«حتمية الانتصار النهائي للثورة»

بمناسبة الذكرى الـ 85 لثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى نشرت جريدة «غلاسنوست» لسان حال قيادة الحزب الشيوعي السوفييتي ـ اتحاد الأحزاب الشيوعية المادة التالية للرفيق أوليغ شينين رئيس مجلس اتحاد الأحزاب الشيوعية-الحزب الشيوعي السوفييتي. ننشرها بكاملها لأهميتها:

■ ماحدث قبل 85 عاماً مسيرة هائلة لبشر عانوا قروناً من الظلم

■ لم ينفرط الاتحاد السوفييتي بل تم تقطيع أوصاله

■ الشعب السوفييتي والروح السوفييتية مازالا حيين

■ حزب شيوعي موحد ضروري لاحياء الاتحاد السوفييتي

■ أهم أسباب الهزيمة هو التحريفية والانتهازية

■ ألد الأعداء هم الذين يسمون أنفسهم شيوعيين ويهادنون البرجوازية

■ مصدر الارهاب الحديث هو الامبريالية العالمية وقوتها الضاربة الصهيونية

■ أزمة في منظومة النظرية والتطبيق لليبرالية الجديدة

■ نضجت الظروف الموضوعية لإعادة السلطة الى الكادحين

هذا العنوان هو جملة مستقاة من «مواد لإعادة النظر في البرنامج الحزبي» التي كتبها لينين في أيار 1917 في الوقت الذي كانت فيه مسيرة الثورة ومصيرها موضع تساؤل وشك كبيرين، وقد وردت هذه الفقرة كما هي في البرنامج الثاني للحزب الشيوعي الروسي (البلشفي) الذي تم اعتماده في المؤتمر الثامن للحزب بعد عامين تقريباً، والنص الكامل هو:  «إن الثورة البروليتارية الاشتراكية هي الوحيدة التي تستطيع إخراج البشرية من الطريق المسدود الذي أوصلتها إليه الامبريالية وحروبها. ومهما اعترض الثورة من مصاعب ونكسات مؤقتة أو موجات للثورة المضادة (مؤشرة من قبل المؤلف) فإن الانتصار النهائي للثورة هو أمر حتمي».

هنا مكمن العبقرية، حيث يمثل انتاجها رسالة للمستقبل. ألا يشكل ما ذُكر  موضوعاً حيوياً حتى يومنا هذا؟ وهنا لا بد من أن أكرر أن تلك المرحلة اتسمت بالضبابية الشديدة، وهذا ما يسوقه ن.م.مولوتوف في مذكراته: «في الأيام والأسابيع الأولى لثورة شباط لم تتجاوز أفكار البلاشفة مهام الثورة الديمقراطية.... وفيما يخص الثورة الاشتراكية فإنها كانت موجودة في مكان ما من المستقبل ولم يكن هناك وضوح بهذا الخصوص».

تطلب الأمر، أحداث تموز ومؤامرة كارنيلوف الانقلابية، لنضوج الجماهير ولتصبح جاهزة لاستلام السلطة، وبحلول خريف 1917 أصبح الحزب الاشتراكي الديمقراطي العمالي الروسي (البلشفي) في نظر عمال وجنود وبحارة مدينة بتروغراد الحزب الذي يقف في سبيل سلطة مجالس السوفييت ومن أجل ديمقراطية مباشرة حقة وحكومة توحّد كل الأحزاب الاشتراكية ذات تركيب متناسب مع تمثيلها في مجالس السوفييت، مع العلم أنه لم تطرح فكرة وجود حكومة بلشفية صرف بشكل علني إلا من قبل لينين طوال فترة عمل الحكومة المؤقتة.

لقد تم الإعداد لاستلام السلطة، لكن الوضع ظل غير مستقر. بعد العاشر (23) تشرين الأول تطلب الأمر عقد اجتماعين للّجنة المركزية وتوجيه لينين عدد من الرسائل الحماسية التعبوية منها ما ورد إلى أعضاء اللجنة المركزية بتاريخ 24 تشرين الأول (حسب التقويم القديم اليولياني) «الإبطاء في التحرك هو بمثابة الموت» ليتم في اليوم التالي حدوث أقل الثورات دموية، والتي غيّرت بشكل جذري مسيرة  تطور التاريخ ولتفتح الطريق أمام البشرية نحو مجتمع حر وعادل بحق.

