إدوارد س. هرمان وديفيد بترسون إدوارد س. هرمان وديفيد بترسون

الحرب الرابعة بدأت.. بمساندة كاملة من «الصحافة الدولية» و«المجتمع الدولي»

باعتبار أنّ الولايات المتحدة قد شنت ثلاث مراتٍ حرباً بانتهاكٍ كاملٍ لميثاق الأمم المتحدة، وأنّها ارتكبت ثلاث مرات «جريمةً دوليةً كبرى» ضد يوغوسلافيا وأفغانستان والعراق - فكان بوسعنا توقع أن توقظ التحضيرات لاعتداءٍ رابع، بعد بضع سنواتٍ فقط، لكن هذه المرة ضد إيران، في الأمم المتحدة أو الاتحاد الأوروبي أو داخل أكبر المنظمات غير الحكومية والمؤسسات الدولية – وكذلك في صفوف صحافتنا الحرة، التي يفترض أنها أخلاقية ومستقلة - جوقة احتجاجاتٍ وأفعالاً وقائية، مثل رفع دعوى في مجلس الأمن بموجب الفصل السابع المتعلق بـ«التهديدات ضد السلم»، وكذلك تعبئة بالإجماع لصالح عقوباتٍ دبلوماسية واقتصادية على الولايات المتحدة. لكن لم يحصل شيء من ذلك! ففي الحقيقة، توصلت إدارة بوش إلى تعبئة الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة – وأولى مهامها «الحفاظ على السلام والأمن الدولي» - وكذلك الصحافة الحرة، لتسهيل هذا الاعتداء الرابع.

إرهاصات العدوان..

إذا كنا نستطيع التأكيد أنّ هذا الاعتداء الرابع قد بدأ حقاً وفعلاً، فلأنّ الولايات المتحدة، كما كانت عليه الحال بالنسبة للعراق، قد أخضعت إيران منذ عدة أشهر إلى تحرّشٍ دائم، لم يتوقف في الحقيقة أبداً عند الشتائم والتهديدات الكلامية الرسمية. فمنذ العام 2004، تتعرض الأراضي الإيرانية لتجسسٍ تقوم به طائرات دون طيار، وتتسلل إليها وحداتٌ قتالية واستطلاعية مكلفة بجمع «معطيات حول أهداف وإقامة صلاتٍ مع الفروع المعادية للحكومة من الأقليات الأثنية» علاوةً على ذلك، منحت الولايات المتحدة مجموعة مجاهدي خلق وضع حماية، على الرغم من أنّ وزارة الخارجية الأمريكية قد عرّفتها منذ العام 1997 بأنها «منظمة إرهابية أجنبية»، لكنّ واشنطن تستخدمها لشن غارات على إيران من العراق الذي ما يزال يخضع للاحتلال الأمريكي البريطاني. فضلاً عن ذلك، فقد هددت الولايات المتحدة وحليفها الإسرائيلي عدة مرات إيران بشن هجمات مباشرة أوسع بكثير. كان هذا النمط من الاعتداءات، المحضرة للغزو، إحدى أهم مميزات العدوان الكامل على العراق.

معتدي يتمتع بالحماية..

ما يثير الدهشة في كل ذلك، هو أنّ الأمر يتعلق ببلدٍ يطبّق حالياً برنامجاً للاعتداءات العسكرية المتواصلة علناً؛ وهو بلدٌ يدير شبكةً دولية من معسكرات النفي ومراكز التعذيب، لا يقل توثيقها عن إدانتها على نحوٍ واسع؛ بلدٌ ارتكب مؤخراً جرائم حربٍ تتميز بخطورتها، ولاسيما في العراق. وبلدٌ يدّعي صراحةً أنه فوق القانون الدولي ويعلن ممثلوه على نحوٍ شديد الرسمية أنّ الأمم المتحدة لا نفع فيها إلا حين تساند السياسة الأمريكية وحين ينطلق هذا البلد نفسه في سلسلةٍ جديدة من الهجمات والتهديدات، فلا يتوقف الأمر عند عدم إدانته على أيٍّ من هذه الاعتداءات ، بل إنّه يستطيع التمتع أيضاً بالمساندة الرسمية للاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة ووسائل الإعلام في جميع أنحاء العالم في ما يخص هجومه الوشيك على إيران. ويجري التعبير عن هذا الدعم الإجماعي صراحةً، على الرغم من واقع أنّه أصبح من المتعارف عليه أنّ إدارتي بوش وبلير قد أساءتا استخدام برنامج التفتيش وبررا بالفعل غزوهما/احتلالهما العسكري للعراق على أساس تصريحاتٍ كاذبة. لكن هذا لم يمنع حصولهما بسرعة بعد ذلك على المساندة ذات المفعول الرجعي من الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة في ما يخص احتلالهما والبرنامج المخزي لنشر السلم الذي تلا ذلك.

