أحمد فؤاد نجم.. شاهد على الماضي القريب

أحمد فؤاد نجم: (الم يكن لدينا وقت. كانت الأحداث كثيرة وكان علينا مواكبتها، كان يحدث إضراب في مصنع حلوان فنضطر إلى الإسراع إلى هناك وغناء شيء ما).
هذا هو الماضي الذي عاش فيه جيل كامل مضى وذهب، هذا هو الماضي الذي بدأنا نسترجعه في الكثير  من البرامج، أحداث كثيرة ومتغيرات كل يوم شهدتها الساحة الثقافية العربية، الآن أمام هذا الخواء الذي تشهده الحركة الثقافية في أيامنا نستطيع أن نملأ أيامنا بالذكريات عبر الكثير من البرامج التي تحكي لنا عن ماض ذهب، البعض يسميه نوستالجيا، وربما يكون له إسم آخر (خواء( مع أحمد فؤاد نجم الذي لمع في تلك الحقبة تتلخص الكثير من الذكريات مع شخص يحمل الكثير من التناقضات، وتدور حوله الكثير من الإشكاليات وإشارات الاستفهام، منذ سجنه، رثائه لجمال عبد الناصر علاقته مع الشيخ إمام، زيارته إلى دمشق. وعن طريق مؤسسات رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري الثقافية يدخل إلى بيروت ليكرم في مهرجان غاب عنه السياسيون وبقيت الخطابة، فتح النار على الكثيرين دون مهادنة

نجم : أنا اليوم تحولت موقفاً. رمزاً؟ اليوم أكتب في الصحافة المصرية ومقالاتي تعبر عني حتى في مقابلاتي التلفزيونية أعبر عن أفكاري ومشروعي، فليحاسبني من يشاء على ما أقول إذا ما تغيرت، أنا لا أشبه هذا الزمان، المهم أنا فين أنا مع الناس وما زلت في الموقف المناوئ للسلطة.
يفتح النار على الرموز القديمة ويعبر عن آرائه دون مهادنة، ويفضح في لقائه على تلفزيون «المستقبل» الكثير من أبرز هذه العناوين:
حسنين هيكل يلون نفسه مع السلطة.
أم كلثوم دمرت الشيخ زكريا والقصبجي، واغتالت أسمهان

عبد الوهاب خرب الموسيقى العربية
عبد الناصر قٌتِل، أنا أعرف ذلك لان الطبيب الخاص لعبد الناصر  علي العطفي كان مسجوناً معي وكانت له صلات مع الموساد ومع السادات.
تهافتت وسائل الإعلام على أمسيته التي أقامها في قصر الأونيسكو واستمرت اللقاءات الكثيرة معه، وكانت أكثر رصانة من اللقاء الذي جري معه على تلفزيون المستقبل والذي اضطر معد البرنامج زاهي وهبي إلى إطالة وقت اللقاء.
نأخذ مقتطفات من لقائه في جريدة المستقبل وهي جزء من مؤسسات المستقبل الإعلامية.

أبطال أحمد فؤاد نجم
* بعد قصائده (غيفارا مات) (هوشه منه(  التي تحولت إلى ملحمة غنائية  وقصيدته عن عبد الناصر ماذا بقي من أبطال أحمد فؤاد نجم في هذا الزمن.
 ** نجم : بعد غيفارا وعبد الناصر  كل سنة وأنت طيب .. كنت أتمنى ألا يكون البطل أسامة بن لادن، لأنه صناعة أمريكية وأنا أكره الأمريكان .. أنا أعرف أنهم كذابون، مزيفون، ومستعمرون، مستعمرون لأمريكا نفسها، أمريكا ليست (بتاعتهم).

* لقد أعجبت بغيفارا. وكتبت القصيدة التي شهرتكما أنتَ والشيخ إمام (غيفارا مات(، ثم اتضحت فيما بعد عدة  حقائق تقول أن غيفارا لم يكن منزهاً كصورته، وأنه ارتكب الجرائم أيضاً وبررها بالثورة؟
** لا يعنيني ذلك .. تعنيني الصورة الحقيقية ولا علاقة لي بالكواليس.

* لكن الشعر بالنسبة لك يقول الحقيقة لا الصورة الإعلامية المقدمة؟
** ما قلته هو الحقيقة بالنسبة لي.