إننا نضطر هنا للحديث عن حقائق بديهية كون تاريخنا قد تعرض لإعادة الصياغة ثلاث مرات. المرة الأولى كانت في تموز 1953، ولها حدان أعظميان هما شباط 1956 وتشرين أول 1961 حيث استمرت مدة 11 عاماً، تم خلالها تكذيب وتشويه وتدنيس مرحلة قصيرة نسبياُ (30 سنة) لكنها تعتبر الأكثر خصوبة وإنتاجية في حياتنا. شكلت هذه السنوات الإحدى عشر بنتائجها الضررالأكبر والأعمق على مصير الاشتراكية. وبعد مضي ربع قرن بدأت المرحلة الثانية وقد وجهت سهامها إلى كل التاريخ السوفييتي، وبعد انتصار الثورة المضادة تحولت إلى المرحلة الثالثة المستمرة حتى الآن.

اليوم تمت إعادة صياغة 200 سنة الأخيرة من تاريخنا وأصبح مرجعياً والتحسر على الحياة الطيبة وعلى تطور المجتمع في كنف الأب-القيصر وتهويل الأحداث التي حصلت بعد «انقلاب اكتوبر» أثناء الفترة السوفييتية، وهذا يشكل خطراً بحد ذاته حيث يتم حشو رؤوس الجيل المقبل بفكرة «نهاية التاريخ» وثبوت النظم الرأسمالية، ويقوم رئيس روسيا الاتحادية نفسه برسم هذا التوجه حيث صرح في فيلم تلفزيوني مخصص لميلاده الـ 50 أنه خلال حياته استطاع تلمس حقيقة كون التعاليم الماركسية-اللينينية ليست أكثر من قصة جميلة وضارة... . المهم أنه في عام 1917 تم تدمير ما يوحّد ويجمع العالم كله اليوم وهو السوق والرأسمالية المتولدة.

لابد لنا أن نواجه بكل السبل الممكنة أكاذيب آلة الدعاية الامبريالية، وألا نكِّل من نشر الحقيقة المثبتة والتي يقرها حتى الموضوعيون من المؤرخين البرجوازيين. إن ما حدث قبل 85 عاماً لم يكن مؤامرة ولا مغامرة لحفنة من الانعزاليين بل كانت مسيرة لكتلة بشرية هائلة عانت قروناً عدة من ظلم القياصرة والملاَك والرأسماليين وكُبِّلت باستغلال تعاليم الدين، لم يستطع ولم يشأ هؤلاء الاستمرار في تحمل الفوضى والفقر والعنف والظلم الاجتماعي القاهر.

إن الفضل الأكبر للينين ولحزبه البروليتاري هو التوصل إلى بناء الأممية الشيوعية وتحويل الثورة في سياق قوانين موضوعية لتطور المجتمع وإكسابها طابعاً سلمياً، موجهاً ومنظماً. من هنا يأتي نفي الأكذوبة الكبرى الثانية حول «الإرهاب الأحمر»، والحقيقة أن أعداء السلطة السوفييتية وقد سيطر عليهم هاجس إحياء النظام القديم هم من أشعل في أواسط عام 1918 نار الحرب الأهلية. (إن حلقة دول الائتلاف تشبه بشكل مثير إحاطة قواعد الناتو لروسيا اليوم والتي تتمركز على أراضي عدد من جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق). وقد تم دعم البروجوازية القومية الروسية بجيش من الغزاة يناهز المليون بما في ذلك 280 ألفأً من النمسا-المجر و850 ألفاً من القوات البريطانية والأمريكية والفرنسية واليابانية.

الأكذوبة الأخرى وهي في نفس الوقت مسلمة أحد مستشاري الرئيس الروسي في أن فصل السلطات يؤمن ويحمي حقوق الإنسان. الحقيقة أن هذا صحيح في حال كون الإنسان المقصود رأسمالياً أو مالكاً كبيراً يسيطر على فروع السلطة المختلفة. إن ثورتنا لم تلجأ للاختراع بل اعتمدت على مجالس السوفييت كجهاز إدارة جاهز أوجده الشعب نفسه والذي يفوق ديمقراطية أي برلمانية برجوازية، حيث تضم مجالس السوفييت أفراداً منتخبين ممثلين للشعب (من الممكن تغييرهم في أي وقت) يجمعون بين النهوض بالمهمة القضائية وتنفيذ القوانين وخدمة مصالح الكادحين.

إضافة لما سبق شكلت الجمهورية السوفييتية لفترة طويلة نموذجاً خاصاً لتنظيم طليعة الطبقات المسحوقة ولديكتاتورية البروليتاريا التي استطاعت دحر مقاومة المستغلين التي لم تتوقف يوماً ذلك إلى جانب قيامها بتربية وتعليم وقيادة كل الجموع الهائلة لهذه الطبقات.