الإعلام جزء من آليات العدوان..

تتمثل الآلية التي توصلت فيها الدولة المعتدية للحصول على هذه الموافقة الإجماعية في إطلاق صيحات الإنذار بصدد نيةٍ إيرانية مزعومة في البدء ببرنامج تسلحٍ نووي. يقال بالطبع إنّ إيران تتصرف بسريةٍ تامة، وعلى الرغم من خضوعها في الواقع إلى تفتيش وكالة الطاقة الذرية منذ ثلاث سنوات، يقدّر أنّها لم تتجاوب بالكامل مع الوكالة. لقد توصل نظام واشنطن - بجمعه بين الوسم بالشيطانية والتوبيخ المستمر، بين مظاهر أخرى للاستنكار والرعب، والتهديدات باتخاذ إجراءات ضد تهديدٍ غير محتملٍ كهذا – إلى أن يخلق «وضع أزمة» من لاشيء، بالتركيز المنتظم لكل اهتمام وسائل الإعلام، يضمن له المساندة غير المشروطة والقلقة للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ووكالة الطاقة الذرية والمجتمع الدولي ويبدو أنّ هذه المجموعات الأخيرة قد انضمت للمعتدي بقصد عدم إغضابه من جانب، وبقصد محاولة تخفيف تصميمه على التوصل إلى غاياته من جانبٍ آخر، وبنفس المقدار. غير أنّها بتصرفها ذاك تقرّ بوجود تهديدٍ حقيقي وتشرعن ضمناً على الأقل برنامج العدوان، بل وتتجاوز ذلك في كثيرٍ من الأحيان. إنّ اعتراف وسائل الإعلام الكبرى والديمقراطيين في الولايات المتحدة بجدية الأزمة – على الرغم من كونها مفبركةً تماماً – والمواقف المعلنة لأصحاب «الوزن الثقيل» في الساحة السياسية، مثل هيلاري كلنتون وإيفان بيي (اللذين وصل بهما الأمر إلى حد مطالبة بوش بالدخول إلى الحلبة)، تولّد هرجاً ومرجاً يغذي تلقائياً الضغوط على حكومةٍ هي في واقع الأمر سبب الأزمة، وتجد نفسها حالياً مدعوةً إلى «فعل شيءٍ ما»، تحت طائلة الهزيمة السياسية.

تواطؤ أوربي ضد المعاهدات الدولية

ويبدو التعاون الذي يبديه الاتحاد الأوروبي أكثر شموليةً للتخطيط لاعتداءٍ ضد إيران مما كان الأمر في حالة العراق. فعلى الرغم من أنّ إيران تتمتع وفق معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية بالحق المطلق و«غير القابل للجدل» في تخصيب اليورانيوم بذاتها (تحدد المعاهدة المذكورة فقط أنّ هنالك تخصيباً معيناً لا يمكن أن يكون هدفه إلا «غاياتٍ سلمية»)، وعلى الرغم من أن المعاهدة تفرض على الموقعين عليها «تسهيل... أكمل تبادل ممكن للتجهيزات والمعدات والمعلومات العلمية والتقنيات المتعلقة باستخدام الطاقة النووية لغايات سلمية»، فقد قبلت إيران، بتأثير الضغوط الدبلوماسية التي مارستها إنكلترا وفرنسا وألمانيا، «بملء إرادتها، الحفاظ على تعليق جميع أشكال النشاطات المتعلقة بتخصيب اليورانيوم وتحويله، وكذلك تمديد هذا التعليق.» بالمقابل، وافقت هذه البلدان الثلاثة، بكل حسن نية، على مواصلة المفاوضات بهدف التوصل إلى اتفاق «يقدم ضماناتٍ موضوعية يستهدفها برنامج إيران النووي حصرياً لغايات سلمية»، وكذلك «ضمانات قوية لتعاونٍ تقني واقتصادي في المجال النووي، والتزامات صارمة حول مسائل الأمن»

لكن ذلك لم يمنع فشل تواصل المفاوضات، وذلك على نحوٍ أساسي لأنّ بلدان الاتحاد الأوروبي الثلاثة وجدت نفسها عاجزةً بوضوحٍ عن تقديم أدنى الضمانات لإيران حول مسائل الأمن دون التأكيد على التزامات في هذا الاتجاه من الولايات المتّحدة [وحليفها الرئيسي في المنطقة]. 

