عمليّة «العنقاء» تنبعث من رماد التاريخ: مهووسون.. من فيتنام.. الى العراق هل ينسى العالم الفظائع الأمريكية في العراق

لقد فشلت كتائب الموت في فيتنام، لكنّ وكالة المخابرات المركزية الأمريكية CIA تقدّر بأنّها سوف تقوم بعملٍ جيّدٍ في العراق.

الحرب القذرة في العراق في طريقها لتصبح أكثر قذارةً. لقد بدأ موظّفون أمريكيون في توظيف الضبّاط السابقين في المخابرات، الشرطة السرّية لصدّام حسين، لمحاصرة المقاومة التي تقاتل القوّات الأمريكية في العراق.

وفق منظّمات حقوق الإنسان، فإنّ المخابرات قد قتلت وعذّبت عشرات الآلاف من المدنيين العراقيين أثناء حكم صدّام الدموي. ومع ذلك، تشير بعض المصادر إلى أنّ الـCIA  قد بدأت تدفع رواتب لعشراتٍ من أولئك الجلاّدين السابقين، الذين يقال إنّهم لعبوا دوراً في اعتقال صدّام وفي محاصرة السوريين والعراقيين المتّهمين بالتجسّس في العراق.

وقد قارن أشخاصٌ عملوا في الـ CIA هذا البرنامج في العراق بعمليّة العنقاء، التي جرت بإدارة الـ CIA، والمسؤولة عن تعذيب واغتيال آلافٍ من مواطني جنوبي فيتنام، معظمهم من الأبرياء، بين عام 1967 و1970، التي كانت أكثر الفترات وحشيّةً في حرب فيتنام. 

«من الواضح أنّهم يحضّرون فرقاً مختلفة، مهمّتها القيام بعملٍ مشابه لعمليّة العنقاء، كما في فيتنام»، هذا ما أعلنه فنسنت كانيسترارو، المسؤول الأسبق للـ CIA في مجال مكافحة الإرهاب، في مقالٍ نشر في 4 كانون الثاني في صحيفة «لندن سانداي تيليغراف». 

هذه الأخبار غير سارّة، في حال كنتم عراقيين، أو إذا كنتم تريدون للولايات المتحدة الأمريكية أن تربح الحرب. أثناء عمليّة العنقاء، كانت الشرطة في جنوب فيتنام وكتائب الموت تجهّز قوائم بالأشخاص الذين يظنّ بانتمائهم إلى العصابات، أو بتعاطفهم مع الشيوعيّة، وكان عملاء الـ CIA والقوات الخاصة يراقبون عمليّات التعذيب والاغتيالات. وكانت مجموعةٌ قوميّةٌ فيتناميّة من أقصى اليمين، واسمها «فيتنام كوك دان دانغ»، تشارك في إعداد هذه القوائم بهدف تصفية مختلف خصومها السياسيين.

بالتماثل مع الفظائع التي سيتعرّض لها ضحايا كتائب الموت في أمريكا اللاتينية، كان سجناء عمليّة العنقاء يعذّبون بالكهرباء في الأجزاء الحسّاسة من أجسادهم، في حين اغتصبت النساء في كثيرٍ من الأحيان، وكان ذلك يجري أحياناً بمساعدة أدوات. وكانت إحدى التقنيّات الأفظع تتمثّل في أرجحة سجينٍ من حوّامة وعيناه معصوبتان، وتهديد باقي الركّاب بمصيرٍ مماثل.

وكما يروي دوغلاس فالنتاين في كتابه عن عمليّة العنقاء، فإنّ هذه الأخيرة قد كشفت لأول مرّة في العام 1970، حين أعادت مجموعةٌ من الطلاّب من جنوب فيتنام تمثيل ظروف عذابهم في «أقفاص النمور».

«لقد حوكم الطلاّب وأدينوا على يد محكمةٍ عسكرية»، كتب فالنتاين. «كان بعضهم في حالة صدمة وكانت تغذيتهم تجري عن طريق الوريد. كان تحت أظفار بعضهم قطعٌ من خشب البامبو. بعضهم كان أصم بسبب ماء الصابون الذي سكب في آذانهم. وكانت الطالبات قد عذّبن واغتصبن في آنٍ معاً». 

بعد مشهد قفص النمور، ذهبت لجنةٌ من الكونغرس الأمريكي إلى سايغون واكتشفت مخيّماً عسكريّاً في جنوب فيتنام جرى فيه إخفاء العديد من أقفاص النمور تحت أكوامٍ من الخشب.

ويتابع فالنتاين: «كان 5 إلى 6 رجالٍ مقيّدين بالسلاسل بسقف كلّ قفص. كانت أرجلهم مبيّضّةً، وكانوا يتحرّكون بصورةٍ مائلة على الأرض، يستجدون الطعام والماء والشفقة. بعضهم كانوا يبكون. وبعضهم كانوا يتحدثون عن سطول الجير، الجاهزة فوق كلّ قفص، التي كانوا يفرغونها عليهم.

