الغوص في الرمال العراقية الحارقة

 إن تردي أوضاع قوات الاحتلال الأمريكي للعراق، نتيجة تصاعد المقاومة الشعبية عمقاً وامتداداً ضدها، والتي بلغت قتيلين يومياً، اسفرت عن تفاعلات أخذت تتصاعد وخصوصاً داخل الولايات المتحدة، حيث أخذ الكثير من الأمريكيين يفصحون عن شكاواهم عبر المؤسسات والمنظمات الأهلية، من جراء تردي حياة الجنود الأمريكيين في العراق، إذ يترصدهم الموت من حيث لايحتسبون، وجعلهم يصابون بالهستيريا، ويطلقون النار عشوائياً على المواطنين العراقيين العزل، فيسقط قتلى وجرحى،

وبذلك يصبون الزيت على النار بدل إطفائها، إضافة إلى ذلك بدأت أسر الجنود الأمريكيين في العراق تفيق من غفوتها وتنهض لإطلاق حملة في البلاد لحث أعضاء الكونغرس والرئيس بوش على إعادة أبنائها إلى وطنهم نظراً للأحوال المعيشية الصعبة والأمنية السيئة التي تهدد حياتهم في كل لحظة.

البريطانيون ليسوا أفضل

أما الجنود البريطانيون فليست أوضاعهم بأفضل من الأمريكيين، فقد ذكرت «الواشنطن بوست» أنهم يشعرون بالإحباط واليأس الشديدين بسبب تردي الأوضاع الأمنية في البصرة، التي يخرج سكانها يومياً في مظاهرات احتجاجية غاضبة على فقدان الخدمات الأساسية، وفي الوقت ذاته يشتكي البريطانيون من عدم تعاون الأمريكيين معهم في ترتيب الأولويات.

البحث عن نجدة

إن هذه الأوضاع الصعبة التي تخيم على القوات الأمريكية المحتلة للعراق تدفع قادة واشنطن للبحث عن نجدة عاجلة لإنقاذهم من الورطة التي أوقعوا أنفسهم فيها، ولحماية جنودهم من الموت الذي يتربص بهم في كل لحظة وذلك عن طريقين:

1. العودة إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن لإضفاء الشرعية على احتلالهم للعراق ودعوة حكومات العالم لإرسال قوات من قبلها إلى العراق لتكون دريئة للقوات الأمريكية من هجمات المقاومة العراقية، وقد رفض كثير من الحكومات الاستجابة للطلب الأمريكي وخصوصاً حلفاءها الأوروبيين الذين تجاهلتهم قبل الغزو وأصرت على الحرب ضد العراق، ويتركونها الآن تتخبط وحدها في المستنقع العراقي، بل أكثر من  ذلك يشترطون على واشنطن الانسحاب أولاً من العراق قبل إرسال قوات من بلدانهم، حتى لا تكون هدفاً لنيران المقاومة.

الضغط على الحكومات العربية:

2. ممارسة الضغوط على الحكومات العربية وخصوصاً البلدان المجاورة للعراق لإرسال قوات من عندها، ولكنها فشلت حتى الآن وقد أسفر اجتماع لجنة المتابعة العربية  الذي عقد في القاهرة، عن رفض الاعتراف بالمجلس  الانتقالي، واعتبر إرسال قوات عربية غير وارد وحتى الأردن الذي كان مستعداً لإرسال قوات من عنده تراجع عن موقفه وصرح وزير الخارجية الأردني مروان المعشر بـ «أن إرسال قوات عربية تحت المظلة الأمريكية أمر غير مقبول، لا عربياً ولا دوليا»..

لماذا رفض إرسال قوات عربية؟

وكان الكاتب والصحفي العراقي علي الجفال قد حذر قبلاً الحكومات العربية في مقالة له من مخاطر إرسال قوات عربية إلى العراق، وقال: إن الفخ الأمريكي للقوات العربية فيما لو أرسلت لن يؤدي إلا إلى تعليق سيادة العراق وإطالة أمد الاحتلال وتحقيق الأهداف الأمريكية. 

إن القوات العربية فيما لو أرسلت إلى العراق ستجد نفسها مرغمة على مواجهة ثلاثة احتمالات:

1. إما المشاركة في قمع المقاومة العراقية تلبية لأوامر القيادة الأمريكية العليا، وهذا سيؤدي بالنتيجة إلى اقتتال قوات عربية فيما بينها وهذا ما لايرضى به أحد وخصوصاً الشعوب العربية التي وقفت إلى جانب الشعب العراقي قبل العدوان وأثناءه وبعده.

2. أو الوقوف على الحياد، وهذا سيعني فشل مهمتها في العراق، وإتاحة الفرصة للمقاومة العراقية لدك معسكرات قوات الاحتلال التي  أنشئت بعد إعادة انتشارها.

3. وإما تسريب جزء من هذه القوات للانضمام إلى المقاومة العراقية المنخرطة في القتال ضد القوات الأمريكية،وهذا أمر عبر أكثر من محلل عن خشيته من حصوله، لأنه سيؤدي حتما إلى تقويض الوجود الأمريكي في العراق، وربما إخراج تلك القوات مبكراً قبل تحقيق الأهداف الأمريكية المعلنة وغير المعلنة.

ولذلك فإن قرار لجنة المتابعة العربية هذا كان صائباً، والنجاة من الوقوع في الفخ الذي تنصبه لهم الولايات المتحدة بهدف إطالة أمد الاحتلال.

 

إن سبيل النجاة أمام حكام واشنطن ولندن أخذ يضيق يوماً بعد يوم ويجدون أنفسهم واقعين بين نارين: إما نار الخروج مهزومين مدحورين من العراق، وإما نار البقاء والغوص في الرمال العراقية الحارقة حيث يترصدهم الموت في كل مكان وزمان.