الدور المرسوم للمنظمات الدولية الألعوبة

بعد 18 شهراً من الأزمة الدبلوماسية، قدم الائتلاف الذي تقوده الولايات المتحدة مشروع قرار في مجلس الأمن يلزم إيران بموعد نهائي لإلغاء كل النشاطات المتعلقة بالتخصيب وإعادة المعالجة ، إضافة لدعوة جميع الدول إلى منع نقل التقنية والخبرة «اللتين ربما تساهمان في نشاطات التخصيب وإعادة المعالجة الإيرانية وكذلك في برنامج الصواريخ» - وبالتالي متابعة الولايات المتحدة تجريم سعي إيران – وإيران وحدها – على استخدامها لحقوقها المعترف بها و«الثابتة» وفق المادة الرابعة من المعاهدة المذكورة، واعتبار برنامج التخصيب الإيراني، وهو قانوني وتسمح به المعاهدة، تهديداً للأمن والسلام العالميين وفق الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. يظهر مشروع القرار أيضاً، وعلى نحو لافت، أن مجلس الأمن «ينوي اتخاذ إجراءات أخرى كلما اقتضت الضرورة لضمان الالتزام بهذا القرار» وهو نمط العبارات التي يتلهف لها نظام واشنطن، في حال تبنيه، ليفسره كقرار يجيز استخدام القوة، أياً كان رأي باقي أعضاء مجلس الأمن.

وتقوم السلطة الأمريكية منذ ربيع العام 2003 بالتركيز الدائم والمفرط على معاندة إيران المزعومة لعمليات التفتيش. وكما فشلت الولايات المتحدة في  آذار 2003، مع «رفض» السلطات العراقية لتقديم إثباتات على عدم امتلاكها «لأسلحة دمار شامل»، فإنّ نظام المزاعم والتفتيش الذي تفرضه الولايات المتحدة عبر وكالة الطاقة الذرية قد تمحور حول عجز السلطات الإيرانية عن البرهنة على أنّ الاتهامات الموجهة إليها لا أساس لها- أي تقديم برهانٍ على أنها غير متورطة سراً في ممارسات تحظرها الوكالة واتفاقيات الوقاية (5 أيار/ مايو 1974) والبروتوكولات الإضافية الموقعة في 18 كانون أول 2003 (رغم أن تطبيق هذه الأخيرة طوعي). علاوة على ذلك، وعبر الدورة الجهنمية من المزاعم والتفتيش التي تخضع وكالة الطاقة الذرية إيران لها منذ 38 شهراً، فقد تبنت الوكالة مراراً وتكراراً عبارات تسمح لها بالتأكيد بأنّها لا تزال «غير قادرة على تأكيد عدم وجود معدات ونشاطات نووية غير مصرح بها داخل إيران»- وهو شرط أعوج أصلاً، ليس بوسع أية دولة الوفاء به، مهما وافقت على فعله، ويعتمد تطبيقه في النهاية على لعبة الضغوطات السياسية التي ترغم وكالة الطاقة الذرية على مواصلة عمليات البحث. إذا كانت الضغوط كافية، ستعجز الدولة المتهمة إلى ما لا نهاية عن الرد على مستوى «الشفافية» والإجراءات التي يفترض بها «إعادة الثقة» المفروضة عليها. لقد كان ذلك واضحاً على نحوٍ خاص في حالة العراق [بما في ذلك في فترة العقوبات]. وطالما تعلن وكالة الطاقة الذرية عجزها عن إثبات عدم وجود معدات وأنشطة نووية غير مصرح بها داخل إيران، ستكون إيران عاجزة في مواجهة متطلبات الوكالة.

المعزوفات الممجوجة..

