هل بدأت حرب «الكثافةالمنخفضة» لقمع المقاومةالعراقية؟

تواجه القوات الأمريكية، منذ احتلالها لبلاد الرافدين مأزقاً شديداً، يصعب عليها الخروج منه، فهي لم تحقق نصراً سريعاً وسهلاً، كما كانت تتوقع، بل وجدت نفسها تخوض حرباً طويلة مخططاً لها مسبقاً.

أوهام الانتصار الأمريكي!

فهل كانت القوات الأمريكية تتصور أن قواتها ستبقى في أمان واطمئنان في العراق دون أن يطلق عليها أحد النار؟ ويرى العالم بعينيه أن هذه القوات اتخذت موقفاً دفاعياً عن النفس وأنها تتمركز خلف جدران إسمنتية يصعب إطلاق النار عليها؟

ولذلك فإن إدارة بوش بدأت بالهمس عن بدء تنفيذ استراتيجية جديدة للخروج من هذا المستنقع، لعلها تساعد بوش على جني المزيد من الأصوات.

البنتاغون يتكتم على خسائره

عندما شنت الولايات المتحدة الحرب على العراق ادعت أنها تريد تحقيق ثلاثة أهداف:

■ حماية المجتمع الدولي من أخطار أسلحة الدمار الشامل العراقية.

■ الإطاحة بنظام صدام حسين.

■ إشاعة الديمقراطية في العراق.

أما مسألة أسلحة الدمار الشامل فقد تبين أنها أكذوبة وأن العراق ليس فيه هذا النوع من الأسلحة.

وأما مسألة نشر الديمقراطية في العراق، فإن الديمقراطية لا يمكن تصديرها بالقوة إلى الدول الأخرى، وحتى تتحقق الديمقراطية الحقيقية لابد أن يتوفر عدد من الشروط:

●● خروج القوات الأمريكية من العراق، وإحلال قوات سلام دولية حقيقية تحت إشراف الأمم المتحدة.

●● توفير تمويلات بمليارات الدولارات لإعادة بناء الاقتصاد العراقي الذي دمرته قوات العدوان.

●● توفير فرص العمل للمواطنين العراقيين.

●● أن يصل الناس إلى قناعة بأن حياتهم أصبحت أفضل بكثير من حياتهم في ظل الحكم المنهار وغدوا أكثر حرية وأمناً.

ولذلك فإن واشنطن تتكتم على خسائرها الحقيقية في العراق، وتشير المعلومات الفرنسية إلى أن أكثر من 1700 عسكري أمريكي فضلوا عدم العودة إلى العراق وترك الخدمة في الجيش، وأن ما لا يقل عن 2200 عسكري مصابون بجروح خطيرة، أقلها فقدان بعض أطرافهم، وأن ما لا يقل عن 7000 عسكري قد سُحبوا من المعارك بسبب إصابتهم باضطرابات نفسية خطيرة ولو سمح لهم بالعودة إلى وطنهم وأهليهم لما ترددوا.

والحكومة الأمريكية تخشى أن تتسرب هذه المعلومات إلى الصحافة الأمريكية، وأن يعلم الجمهور الأمريكي بها، والذي لا يخفي تشككه في الأخبار التي ينقلها الإعلام الرسمي المراقب بدقة، عن العراق.

أسلوب جديد لقمع المقاومة!

ولذلك فقد شرعت القوات الأمريكية اتِّباع استراتيجية جديدة لقمع المقاومة العراقية، شبيهة بالاستراتيجية الإسرائيلية، وقد برزت ملامح هذه الاستراتيجية بالمظاهر التالية:

●● نقل السلطة إلى حكومة مدنية عراقية تتولى الشؤون الأمنية الداخلية لتتفرغ القوات الأمريكية الخاصة لقمع المقاومة بمختلف الأساليب.

●● إنشاء قوة شبه عسكرية تحت قيادة أمريكية  مؤلفة من ميلشيات خمسة أحزاب عراقية لمطاردة عناصر المقاومة، تضم ما بين 750 ـ 850 مقاتلاً وستتعاون مع القوات الخاصة الأمريكية المجلوبة لهذا الهدف. وستنتشر حول بغداد، وأن هذه العناصر ستجهز بأسلحة خفيفة وآليات وستتلقى تدريباً لمدة شهر، وقد رفضت هذا الاقتراح قوى عديدة.

بدء الحرب ذات الكثافة المنخفضة

وقد سميت هذه الاستراتيجية الجديدة بالحرب ذات الكثافة المنخفضة، ومن مظاهرها:

■ القيام بأعمال اغتيال كما جرى في اغتيال باقر الحكيم رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في النجف، حيث اغتالته مجموعة كوماندوس إسرائيلية بمساعدة عملاء من التحالف، وهُرّب القتلة بعد ذلك إلى خارج العراق حتى لا تحدث فضيحة.

■ تجريب عمليات سيطرة على السكان في مناطق المقاومة النشيطة. إذ احتجزت قوات الاحتلال جميع الرجال في إحدى القرى لمدة ستة أسابيع لإرغامهم على أن يشوا بمن هم على صلة بالمقاومة.

■ سحب جزء من القوات الأمريكية من العراق وتعهيد الأمر لجيش محلي.

■ اللجوء إلى وسائل همجية في الاعتداء على المواطنين إذ تقتحم القوات الأمريكية المنازل وتدمرها على رؤوس أصحابها.

إن هذه الاستراتيجية الجديدة ينبغي أن لا تفسر برغبة واشنطن في الخلاص من الورطة في فترة الانتخابات الرئاسية فقط، بل ينبغي أن يصبح العراق ـ حسب رأي قسم من قيادة الأركان ـ مسرحاً لاختبار طرائق جديدة لقمع المقاومة قبل الانتقال إلى المراحل التالية في إعادة تشكيل الشرق الأوسط، وهذا ما أعلنه بوش حين أكد بأن العراق هو الجبهة الحالية في الحرب على الإرهاب

الأمريكيون لا يعرفون خصومهم

وقالت وكالة رويترز البريطانية، إن الغموض ونقص المعلومات يسيطران على الجنرالات الأمريكيين حول صفة المقاومة العراقية ونشاطها وتنظيمها وكيفية تحركاتها وعدد عناصرها.

 

إن المسؤولين الأمريكيين على مختلف مواقعهم ومهماتهم هم على حق حين يبدون تشاؤماً حول مستقبل وجودهم في هذا البلد، لأن المقاومة ستستمر، وستتسع امتداداً وعمقاً وستشمل الشعب العراقي برمته، وسيجد الأمريكيون أنهم سائرون في نفق مظلم، وليس لهم إلا سبيل واحد وهو الخروج من العراق وترك هذا الشعب يدير شؤون بنفسه، ويحل مشكلاته كما يرتئيه هو، لا كما يريده الآخرون، وخاصة الاحتكارات الأمريكية النفطية الكبرى.