* الحلم؟
** تماماً موقفي بالنسبة لغيفارا هو الآتي: لو الحسين بن علي حسبها بالورقة والقلم وهو يواجه جيش الإمبراطورية الإسلامية في كربلاء، لما كان حارب أو رفض أو قاوم ..

* تعني أن العقل والحسابات العلمية ضد الثورة؟
** تماماً .. لم يحسب الحسين ما لهه وما عليه عملياً .. قال أنا على حق وأريد القتال من أجل ما أراه حقاً .. وليكن بعد ذلك ما يكون حتى لو كان ذلك موتي .. هذا هو الفارس النبيل بالنسبة لي، ولهذا السبب أعشق الحسين.
عبد الناصر
أحد المظاهر الإيجابية لمرحلة عبد الناصر عرفتها من خلال كوني في السجن: كان بدأ عدد من ضباط السجن يقومون بنهضة في المؤسسات العقابية في مصر اعتماداً على وجود عبد الناصر، فكسروا الحديد الذي كان يكبل أيدي السجناء وأقدامهم، وأنشأوا المكتبات العامة في السجون، وأدخلوا التلفزيونات(…
فكرة مصر في أيدي أبنائها كانت الدافع وراء ثورة الضباط الأحرار ووراء شعبية عبد الناصر؟
بلا أدنى شك عبد الناصر خاطب الحس الكبير لدينا كمصريين بالتحرر والكرامة . بالنسبة لي كان عبد الناصر بمعنى من المعاني أبي  الذي لم أعرفه وفي صورته ومشروعه اختصرت كل أحلامي وتطلعاتي لكن عبد الناصر خذلني فيما بعد.
* رغم ذلك كنت تحب عبد الناصر؟
** كنت لسه حمار. أنا في النهاية في النهاية جزء من الشعب المصري الذي يحب عبد الناصر ويرى أحلامه متجسدة فيه والإعلام يقول له إن هؤلاء أي الإخوان والشيوعيين، يعرقلون المسيرة. كنا مؤمنين بعد الناصر ومشروعه ولم يكن وارداً أن نقبل ما يقال لنا بأنه عرقلة لمشروعه. كان عبد الناصر صاحب كاريزما هائلة، وكأنه ولد ليكون قائداً حتى تكوينه الجسماني كان تكوين قائد كان يشبه أبا الهول.
بعد ذلك، وخاصة بعد نكسة 67 رحت أنتقد عبد الناصر والنظام، فخضت غمار السجن للمرة الثانية. وهل تعرف ما هو آخر قرار اتخذه عبد الناصر قبل ساعة من موته لقد قال  (نجم ده مش ح يخرج من السجن طول ما نا عايش( ومع ذلك عندما مات كتبت فيه قصية رثاء شديدة العذوبة ودهش الناس لأنني كتبت قصيدة لكنني لم أكن أرثيه وحده، كنت أرثي نفسي وحلمي، لقد أعطانا مساحة لكي نحلم وخلق داخلنا مساحة للخيال بالمستقبل والحاضر وفجأة وجدنا هذه المساحة خاوية وواجهنا واقعاً مريراً، إذ كلما كبرت التوقعات كبرت الخيبة بعد ذلك.
أمي هي التي حررها عبد الناصر من الإقطاع، هي التي علمتني حبه، وكنت إذا انتقد أحدهم عبد الناصر أمامي آكله بأسناني، بعد موت عبد الناصر  جاءت أمي لزيارتي في معتقل )القناطر( وجدتها متعبة وشاحبة قلت لها: ( مالك يمه ) قالت لي : (مش عبد الناصر مات) فقلت لها : ) يا وليه يا مجنونة بتعيطي على واحد معتقل ابنك)، فقالت لي: )انت حتفضل تافه وحمار.. يا حمار عمود الخيمة وقع).

أأنا أحمد فؤاد نجم
بعد أن سئل في مقابلة سابقة عن أغانيه أجاب أحمد فؤاد نجم:
** لن أكون متواضعاً وأقول لك أنني لا أحب هذه أو تلك أنا أعرف أنني أهم شاعر في مصر.

