيره وللمرة الأولى موضع تساؤل... بالرغم من ذلك فان الطبقة الحاكمة وسلطتها السياسية تقدم للأعداء كل ما تستطيع كي يستمروا في الحياة، وتعطيهم المنابر ليشيعوا الزيف والخديعة!!
وحتى لا نموت عطشاً (وجوعاً) فإن إنقاذ مصر رهن باستعادة دورها الريادي في السياسة الداخلية والخارجية على السواء. واستعادة هذا الدور لن يتم سوى بالإطاحة بسلطة الخونة، كي لا يكون وجودنا ومستقبلنا كله موضع تساؤل.

معلومات إضافية

العدد رقم:
414