واشنطن تبحث عن الحرب.. لا عن الحقيقة

قدم المفتشان الدوليان هانز بليكس ومحمد البرادعي تقريرين لمجلس الأمن بعد شهرين من أعمالهما التفتيشية في العراق، وقد استغلت الإدارة الأمريكية ما ورد في تقرير بليكس الذي ادعى فيه أن العراق لم يتعاون تعاونا ًكاملاً مع لجنة المفتشين الدوليين وإخفاء أسلحة دمار شامل، اتخذت منها مبرراً لتهديد العراق بالحرب، وإطلاق مشاروات مع حلفائها حول خطوتها المقبلة. مع أن التقريرين طالبا مجلس الأمن بإعطاء المفتشين المزيد من الوقت إلا أن الولايات المتحدة امتنعت عن إلزام نفسها بمهلة محددة لهذه الغاية تاركة للرئيس بوش أمر هذه المسألة.

أجواء التفتيش

فما هي الأجواء التي جرت فيها عمليات التفتيش في العراق؟

فعلى امتداد شهرين طويلين تابع العالم عمليات التفتيش التي اتسمت بالتصرفات التالية:

1.  مسلسل المداهمات شبه البوليسية للمصانع والمعاهد والجامعات والمعسكرات وحتى الملاجئ وأشهرها ملجأ العامرية الذي دكته الطائرات الأمريكية قبل 12 سنة وقتل فيه أكثر من 400 امرأة وطفل وشيخ حيث كانوا يحتمون فيه.

2.  كان شعب العراق كله على امتداد شهرين، وكذلك علماؤه وخبراؤه والدارسون المميزون فيه على وجه الخصوص يعامَلون وكأنهم مجموعة من رجال العصابات أومهربي المخدرات، فقد أسقطت حرمة البيوت، ورفعت الحصانة عن دور العلم ومراكز البحوث والمعاهد المتخصصة، «باغت» المفتشون كل الأمكنة التي قد تكون «خبئت فيها أسلحة الدمار الشامل».

3. وضع نخبة العلماء والأكاديميين والخبراء المتخصصين العراقيين في الصناعات المتقدمة في خانة الخارجين على القانون ومهددي سلامة كوكب الأرض، بل أكثر من ذلك فقد عومل هؤلاء وكأنهم وحوش بشرية يخططون لتدمير الحضارة الإنسانية، وتم «تنسيب» أسامة بن لادن إليهم بدون دليل.

4. فضلاً عن ذلك كله، ورغم اعتراف التقرير المقدم لمجلس الأمن خلو العراق من أسلحة الدمار الشامل، فإن وزير الخارجية الأمريكي كولن باول يريد بوقاحة منقطعة النظير أن يعترف العراق اعترافاً صريحاً بامتلاكه جرثومة «الجمرة الخبيثة» والإرشاد إلى الأماكن التي خبئت فيها، كما أنه يريد إجراء مقابلات انفرادية مع العلماء بغير مراقبين حتى لا يكونوا شاهدين على ما يجري معهم والكلام الذي يقولونه وفضلاً عن ذلك يريد باول كشفاً بأسماء العلماء الذين اشتركوا سابقاً في برامج التسليح، ويريد أيضاً إطلاق طائرات التجسس داخل النوايا والأفكار والعقول، وإذا لم ينفذ كل ذلك فالقرار بضرب العراق جاهز.

إن عمليات التفتيش التي جرت في العراق على الشكل الذي بيناه والموقف الأمريكي العدواني الوقح دفع نائب رئيس الوزراء التركي لشن أعنف هجوم على الولايات المتحدة التي اتهمها بالنفاق لإعداد شن حرب على العراق الذي قال إنه «رفع راية الاستسلام البيضاء بالفعل».

وقال مخاطباً الولايات المتحدة: أيها الرجل الأبيض رفع لك «العراق» الراية البيضاء ونادى بالسلام. وأضاف مخاطباً الأمريكيين: أنتم تتشدقون بالكلمة الديمقراطية وتتحدثون عن حقوق الإنسان، وفي الوقت نفسه تعلنون نيتكم بشن حرب على العراق الذي رفع راية الاستسلام البيضاء.

ورغم التقريرين الإشكاليين اللذين يشككان بنوايا العراق فإن أعضاء مجلس الأمن طالبوا بأغلبيتهم الساحقة بإعطاء فرق المفتشين الدوليين المزيد من الوقت حتى 14 شباط الحالي لتقديم  تقرير آخر، وأكدت فرنسا وروسيا على ضرورة مواصلة عمليات التفتيش وطالبت ألمانيا بالاستماع لتقرير جديد في مجلس الأمن يوم 14 شباط الجاري.

إن النوايا الأمريكية الخبيثة أصبحت مكشوفة لدى العالم أجمع وهي السيطرة على منابع النفط العراقية ومنابع النفط الأخرى في إيران ومنطقة الخليج العربي، أي أن الأمر لا يتصل بالقيادة الحاكمة في العراق. وأضاف الكاتب البريطاني جون لوكاريه إلى ذلك قوله: إن ما تريده الولايات المتحدة حقاً هو إبراز قوتها العسكرية لكل منا: أي أوروبا وروسيا والصين.

 

إن الطريق الوحيدة لمقاومة البربرية الأمريكية هي أن تتابع شعوب العالم وقواها الخيرة مقاومة التهديدات الأمريكية وشرورها، التي إذا ماتركت بدون مقاومة، ستصيب العالم أجمع، وأن كل الإمكانيات موجودة إن استطاعت أن تتعاون فيما بينها وتضم جهودها وفعاليتها وتوجهها نحو الفاشية الجديدة التي تمثلها القيادة الأمريكية الحالية.