لم يختلف الآن أحمد فؤاد نجم ويقول:
** سأفاجئك بأمر أنا أهم شاعر عامية في القرن العشرين في مصر مع احترامي وتعظيم سلام لكل الشعراء الذين سبقوني .. أنا أعرف جيدأً أني شديد الموهبة.
السادات؟
* بعد عبد الناصر كتبت قصائد هجاء بالسادات كذلك .. هل غيرت موقفك بعد اغتياله؟
** لماذا أغير رأيي، وما الذي حصل ما نحن فيه الآن هو من صنع السادات الشهداء الذين سقطوا في لبنان وما زالوا يسقطون .. كل هذا بسبب مؤامرة السادات وتواطئه.

* تضع المسؤولية كالعادة على شخص؟
** طبعاً ولست وحدي من يقول ذلك كيسنجر قال ذلك للسادات. قال له: (أنت تستطيع الإنفراد بقراراتك، لكن في إسرائيل هناك مؤسسات بيغن لا يستطيع إقامة سلام معك من نفسه..).

* ألاّ يخطر ببالك اليوم أن خيار السادات كان نوعاً من الحكمة المبكرة كما يقول كثر، فالعرب كلهم ذاهبون لاحقاً في هذا لااتجاه؟
** هذا يعني أن العرب كلهم جواسيس وخونة وهذا لا يحسن صورة السادات عندي، بل يزيدها سوءاً.

11 أيلول:
رقصت من الفرح ولا زلت أرقص
* هل تسر كشاعر عندما يموت مدنيون؟
** إطلاقاً لكن هؤلاء ليسوا مدنيين لأن (مركز التجارة العالمي) هذا كله مصاصو دماء، هم الذين يمسكون العالم كله ويتحكمون به و (البنتاغون) أيضاً ليس فيه مدنيون إنه جهاز إدارة القتل في العالم.
نقد الماضي والهجوم عليه

المثقفون:
* نأتي هنا على موضوع المثقفين الذين هجوتهم في قصيدة يعيش أهل بلدي التي تقول فيها (يعيش المثقف  على مقهى ريش.. )؟
** طبعاً هناك قسوة لأنهم كانوا قاعدين ولا يفعلون شيئاً يتناقشون فحسب

* لكن أليست هذه وظيفة المثقفين أي أن يتناقشوا ويفكروا؟
** لكن المهم أن يصلوا إلى الحاكم لتصويب مسيرته أو إلى المحكوم لكن المثقفين كانوا يمدحون الحاكم (مرتزقة) تفرج مثلاً على حسني مبارك والذين حوله اليوم.

* هذه مفارقة في زمن عبد الناصر ومن بعده السادات، كانت تبدو الثقافة  في مصر لا تزال ممانعة لكن هذا كأنه انتهى الآن وكأن الثقافة استوعبت كيف حدث ذلك؟
** حدث أن رجال الأعمال جاؤوا وفرضوا مفاهيمهم وصاروا الوجه الآخر للسلطة ثم يقولون لك لديك الصحافة ولتقل ما تشاء إنما هناك خطوط حمراء ممنوع الاقتراب مثلاً  من نقد ( الريس) .. منذ ثلاث سنوات كنت في معرض الكتاب في القاهرة وكنت أتحدث على الهواء فقلت مبارك صدع راسنا بالكلام على الحريات، وها هو يقفل صحيفة الدستور فسمعت المخرج يصرخ: (إي ده  يه ده مين الواد ده وقطعوا الإرسال فوراً).

* فضح الكثيرين وتكلم على هواه:
** أتمنى أن يصير العرب مثل الهنود الحمر لأنهم لا يستحقون الحياة، الانتفاضة الفلسطينية كانت ستجهض بـ 11 أيلول وبدونها مادام هناك ياسر عرفات، الرحابنة خرجوا من عباءة عبد الوهاب و أحمد رامي شاعر تافه، لا يصلح أن يلقب عبد الوهاب بموسيقار الأجيال بوجود القصبجي والسنباطي وزكريا.
كل هذه عناوين كتبتها الصحافة التي تلقت لقاءات نجم الكثيرة، بعضهم رأى فيهلا عاصفة، لكن العاصفة لم تطل، وبعضهم رأى فيها فضائح لكن الفضيحة لم تؤد لذبح أحد أو لتغيير شيء، لقد دخل كل شيء في ثقافة الاستهلاك اليومي والمعتاد، أحم فؤاد نجم بعيد عن كل ماقيل وسيقال عنه. ثبت كواحد من أبرز رموز المرحلة وشاهد كالكثير من الشهود.. الذين سيظهرون على الشاشات شهداء على مرحلة ذهبت.

معلومات إضافية

العدد رقم:
168