أمام لجنة الكونغرس في العام 1971، تحدّث بارت أوسبورن، وهو عميلٌ سابقٌ للـ CIA قائلاً: »أثناء هذه العمليّات كلّها، لم أعرف أبداً أنّ سجناء قد تمكّنوا من الحياة بعد هذه الاستجوابات. جميعهم ماتوا. والحقيقة لم يكن هناك أبداً أيّة دلائل ذات قيمة تدلّ على أنّ هؤلاء الأشخاص قد تعاونوا مع الشيوعيين، لكنّ معظمهم عذّبوا حتى الموت، أو... جرى رميهم من الحوّامات.»

لكن ربما كانت أسوأ دعاية نشرت بالصلة مع عمليّة العنقاء كانت المجزرة التي تعرّض لها 504 مدنيين من جنوب فيتنام في آذار 1968، معظمهم من النساء والأطفال والشيوخ، في قريةٍ صغيرة في ريف كوانغ نغاي، هي قرية ماي لاي لم تجرِ البرهنة أبداً على الدور الدقيق للـ CIA، لكن كما يذكر فالنتاين، فإنّ أعضاء في إحدى المجموعات التي كانت تساعد في عمليّة العنقاء كانوا قد زاروا ماي لاي عشيّة المجزرة.

إضافةً إلى ذلك، ذكر رقيبٌ اتُّهم بالتواطؤ في المجزرة اسم عميلٍ للـ CIA قدّم لوحدته قائمةً بأسماء الأشخاص المتّهمين بأنّهم شيوعيّون والذين ينبغي اغتيالهم في ماي لاي. كما أكّد الجنود المتورّطون في المجزرة أنّهم تلقّوا »معلوماتٍ« تفيد بأنّ الأشخاص المتواجدين في ماي لاي يوم الهجوم هم »من رجال العصابات المتمرّسين«. وشرح سيمور هيرش، الصحافي في النيويورك تايمز الذي كشف المجزرة في العام 1970، بأنّ القائمة السوداء للمتّهمين بكونهم شيوعيين في ماي لاي «قد تقلّصت بشكلٍ كبير» بعد المجزرة. 

لكن، في الوقت الذي سلّط فيه الضوء على ماي لاي وعلى عمليّة العنقاء، كان الرئيس نيكسون قد أعلن بأنّه سوف يبدأ انسحاباً تدريجياً للقوات الأمريكية من فيتنام، وهي إشارةٌ على الفشل الذريع لعمليّة العنقاء. 

ويشرح فالنتاين: «بحجّة تحييد البنية التحتية للعصابات الشيوعية، أصبح شيوخٌ ونساءٌ وأطفالٌ أعداءً. مع عمليّة العنقاء، أصبح قتل طفلٍ فيتناميّ بسهولة إطلاق الرصاص على غرابٍ في شجرة. وكانت الذخيرة معلوماتٍ كاذبة قدّمها عملاء سرّيون مشبعون بالأحكام المسبقة».

كلّ شيءٍ يشير إلى أنّ الأخطاء نفسها ترتكب الآن في العراق، حيث تحتجز الولايات المتّحدة الأمريكيّة نحو 12800 عراقيّ يشتبه بتورّطهم في الهجمات على القوّات الأمريكية. وأعلن بول بريمر، الحاكم الأمريكي في العراق، بأنّ أكثر من 500 من أولئك السجناء سوف يطلق سراحهم ضمن ما دعاه «بادرة حسن نيّة». (لسخرية القدر، أو ربما لا، فإنّ هؤلاء السجناء محتجزون في السجن نفسه الذي كانت المخابرات تعذّب فيه في الماضي أعداء صدّام حسين.)

وكما أكّدت وكالة فرانس بريس في 8 كانون الثاني، فإنّ قائمة السجناء المفترض إطلاق سراحهم تشمل بعض «البدو الذين كانوا يهتمّون بقطعانهم، وطفلٌ جرى اختطافه أثناء تواجده قرب مكانٍ هوجم فيه جنديّ أمريكي، وشخصٌ أعطي اسمه للأمريكيين للانتقام منه بعد مشاجرةٍ خاصّة، وأبٌ اعتقل لأنّه كان يحمل في سيّارته بندقيّة.»

كريم محمد، 30 عاماً، أحد أولئك الذين أطلق سراحهم، وكان في السجن لأنّ الأمريكيين وجدوا في بيته سلاحاً. قال كريم لوكالة الأنباء الفرنسية: «الجميع في العراق يمتلكون سلاحاً. إنّها اتّهاماتٌ كاذبة. بعض الأشخاص ينتقمون، ويمكن لأيٍّ كان أن يذهب ببساطة ليقابل الأمريكيين ويقول بأنّ هذا الشخص أو ذاك ينتمي إلى المقاومة». 

 

■ بقلم نك شو