لقد تواصل «التهديد» والأزمة بحرص في وسائل الإعلام باستخدام كراهيةٍ كامنة مصبوغة بنبراتٍ وطنية، وبطمسٍ منهجي لكل ما كان يسمح بفهمٍ حقيقي للرهانات، التي لا تقل تضليلاً عن تلك المستخدمة لتبرير غزو العراق. والموضوعات الرئيسية المتكررة هي التالية: 1- إيران دولة دينية دموية، لها قيادة غير عقلانية وغير مستقرة سياسياً، تدعم الإرهاب وتهدد إسرائيل، ولذلك لا يمكن الوثوق ببرنامجها النووي. 2- وأنها متكتمة حيال برنامجها النووي ولا تتعاون على نحو كامل مع برنامج التفتيش الخاص بوكالة الطاقة الذرية، وسبب هذا التكتم نية إيران بتطوير أسلحة نووية. 3- وأن امتلاكها لقدرات حربية نووية أمر لا يحتمل وسيؤدي لزعزعة الشرق الأوسط إن لم يكن كامل الحضارة الغربية، ويجب منعها من فعل ذلك.

الحقائق المطموسة

من الضروري لمساندة هذه الموضوعات طمس الحقائق الرئيسية مثل:

1- أنه ما من إثبات على أن إيران تخطط حقاً لتجاوز الاستخدام السلمي للمواد النووية التي تسمح بها معاهدة منع الانتشار النووي. ولم تصرح وكالة الطاقة الذرية يوماً بأن لديها دليلاً على وجود خطط أو أسلحة أو طموحات من هذا القبيل.

2- أن لدى كل من الولايات المتحدة وإسرائيل ترسانات نووية ضخمة جاهزة للاستخدام. وأن كلتيهما هاجمتا بلداناً أخرى، منتهكتين لميثاق الأمم المتحدة، وهو ما لم تفعله إيران أبداً.

3- أن خطر إيران أقل بكثير من خطر الولايات المتحدة وإسرائيل لأنها أضعف بكثير من الدولتين اللتين تهددانها، وأن استخدامها للأسلحة النووية ممكن في حالة الدفاع عن النفس فقط. أما استخدامها في العدوان، فسيكون أمراً انتحارياً، والوضع مختلفٌ تماماً في حال هاجمت الولايات المتحدة أو إسرائيل إيران.

4- أن تكتم إيران على برنامجها النووي نتج عن إدراكها أن الولايات المتحدة وإسرائيل ستعارضان ذلك إلى حد كبير. لكن إيران وقعت على الأقل على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية وسمحت بعمليات التفتيش، بينما سمح لإسرائيل بتطوير برنامج أسلحة نووية على نحو سري، بمساعدة الولايات المتحدة وفرنسا والنرويج، ورفضت الانضمام للمعاهدة وما تزال خارج نظام التفتيش.

5- أن كلاً من الولايات المتحدة وإسرائيل دولتان دينيتان واقعياً، تتأثران بأحزاب دينية قادتها متغطرسون وعنصريون وعدائيون وتشكل تهديداً دائماً على السلام والأمن العالميين.

6- أن هاتين الدولتين أيدتا الإرهاب على نطاق أوسع من إيران (على سبيل المثال، بوسادا وبوش وشبكة الإرهاب الكوبية، وعصابات الكونترا في نيكاراغوا، سافيمبي ويونيتا، جيش لبنان الجنوبي، الخ.)

7- أنهما تزعزعان الاستقرار في الشرق الأوسط بالعدوان والتطهير العرقي في فلسطين في انتهاكٍ للقانون الدولي وبفرض عدم توازن هائل يسمح فيه لإسرائيل فقط بامتلاك أسلحة نووية في الشرق الأوسط، وهو وضعٌ سمح لإسرائيل بغزو لبنان والقيام بالتطهير العرقي في الضفة الغربية دون خشية الانتقام.

يستند الإطار البديل الأول الذي يمكن استخدامه ولا يوجد في وسائل الإعلام السائدة، إلى حقيقة أن الولايات المتحدة تنتهك باستمرار المادة السادسة من معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية والتي تطلب من كافة الفرقاء «متابعة المفاوضات بحسن نية على إجراءات فعالة تتعلق بوقف سباق التسلح النووي في وقت مبكر وإلى نزع السلاح النووي، وعلى معاهدة نزع التسلح الشامل والتام تحت رقابة دولية فاعلة وحازمة». وفي سياق اتهامات الولايات المتحدة لإيران بانتهاكات للمعاهدة، من المفيد التأكيد على قرار محكمة العدل الدولية في العام 1999، حيث حكم القضاة الأربعة عشر بالإجماع على «وجوب المتابعة بحسن نية والوصول بالمفاوضات في الختام إلى نزع السلاح النووي في كل أشكاله تحت رقابة دولية فعالة وحازمة».

تعميم النموذج العراقي

كتب المؤرخ الإسرائيلي مارتن فان كريفيلد ملاحظاً ما فعله الأمريكيون في العراق الخالي من الأسلحة في العام 2003: «إن لم يحاول الإيرانيون صنع أسلحة نووية، فهم مجانين حقاً.»