لقد خلّصت الثورة العديد من شعوب الامبراطورية الروسية من الشقاق والاضطهاد القومي وأمنت الانتقال إلى الفيدرالية كعملية واعية نحو وحدة الكادحين، مما أدى في النهاية إلى تشكيل طوعي لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية. إن ما وحّد بين الناس في هذا البلد العظيم ليس «الأسلاك الشائكة» يا سيادة الرئيس! لقد أثبت الاتحاد السوفييتي القدرة على الاستمرارية في سنوات المحن الصعبة بسبب وحدة الهدف والمصالح المشتركة والصداقة الأخوية لشعوبه، وهذا ما أكده بوضوح استفتاء 17 آذار عام 1991.

لم ينفرط عقد الاتحاد السوفييتي بل تم تقطيع أوصاله بشكل وقح وإجرامي. لكن لا يزال حياً حتى يومنا ما يمكننا تسميته بظاهرة الشعب السوفييتي وروح الاتحاد السوفييتي الحية. ومع اشتداد مصائب وحرمان الجموع الشعبية تزيد أهمية وضرورة إحيائه، ويشكل اتحاد روسيا -بيلوروسيا وإنشاء حزب شيوعي موحد حلقة أساسية لتحقيق هذه المهمة.

لايمكن في مقالة صحفية قصيرة إجراء تحليل سريع لأسباب الهزيمة المؤقتة للاشتراكية في بلدنا، ولكن يكفي أن نشير هنا إلى أن الأسباب هي من طبيعة جوهرية تمثلت في التحريفية والانتهازية التي بدأت منذ النصف الثاني لخمسينات القرن الماضي والتي ظلت تضعضع أسس الاقتصاد العام الاشتراكي.

في ظل قيادات ماركسية ثورية بارزة كقيادة لينين وستالين بقي بلدنا يتحرك بثبات على الطريق الاشتراكي محققاً منجزات جديدة محافظاً على منعته. ولقد حارب هؤلاء القادة كل أشكال الانتهازية وعارضوا أي محاولة للتقليل من أهمية النضال الثوري. وإنه لواجبنا الاستمرار في هذا النضال حتى في الظروف الحالية. إن جميع حقائق التاريخ تثبت أن ألد أعداء الحركة العمالية والشيوعية هم الأشخاص الذين يسمون أنفسهم بالشيوعيين لكنهم في الواقع ينتهجون سياسة مهادنة مع البرجوازية.

وبخصوص الأحداث الأخيرة لابد أن نشير إلى أن تحالف الحزب الشيوعي الأوكراني مع الاشتراكيين والليبراليين هو نتيجة حتمية لعملية الانحطاط للاشتراكية الديمقراطية المزيفة، فمجرد المعارضة من دون طرح شعارات اشتراكية واضحة هو تضليل كبير للكادحين وسينتهي الأمر إلى أن هذا الحزب (الذي يسمى نفسه شيوعياً) سيوصل اليمين المتطرف إلى السلطة على أكتاف الكادحين أنفسهم. وهذا سيمثل حالة أشد سوءاً من رئاسة كوتشما الحالية، حيث ستضع نهاية لإمكانية إعادة قيام الاتحاد السوفييتي. وفي السياق نفسه يبدو غير معقول تحالف الاتحاد القومي الوطني لروسيا (ويعني الحزب الشيوعي الروسي) مع بيريزوفسكي حيث تؤدي هذه العملية إلى إلغاء كل إمكانيات قيام كتلة يسارية مؤثرة في روسيا.

وكما هو الحال قبل 100 عام لايضاهي أحد النظام الرأسمالي (على الصعيد المحلي والدولي) في سعيه نحو التهلكة، فمع تنامي التوسعية الامبريالية للشركات متعددة الجنسيات وزيادة بؤس الناس في الأطراف يزداد التحضير لإعادة التملك العام للطاقات الانتاجية الهائلة لهذه الشركات. وفي حين لاتهدأ النقاشات حول الإرهاب منذ 11 أيلول من العام الماضي، من المسلم بالنسبة للشيوعيين حقيقة كون مصدر الإرهاب الحديث هو الامبريالية الدولية وقوتها الضاربة-الصهيونية، والتي قسمت البشرية إلى أغلبية مستغلَّة وحفنة من المتروبولية (الدول المستعمرة)  التي تنعم الأوليغاركية المالية فيها بالرفاهية مقدمة الفتات لمواطنيها على حساب الأغلبية. إن هذا النظام الدولي سيؤدي حتماً إلى الارهاب من الطرفين، لكن البداية تأتي من الارهاب المنظم الشامل الذي يقوده المستغِلون ضد الفئات المستغلَّة.

