عملية أريحا نموذجاً لإرهاب الدولة والتواطؤ الغربي أحمد سعدات من سجون «السلطة» إلى سجون الصهاينة

 ما شهده سجن أريحا من عمليات قام بها جيش الاحتلال الإسرائيلي بعد تمهيد متواطئ من "الحراس الإنكليز والأمريكان" باستخدام كل الأسلحة الثقيلة والجرافات ضد معتقلين عزل وقوات أمن فلسطينية لا تملك أمام الآلة العسكرية الإسرائيلية ما يمكن أن تواجه به هذه الآلة، يدفعنا إلى التساؤل عما إذا كان يحق لكائن من كان أن يجد تصنيفا آخرا غير تصنيف إرهاب الدولة الرسمي الذي تمارسه "دولة" تعيش خارج منطق القانون والعهود،

ومن خلال بث حي ومباشر لعملياتها الإذلالية في تعرية المعتقلين الذين لا يحملون أي نوع من السلاح باستثناء قوات الامن الفلسطينية التي نزع سلاحها قبل الطلب من عناصرها رفع أيديهم في الهواء، كتعبير عن محاولات دائمة لتقديم الصورة النمطية للعربي المستسلم والجندي الإسرائيلي المحتمي داخل دباباته وجرافاته وناقلات جنده كمنتصر وكحالة لا يمكن أن تقهر...

أين القانون الدولي؟

ليس هناك من شك بأن كل ما يقال عن أن الدم الفلسطيني يُستخدم كبارموميتر سياسي في لعبة "الديمقراطية الإسرائيلية" التي تتنافس أمام مرأى ومسمع ما يسمى المجتمع الدولي على سفك الدم الفلسطيني هي أقوال صحيحة دون أقل اعتبار لا لقانون دولي ولا لمواثيق وأعراف يُطالب الضحية الفلسطيني الالتزام بها التزاما فولاذيا لا لبس فيه..

فاعتقال أحمد سعدات بعد التواطؤ الواضح من الغربيين الذين كانوا شهود زور على ما يسمى "تفاهما" أو"اتفاق" لا يجد فيه المنظر الصهيوني أي حرج ، ولا يجد فيه البريطانيون والأمريكان الذين ادعوا بأن السلطة لم تستطع حمايتهم.... وهي حالة فيها من السخرية ما يمكن أي مراقب أن يكتشف حجمها، فهؤلاء الحراس كانوا بالأصل سجانين للسجناء في معتقل أريحا فكيف الادعاء بأن هؤلاء الغربيين المسلحين ينسحبون قبل لحظات من الهجوم على سجن أريحا حماية لحياتهم دون أدنى اعتبار لحياة الفلسطيني...

إرهاب منظم

إذا كان لابد من مقارنة سريعة بين العقلية الصهيونية القائمة على قلب الوقائع رأسا على عقب بادعاءات جلها تخريف وتحريف وبين عقلية عربية تطالب نتيجة العجز عن قراءة تلك العقلية من خلال تكرار الروايات الإسرائيلية كمهرب من مواجهة العجز لأسباب باتت معروفة لأي مراقب... فكم صوتا رسميا عربيا سمعنا طيلة النهار الدموي الإرهابي الذي شهدته أريحا؟ وكم كان مؤثرا صوت أمين عام جامعة الدول العربية في لحظة كانت تتطلب موقفا حقيقيا تجاه من شارك في ذلك التفاهم الذي أبقى على سعدات رهنا بإعتقال جائر !

ولمتابعة المقارنة فإن "الإرهابيين" الفلسطينيين الذين زُج بهم في سجن أريحا يقدمون في الرواية الصهيونية، بالطريقة التي تعفي كل المتواطئين عربا وفلسطينيين وغربيين، ككائنات لا تستحق إلا الدبابات وطائرات الهليكوبتر ومن خلال تنسيق واضح لا لبس فيه  لقتل هؤلاء السجناء إن لم يستسلموا... وفعلا ذهب شهداء وجرحى وتدمير يتفاخر به المتحدث العسكري الإسرائيلي لسجن المقاطعة في أريحا...

هذا يُذكرنا تماما بقضية كنيسة المهد والتفاهم المزعوم الذي شاركت فيه أيدي فلسطينية حيث مايزال هؤلاء الذين أُبعدوا عن وطنهم مشردين ومطاردين لا يسمح لهم بالعودة...

يتناسى بعض هؤلاء الذين يرددون الرواية الصهيونية بأن هؤلاء "الإرهابيين" الذين جرى اليوم تسليمهم بشكل دموي لقوات الاحتلال بأن قتلهم لرحبعام زئيفي ، الذي عده البعض خطا أحمرا، إنما جاء بعد أن انتفت كل الخطوط في لعبة الازدواجية العربية والغربية في اغتيال الشهيد أبوعلي مصطفى في رام الله وهو في مكتبه وبطريقة دموية حولت جسده إلى أشلاء ... والزج بنائبه في المعتقلات... أضف إلى ذلك اعتقال وإهانة نواب ووزراء منتخبين من شعبهم...

ضبط النفس.. إلى متى؟

وعليه فإن كل تلك القراءات التي لا تملك غير النظارات الأمريكية والصهيونية  تجد في الأفعال الدموية لقوات الاحتلال تصنيفا تحت مسمى "الانتقام" بينما لا يحق للفلسطيني إلا أن يُقتل وينكل به ومن ثم يُطلب إليه أن يكون متحضرا ويبتعد عن "الانتقام والرد" بل وتطلب الإدارة الأمريكية دوما من كل العرب "ضبط النفس"...

دعونا نقل بأن ما جرى في أريحا هو مقدمة واضحة لما سيواجهه الشعب الفلسطيني بعد أن مارس حقه الديمقراطي، مزيدا من النفاق الغربي والازدواجية في المعايير والعقاب الجماعي، فالشعب الفلسطيني يعيش حقا في سجن كبير له بوابات مسيطر عليها إسرائيليا ودوليا فمعبر رفح يُغلق متى شعر "المراقبون" بأن حياتهم "مهددة" دون الالتفات للأسباب التي تخلقها دولة الاحتلال من ممارسات ضد شعب كامل يراد له أن يقبل العيش في كانتونات محاصرة بقوة النيران والقوانين العنصرية الجائرة  بدءا من التحكم في تصدير واستيراد حر حتى بناء هذا الجدار العنصري الذي يحرم الفلسطيني من إمكان البقاء حيا إلا بإذن صهيوني ... وعلى أبواب انتخابات الكنيست، الذي لا  يتساءل أحد عن البرامج المتطرفة لمجموعاته وأحزابه طالما أنها يهودية وليست عربية، سوف نرى الكثير من الممارسات الدموية والمستهترة تماما بالشعب الفلسطيني من خلال خطوات فرض التهويد في القدس وسرقة الأرض الفلسطينية لإقامة المزيد من المستعمرات... والردود الفلسطينية ستبقى دوما "مدانة" من "المجتمع الدولي" الذي يقف مشجعا ومتفرجا على كل الانتهاكات التي تمارسها دولة لا تقيم وزنا للضعفاء ولا أقل احترام لأي من المعاهدات المزعومة...

في مقابل ذلك يتوهم الاحتلال إن أعتقد بأن الشعب الفلسطيني سيقبل ويرضخ يوما للأمر الواقع مهما قدم بوش من كلمات مخادعة عن رؤية لم تأت للشعب الفلسطيني إلا بكلام أجوف وأفعال صلفة ...

 ■ ناصر السهلي

 

قاسيون - بتصرف