تدعم هذه الحجة إضاءةٌ ممكنةٌ أخرى: استخدام الولايات المتحدة تهديد إيران النووي كمناورة مشابهة لادعاء أسلحة الدمار الشامل الذي استخدم كسبب كاذب لغزو العراق واحتلاله. وكما في السابق، فالمناورة تشكل غطاءً لرغبة «تغيير النظام» في إيران بالقوة وتحويلها إلى دولة تابعة مطيعة أخرى. وهو أمر معترف به في بعض الأحيان، ويساعد على توضيح التضخيم المسعور للتهديد واختلاق أزمة افتراضية محضة يمكن استخدامها كذريعة لهجوم جديد، من المحتمل أن يؤدي لتغيير سياسي في إيران. كما يساعدنا على فهم رفض الولايات المتحدة المتواصل للتفاوض مع إيران وربما عرض ضمانة أمنية مقابل وقف محتمل لخطط إيران النووية. حدث نفس المسار أثناء التحضير لغزو العراق. فقد ضخمت الولايات المتحدة التهديد، وخلقت أزمة، ورفضت التفاوض مع العراق، ولم تسمح للمفتشين بإكمال بحثهم عن أسلحة الدمار الشامل المزعومة بحجة وجود تهديدٍ رهيبٍ وشيك. ويبدو أكثر معقوليةً القول إنّها كانت مصممةً في الحقيقة منذ وقتٍ طويل على تغيير النظام العراقي.

«الإعلام المنضبط...»

كما رأينا، فقد تابعت وسائل الإعلام السائدة تغطية «أزمة» إيران وأخفت دون استثناء التجاوزات وتجنبت بعناية التطرق لما يمكن للإضاءات الأخرى الممكنة أن تقدمه. ذلك لأنّ وسائل إعلامنا تجد نفسها على الفور وبالإجماع على نفس الخط (الذي لم تنحرف عنه مطلقاً) ما إن عيّنت واشنطن «تهديداً كبيراً» جديداً. فهي لا تذكر أبداً انتهاكات الولايات المتحدة لمعاهدة منع انتشار السلاح النووي وتتجاهل بعنادٍ القانون الدولي وإمكان تطبيقه على عدوان الولايات المتحدة قبل الغزو وتهديدها الصريح بشن هجوم، تماماً مثلما فعلت عشية غزو العراق كما لا توجه أية شكوك حيال جسامة التهديد، ولم تذكر يوماً حق الإيرانيين في الدفاع عن بلادهم. ولم تفترض وسائل الإعلام أبداً أن الولايات المتحدة تسيء عمداً استخدام نظام التفتيش، إذ أعفت نفسها من العودة إلى إساءة استخدامها له في الماضي، أو إلى كذبها الصريح في ما يتعلق بحملات التفتيش في العراق، ولم تفترض أبداً وجود دوافع خفية للمعتدي، مغايرة لما يعلنه.

لم تفترض وسائل الإعلام أبداً، في تعاطيها مع ردود الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة ووكالة الطاقة الذرية، أن المشكلة الحقيقية ربما تتضمن في الحقيقة الولايات المتحدة. في النسخة الساخرة المعروضة لنا، والتي لم تشكك فيها وسائل الإعلام أبداً، كثيراً ما يفترض وجود «احتمال تهدئة» إيران؛ أو أنّه إذا أراد العالم «تجنب ميونخ أخرى»، وأن «مجلس الأمن بدا عاجزاً عن مواجهة التهديد الإيراني»، فيعود الأمر للولايات المتحدة في «تشكيل تحالف دولي لنزع سلاح النظام». ولكن لم يكن هنالك أبداً تلميح بأن المشكلة قد تكون في إعادة الولايات المتحدة إلى احترام القانون الدولي؛ أو أن تطبيق قياس ميونخ ، قد لا ينطبق إطلاقاً على برنامج إيران النووي. وبالفعل، فمعاهدة 1938 بين القوى الأوروبية التي دفعت تشيكوسلوفاكيا لقبول التخلي عن جزءٍ من أراضيها للنازيين أقرب بكثير للدور الذي تلعبه حالياً الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي في تسهيل مخططات الولايات المتحدة في الأراضي الإيرانية.

■ (الترجمة عن الإنكليزية: ميشيل بوليتزي ودومينيك أرياس)

العناوين الفرعية: قاسيون