من المفيد التذكر هنا بأن شبكة الارهاب الدولية لما يسمى بالمتطرفين الاسلاميين تم تأسيسها بدعم مباشَر من الوكالات الخاصة للولايات المتحدة واستعملت في بادئ الأمر في الحرب ضد الثورة الأفغانية والاتحاد السوفييتي، ومن ثم تم استغلالها في أكثر من مناسبة في البلقان ودول الرابطة المستقلة وخاصة في الشيشان ومنطقة القوقاز. لكن يبدو أن السحر قد انقلب على الساحر حيث يتم استغلال هذه القوى لتخويف وترهيب السكان والحد من الديمقراطية البرجوازية ولإقامة ديكتاتورية مباشرة للرأسمال الأوليغاركي الضخم الذي يُعرف عبر التاريخ تحت اسم النازية، وإن حادثة خطف الرهائن في موسكو تأتي ضمن السياق نفسه.

لهذا فإن النظام الروسي الذي ما زال فاعلاً في المجال السوفييتي السابق يسعى بخطى دؤوبة تثبيت الرأسمالية مدركاً عدم توافقه مع مصالح غالبية جمهور المواطنين الكادحين وبالتالي قصر فترة وجوده. إن بيانات السلطة الصاخبة حول النمو الاقتصادي ودعم الاستقرار الداخلي ليس لها في الواقع أي أسس بل تعتمد على الظروف المواتية لأسعار الأسواق العالمية للمواد الخام، وما يتم حالياً هو استنفاد البقايا الأخيرة للموروث الاشتراكي، ومع استمرار تدهور الحالة المعيشية للناس فإن الوضع مؤهل للميل نحو التأزم.

لا شك أن العملية الإرهابية باحتجاز الرهائن في دار الثقافة في وسط موسكو تقريباً قد عرّت بشكل فاضح عجز السلطة، وكانت قد سبقتها جريمة القتل الوقحة لمحافظ مقاطعة ماغادان. كل ذلك بيّن أن الإجرام لايتوقف أمام أي شيء في سبيل مطامعه وأهدافه، في حين أن النظام نفسه يعاني من استشراء الفساد فيه وهو عاجز عن مواجهته. كل هذه الأدلة تشير إلى أزمة في منظومة النظرية والتطبيق لليبرالية الجديدة في روسيا-الاتحاد السوفييتي، وما يشهد على ذلك هو فقدان الثقة في الانتخابات كمؤسسة لشرعية السلطة (كراسنويارسك-نيجني نوفغورود-كالميكيا) وكذلك فشل الإحصاء السكاني الذي دل على عدم ثقة واسعة للشعب بالسلطة (كل وسائل الإعلام غير الرسمية أوردت أنه تم إحصاء نسبة لاتزيد عن 70% من السكان) ولا ننسى هنا تظاهرات المعارضة في 10 و 17 من تشرين الأول والذي شارك فيها حوالي 10ملايين شخص.

كل ما سبق يشير إلى نضوج الظروف الموضوعية لإعادة السلطة إلى الفئات الكادحة، وتثبت الممارسة استحالة تحقيق ذلك في إطار الدستور البرجوازي الذي أقر عام 1993 عبر الانتخابات، وتتعزز هذه القناعة في ضوء لجوء السلطة إلى قمع الحركة اليسارية تحت غطاء مكافحة الإرهاب وباستخدام قانون مكافحة التطرف. من هنا تأتي أهمية نضج عامل ذاتي وفي المقام الأول قيام الطبقة العاملة وتنظيمها ونمو وعيها الثوري وهذه المهمة لايستطيع النهوض بها إلا حزب شيوعي موحد. إن البروليتاريا المعاصرة هي الأساس الذي يعتمد عليه الشيوعيون ومصالحها هي التي تشكل حجر الزاوية في الصراع من أجل الاشتراكية فهي متطابقة مع مصالح الأغلبية الكادحة لكل البشرية.

 

فلنحي ثورة اكتوبر الاشتراكية العظمى! ولنثبت بأفعالنا أننا جديرون بحمل لواء قضية لينين وستالين! ياعمال العالم اتحدوا!